وضع الثقافة الفلسطينية وأهميتها في تعزيز الهوية ولوجود/ آمال أبو خديجة

الثقافة تمثل هوية المجتمع وتبرز صفاته الفريدة عن غيره من المجتمعات، فالكل مجتمع صفات تدل على أسلوب حياته ونمط سلوكه الجمعي والفردي، وهي سلوك ظاهري يُتوارث عبر الأجيال ويُتعرض للتطوير و التغير حسب ما يدخل على المجتمع من عوامل النمو والتطور التي تُغيب بعض العادات وتظهر أخرى جديدة .وهي تعبر عن الشخصية الذاتية التي يقوم بها الفرد أو الشخصية الجمعية من خلال ما يصدر من قيم وسلوكيات تعطي نمط للثقافة التي اكتسبها تكون في أغلب الأحيان تلقائية دون تخطيط، والثقافات الإنسانية تتداخل وتتشابه في كثير من الأمور ويعتبر الإنسان أساس وجودها ولولاه ما وجدت وما تميز عن غيره من المخلوقات بهويته وتراثه الخاص، و الثقافة تعتبر من الحاجات الضرورية للبقاء والحفاظ على الوجود فالإنسان بدون ثقافة وتاريخ تراثي لا يمكن أن يكون له وجود حقيقي ودائم يستطيع من خلاله يثبت حقوقه ووجوده .


 


وللثقافة أنواع منها ما يتعلق بالعامة من عادات شعبية واجتماعية فتشكل هوية وشخصية جمعية، ومنها ما يتعلق بفرد أو مجموعة أفراد تشابهت صفاتهم وسلوكياتهم فألقيت عليهم صفة المثقفين، فالثقافة الجمعية العامة تقوم على وجود لغة مشتركة يتفاعل بها الأفراد ولباس تراثي موحد تتميز به ومعالم أثرية وحضارية في العمران والبناء وعادات وسلوكيات اجتماعية للتواصل تميز علاقات الناس وأغذية وأكلات خاصة وطبيعة بيئية ومناخية ونمط للحياة وطابع تاريخي وسياسي وفني معين فهي تتعلق بكل ما يحيط بالإنسان الفرد الذي يتفاعل مع محيطة فتنتج له ثقافة خاصة به .


 


 والثقافة الفردية جزء من ثقافة الجماعة فتكون بما يبرز من سلوكيات عقلية ونفسية تميز الفرد عن غيره تجعل الآخرين يطلق عليه صفة مثقف بما يملكه من معرفة ومعلومات وتفاعله من خلالها مع مجالات عديدة و قدرة على دراسة الواقع والتحليل والتوصل لنتائج تؤدي للتطوير وتحسين المجتمع ولديه بصيرة ثاقبة توصله لرؤية الأمور كما هي واتخاذ القرار بما يتناسب مع الواقع، كما أنه يحافظ على سلوكيات وعادات مجتمعه فأينما توجه يبرز تلك الهوية الخاصة بأصلته وحضارته  .


 


الثقافة ترتبط بعميق بأفرادها فبدون ثقافة للمجتمع لن يتحقق وجوده وهويته ودون وجود هوية وشخصية خاصة لن تحقق ثقافة للمجتمع، فالعلاقة تبادلية تفاعلية تدفع الأفراد لشعور الانتماء للوطن والدفاع عنه من أي محاولات لتضيع معالمه وتغيب ثقافته من أي احتلال أو عدوان خارجي، فأول ما يبدأ به الاحتلال هو العمل على تغير ثقافة المجتمع وتغيبها من الذاكرة والذهن الفردي والجمعي، وسرقة المعالم الثقافية والتراثية بكل أشكالها وتشويهها ودمجه بثقافة أخرى غريبة لتحفظ في ذاكرة الأجيال القادمة، فيؤثر على اللغة بمحاولة تشويه اللغة الأصلية ويؤثر على العادات بفرض عادات جديدة ويستغل المناهج الدراسية والتعليمية ليبث من خلالها معلومات مشوهه عن التاريخ والوجود ويسيطر على معالم تراثية ومعمارية لُيسميها بمسميات يدعي انتمائها إليه، بل يحاول سرقة كل ما له علاقة بالأصل التاريخي والوجودي للبلد المحتل ليمسح الذاكرة ويشوهها  .


فلسطين تتميز عن غيرها من المجتمعات بتاريخها العريق ووجودها الأصيل بما تتمتع به من قدسية المكان كونها مهبط الأنبياء ومحل الرسالات، مما جعلها تتعرض لكثير من العدوان والغزو الخارجي ومحاولة مسح تاريخها وسرقة معالمها وإدخال ما لم يتناسب مع ثوبها وطبيعتها، فتعرضت للعدوان العثماني والبريطاني ثم العدوان السرطاني الصهيوني والذي ما زال منذ أكثر من ستين عاما يمارس محاولات التهويد للأرض والمعالم الأثرية والإنسان وسرقة كل ما تقع عليه يديه ليدّعي أنها من أصل تاريخه الذي ليس له وجود ولا أصالة .


 


ويتمتع المجتمع الفلسطيني ببعض الموارد المهمة للحفاظ على ثقافته وهوية وجوده ونموها داخل العقل الفلسطيني وتوريثها للأجيال، وحسب كتاب الإحصاء الفلسطيني لعام 2010 رقم ( 11 ) تبين أن الموارد الثقافة التي تُثبت وتُعرف بالثقافة الفلسطينية بالمجتمع هي " المساجد ودور القرآن، المتاحف والمكتبات العامة والمراكز الثقافية والمسارح ودور السينما ووسائل الإعلام من الصحف والمجلات والدوريات " وممكن إضافة المنشورات العلمية وعقد المؤتمرات والدورات وورش العمل ووفرة وسائل الاتصال المختلفة من الإنترنت والتلفاز والراديو وغيرها من الأجهزة والمواد التي ترتبط في حياة الإنسان وتؤدي لنموه الثقافي والفكري .


 


وفي نظرة إحصائية حول هذه المراكز الثقافية وما تتركه من أثر لزيادة الوعي الثقافي ونموه تبين أن المسجد ودور القرآن أخذ النصيب الأكبر حيث وصل عدد المساجد في الأراضي الفلسطينية لعام 2007-2009 ( 2و342 ) مسجد أما دور القرآن فقد وصل إلى ( 1,413 ) دار قرآن.


 


يلاحظ أن المساجد تلعب الدور الأكثر تأثيراً في بناء الثقافة والمحافظة عليها داخل المجتمع الفلسطيني وخاصة العقيدة الدينية فالمسجد في حياة المسلمين يعتبر معلماً إسلامياً مهماً كونه يمثل المكان الروحاني لبناء الإنسان وعلاقته مع خالقه لينطلق بعدها لبناء علاقاته مع الآخرين وتفاعله في مجتمعه، فالجانب الروحي للإنسان يتطور من خلال معالجة الفكر والاعتقاد وعلاقته بالنفس وجوارحها ليظهر السلوك المرتبط بالشعور الجمعي،


فالاجتماع الدائم بالصلوات الخمس وخطبة الجمعة ودروس التوجيه والإرشاد والتوعية بمشاكل المجتمع وما يرتبط بالعالم الخارجي، وبث القيم الأخلاقية الحميدة التي تؤثر في تشكل الثقافة وتميز المجتمع والحفاظ عليه من أي ملوثات خارجية مقصودة والحديث عن التراث والتاريخ الإسلامي العربي العريق وذكر فضائل الشخصيات المؤثرة التي تركت بصماتها التاريخية والحضارية في العالم العربي والإسلامي والفلسطيني، والتحدث عن المقدسات الإسلامية والتاريخية لتحفظ في الذاكرة وتعلم للأجيال والتوعية لكثير من الأحداث السياسي المحلية والعالمية وما يدور حول القضية الفلسطينية من قبل الاحتلال الصهيوني وحلفائه .


 


 فالمسجد يعطي سرعة في رفع الوعي وتنوع المعرفة والثقافة باستمرار وجود جلسات العلم المتنوعة وخاصة بما يتعلق بالأمور الفقهية التي تمس حياة الناس اليومية وما يتعلق بالقضية ومشاكلها، ووجود نشاطات مختلفة ترويحية بمسابقات علمية وغير ذلك مما يؤدي لزيادة الإقبال على المساجد وخاصة من قبل الأطفال الذين يُفضل كثير من الأهل في أغلب الأحيان وخاصة بالعطل المدرسية أن يتربى أبناءهم على حفظ  كتاب الله ومعرفة الثقافة العربية والهوية الوجودية التي تربطهم بالجانب الإسلامي والإيماني والتاريخي  .


 


المكتبات العامة


من المتوقع أن تكون المكتبات العامة ذات دور كبير في تنمية الثقافة والمعرفة لدى المواطن الفلسطيني، ورغم ذلك فإن عدد المكتبات ليس بالحجم الكافي والمناسب مع عدد المحافظات والسكان في الأراضي الفلسطينية، حيث وصل عددها في الأراضي الفلسطينية ما يقارب ( 80 ) مكتبة ما بين مكتبة عامة وخاصة .


 


فالقراءة أهم ما تنمي وتطور العقل بالمعرفة والوعي الإنساني، والعلم هو النور الذي يستدل به على الحياة السوية لتقوم العمارة والحضارة والتقدم، وبالقراءة تزداد المعرفة الثقافية الخاصة بالمجتمع الذي ينتمي إليه الفرد فيعرف أصلها ومنبعها ومعالم تراثها وتاريخ حضارتها ويرتبط بجذور قضيته ووجوده ، فيزداد تعزيز المفاهيم في الذاكرة وكيفية المحافظة على وجودها في ظل الاحتلال الصهيوني .


 


 وتوفير مكتبات لأفراد الشعب على مستوى أعمارهم بصورة سهلة يساعد على النمو الفكري والثقافي المتميز ورغم أن حركة الطباعة والتأليف في العالم العربي جيدة وتُعقد معارض ومؤتمرات بصورة متتالية إلا أن المواطن العربي والفلسطيني ما زال يعاني النقص والضعف في الإقبال على المكتبات ومطالعة الكتب واقتنائها، حيث هناك أزمة ثقافية علمية حقيقية في الإقبال على القراءة التي تعزز وجود الثقافة السوية، فكثير من أفراد الشعب الفلسطيني يكتفي بما حصل عليه من معلومات خلال الدراسة الجامعية أو الدورات والتي ما تلبث أن تُنسى ولا يسعى لتطوير ذاته وتحسين ثقافته و تنمية شخصيته ودراسة تاريخه وحضارته ونقلها للأجيال من خلال ممارساته الحياتية، وظهرت نسبة المنتسبين للمكتبات العامة فقط ( 3.3%) والذين يقرؤون الكتب لكلا الجنسين ( 61% ) هذه النسبة لم تبين طبيعة الكتب التي تقرأ و الفئة العمرية التي تُقبل عليها، وهل هي من الكتب المدرسية والجامعية أم عامة، كما أن هذه النسبة لا تمثل القدر المناسب للمجتمع الذي يسعى نحو النمو والنهوض ودعم ثقافته وتطويره مقاربة بالمجتمعات المتحضرة . كما أن المكتبات العامة أكثر ما تتركز في المدن الرئيسية أما مناطق الريف والمخيمات فإنها تفتقر لوجود مكتبات وجمعيات ثقافية ، وكثير من هذه المكتبات تكون ضمن مؤسسات رسمية خاصة وجامعات ومعاهد علمية حيث يصعب على جميع أفراد المجتمع الوصول إليها بصورة سهلة .


 


فالمجتمع المتحضر الذي يظهر اهتمام أفراده وحكومته باستغلال الوقت من أجل تحصيل المعرفة حيث لا يمر يوم إلا وقد أضيف للذاكرة معلومات جديدة تزيد من نسبة الوعي والثقافة، نشاهد أفراد المجتمعات الغربية المتحضرة كيف يتم دعم القراءة والمعرفة ورفع نسبة الثقافة للمواطنين حيث توفر الحكومة في كل حي مكتبة عامة مفتوحة لساعات طويلة وكل شخص لديه وقت فراغ يكون الكتاب صديقه وصاحبه حيث يعلم الأطفال منذ الصغر على التعلق بالكتاب وحب القراءة واستغلال الوقت، لكن للأسف في مجتمعاتنا العربية نجد نفوراً شديداً من الكتاب لكثير من الناس والفرار لوسائل ترفيهه أو النوادي الرياضية والتي لا تنمي الثقافة بالقدر الكافي لنيل الحضارة وتعزيز الوعي بكيفية التطوير والنمو للمجتمع  .


 


 المتاحف الثقافية


تعتبر المتاحف صاحبة تأثير قوي في حفظ الذاكرة الوطنية التاريخية وتثبيتها في أذهان الأجيال المتلاحقة، فالمتحف يشتمل على تحف ومنحوتات ورسومات وخرائط ووثائق ومخطوطات وغير ذلك تدل على الحضارة الخاصة بالمجتمع ، فتبرز تراثها وثقافتها العمرانية وأشكالها الهندسية والتحف النادرة والأدوات التي استخدمت واللباس المتميز والمأكولات الخاصة وكل ما يرتبط بالتاريخ القديم للمجتمع ليثبت هوية وجوده .


 


وكلما زادت المتاحف الثقافية داخل المجتمع كلما زادت المعرفة ودل على حراك جمعي واهتمام بالحرص على الهوية والوجود وربط الأجيال القادمة بها مهما تطورت أساليب الحياة ودخل عليها من تغيرات، فتاريخ الهوية الحضارية للدول هو من يحفظ بقاءها ووجودها، فعدد المتاحف ما يقارب ( 6 ) متاحف فقط ، أما الزائرين بلغ ( 4.339 ) زائر ، أما المراكز الثقافية ( 269.060 ) زائر، لم تظهر الأماكن التي تتواجد فيها المتاحف كما أن عددها قليل جداً ولا يكفي للمساحة السكانية ليتم تعريف المواطنين بمحتويات المتاحف وعلاقته بأصل وجودهم وحضارتهم وخاصة بحقيقة الصراع مع الصهاينة وفلسطين التاريخية القديمة .


 


 وتعمدت سياسة الاحتلال الصهيوني بسرقة المتاحف وتهويدها مما قلل من عددها وتوزيعها، أما الزائرين لهذه المتاحف يدل على اهتمام أفراد المجتمع بالتراث وتعزيز الثقافة ومن المتوقع أن تكون من الفئة المهتمة بالتراث وإطلاعه عليها .


 


 فلسطين أرض حضارية تاريخية ذات جذور عميقة، وكل قطعة من أرضها لها تاريخ خاص يجب أن يعاد توثيقه  ووضعه في متاحف متنوعة ويمنع الاحتلال الصهيوني من السيطرة على التراث والأرض الفلسطينية وسرقة وتهويده ليكون تراثاً لإنتاج تاريخي مزور لهم  ، والعمل على وضع خطط سياحية ودولية لجذب السياح للمناطق الأثرية والمتاحف التاريخية لإطلاعهم على تاريخ فلسطين ومعرفة الحقائق وكشف تزوير الصهاينة وأكاذيبهم التاريخية بعرض الوثائق والمخطوطات والخرائط التاريخية التي تثبت حق الوجود للشعب العربي الفلسطيني .


 


المسرح والسينما


المسرح والسينما لهما دوراً لا يقل أهمية عما سبق بتطوير الوعي الثقافي والمعرفي للمواطن إذا تم استغلاله بصورة صحيحة، فكلما توجهت تلك المراكز لعرض الأفلام والمسرحيات ذات الفكر الهادف لبناء قيم سليمة وسوية و الاهتمام بقضايا المجتمع الفلسطيني وهمومه وما يعانيه تحت سطوة ظلم الاحتلال الصهيوني بطرق عرض فنية رائعة ومتزنة تبنى على القيم والأخلاق الراقية،كلما كان التأثير الثقافي لها كبيراً بما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومشاكل المجتمع وما يدور بالعالم، وقد بينت الإحصائيات عدد المسارح في الأراضي الفلسطينية  ( 8 ) مسارح أما دور السينما( 2 ) دار سينما، وعدد الزائرين للمسارح ( 156.730 ) أما دور السينما ( 64.026 ) زائر في الأراضي الفلسطينية .


 


فالإقبال على العرض المسرحي أكثر من الأفلام السينمائية ولعل ذلك لقلة عدد دور السينما أو أن المفهوم السائد لدى الناس أن السينما لها تأثير سلبي وتَعرض أفلام تسبب الحرج الاجتماعي أما المسرح يعرض ما هو أكثر إفادة ، كما أن المسرح يفتح المجال للتواصل ورؤية الموقف التمثيلي مباشرة عكس السينما وهذا يؤدي للتفاعل مع الموقف أكثر ، والمسرح له أثر تاريخي قديم في العالم العربي ببث القيم ومعالجة مشكلات اجتماعية وسياسية مثل الحكواتي والقصاص، وتوفر أجهزة التلفاز بصورة واسعة في المجتمع بأشكال وشاشات تشابه دور السينما وتطورها مما تجعل المواطن في بعض الأحيان يفضل المسرح على السينما .


 


الصحف والمجلات


الإعلام على أشكاله المختلفة الوسيلة الأقوى في بث القيم وزيادة الوعي وإحداث التغير لكثير من المفاهيم والسلوكيات الفردية والجماعية، والمحافظة على الثقافة الخاصة بالمجتمع والتوعية بها ، وبينت الإحصائيات عدد الصحف العاملة في الأراضي الفلسطينية ما يقرب ( 11 ) صحيفة أما المجلات ( 6 ) مجلات فقط ، ونسبة من يطالعون الصحف ( 31.5 % ) برزت في الريف بنسبة ( 33% ) مقابل الحضر ( 32 % ) أما الذكور نسبتهم في المطالعة ( 34.9% ) أما الإناث ( 28 % )


 


فالصحافة الصادقة والحقيقية المقروءة ذات تأثير أساسي في مفاهيم الناس وبث الوعي الثقافي والعلمي بما تحويه من تقارير ومقالات وأخبار بشتى أنواعها وموضوعاتها، ويعتبر التنافس الإعلامي و الصحفي اليوم أكثر ما يبرز قضايا الأمم على الساحة الدولية ويضعها في مقدمة اهتمام الدول، ويعتبر الإعلام وسيلة تنافس وصراع وضغط في الحروب والنزاعات الدولية بل أكثر ما تقوم عليه الحرب النفسية .


 


بالنسبة للصحافة في فلسطين فهناك تقريباً ما لا يقل عن ( 4 ) صحف رئيسية ذات الأثر الأقوى في الشارع الفلسطيني بزيادة الوعي، تقوم برصد ومتابعة قضايا الشعب الفلسطيني بكل جوانبه والاعتداءات الصهيونية على الأرض والشعب، وتنشر المعلومات والتقارير والأبحاث والمقالات التي تحتوي على كثير من المعلومات والإحصائيات والتحليلات التي ترفع من ثقافة القارئ بصورة كبيرة، وتفتح المجال لديه ليعبر ويكتب عما لديه من معرفة .


 


أما المجلات رغم أهميتها العلمية إلا أن تأثيرها بالمجتمع الفلسطيني أقل من الصحف اليومية كونها تصدر بصورة دورية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية وتحتاج لاشتراك مالي في أغلب الأحيان مما يجعل من يقبل عليها أصحاب الاهتمامات والتخصصات حسب موضوعات المجلة المطروحة في السوق، ولعل المجلات الترفيه والفنية والأزياء أو الديكور أكثر ما يُهتم به وخاصة من النساء، كما أن توفر الإنترنت في كل بيت جعل التوجه إليه للحصول على المعلومة السريعة أكثر من الكتب أو المجلات وخاصة إن وجدت مواقع لتلك المجلات وتوفرت الكتب على شبكات النت  .


 


يلاحظ أن الريف أكثر إقبالاً على القراءة من المدن ويعزى ذلك إما لعدم توفر وسائل المعلومات بسهولة مثل المدينة، وقلة الضغوط المجتمعية لدى الأسرة الريفية ونمط الحياة الأقل تعقيداً، والذكور أكثر إقبالا من الإناث ولعل ذلك لسهولة الحركة لديهم وتنوع  انتماءاتهم السياسة وميولهم واهتماماتهم أكثر في المعرفة الحياتية، وانشغال كثير من الإناث بالأعمال المنزلية وتربية الأبناء وتركيزها على المعلومات التي تتعلق بها كأنثى أكثر من موضوعات أخرى  .


 


كما أن تطور وسائل الاتصال من خلال الشبكة العنكبوتية فتح المجال الواسع أمام التواصل الاجتماعي والإعلامي لبث المعلومات والمعرفة للجميع وخاصة مع توفر صفحات الفيس بوك والإميلات ومواقع إعلامية مميزة تتخصص بقضايا فلسطين وتعمل لأجل القضية وحمايتها .


 


التلفاز والراديو


نسبة من يشاهدون التلفاز في الأراضي الفلسطينية ( 92.5% ) برزت في الريف والمخيمات بنسبة (93.5 % ) مقابل الحضر ( 92.2% ) وتعتبر نسبة الذين يستمعون للراديو فقط ( 45.7% ) برزت في الحضر أكثر من الريف والمخيمات بنسبة ( 46.7% ) مقابل 45.9 % في الريف و 38.2% مخيمات .


 


تحتل التكنولوجيا في الوقت الحالي المرتبة الأولى للتأثير بوعي ومفاهيم المواطن حيث أصبحت تلك الأجهزة من الضرورات التي يجب أن توفر في كل بيت بغض النظر عن الإمكانات أو الوضع المالي للأسرة، فالبيت الذي تخلو منه الأجهزة الإلكترونية يعتبر من البيوت المنغلقة، لقد أصبح العالم من خلالها قرية صغيرة تستطيع أن تتجول فيها بلحظات و تشاهد الأحداث بواقعيتها وبصورة مباشرة وبالتطور السريع والمستمر للتكنولوجيا من الممكن أن تتفاعل مع المشهد وتتعايش مع المواقف والأحداث.


 


وفي الصراعات الدولية وموازين القوى أصبح الإعلام المشاهد والمسموع الأكثر تأثيراً ومنافسة بين الدول ويلاحظ تزايده بإيجاد محطات إعلامية عالمية وإقليمية للوصول للمعلومة والحدث بصورة أسرع من غيرها لإيصالها للمشاهدين وخاصة بما يتعلق بالجانب السياسي بما فيه من نشرات أخبار وتحليلات سياسية وبرامج وأحداث عالمية وخاصة في ظل الثورات العربية الحالية .وله تأثير قوي في تعديل المفاهيم و بث قيم جديدة خاصة في ظل نظام العولمة يما يُعرض من أفلام وثائقية و برامج ثقافية و نشرات إخبارية و مسلسلات عالمية ومحلية أو أغاني ولقطات فنية و حتى الدعاية التجارية التي لا بد أنها تهدف لكثير من القيم .


 


ويلاحظ أن الريف أيضا أكثر مشاهدة للتلفاز من المدن ولعل ذلك يعود للأسباب السابقة ولقلة الضغوطات وتوفر الوقت أكثر من المدن بسبب طبيعة البيئة والحياة المعيشة الأقل تعقيداً، كما أن الاستماع للراديو أقل من التلفاز وذلك لرغبة المواطن رؤية المتحدث والحدث وليس فقط الصوت، ولقضاء وقت ترفيهي أكثر وخاصة في الجلسات العائلية أو المسائية، لعل الاستماع للراديو كونه لا يحتاج لتفرغ كامل فيكفي الجلوس بالسيارة أو المطبخ أو مكتب العمل أو أي حال يستطيع أن يستمع الشخص إليه ويؤدي مهامه في نفس الوقت، وقد ظهر أن المدن نسبة الاستماع للراديو فيها أعلى من القرى والمخيمات، وذلك لكثرة الأعمال والوظائف التي تسمح للفرد أن يستمع لها في أثناء عمله وخاصة من يقود السيارة وبالذات العمومي .


 


الخلاصة


من خلال ما سبق يتبين أن المجتمع الفلسطيني لم يرتقي للمستوى المطلوب في تعزيز الثقافة الشاملة في المجتمع وخاصة بما يتعلق بالجانب التراثي وإبراز الهوية القومية والتاريخ الفلسطيني الأصيل، ويوجد تقصير في إقبال أفراد المجتمع واهتماماتهم بهذا الجانب ومن قبل الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، فالثقافة والتراث الفلسطيني له امتداد عريق منذ قرون طويلة، حيث تعتبر فلسطين من أقدم الحضارات الإنسانية في تاريخها، حيث كانت مهبط الأنبياء ومحل الرسالات السماوية مما جعل أنظار العالم تشد إليها وترتحل أقدامها لزيارتها، وقد تعرضت فلسطين وتراثها وثقافتها لمحاولات عديدة من المحتلين زمن الانتداب البريطاني و العثماني لسرقة تراثها وتغير معالمها وتشتيت وحدتها ومحو ذاكرتها، ثم توالى عليها الكيان الصهيوني الذي مارس منذ يومه الأول لاحتلالها عملية التهويد للأرض وسرقة المعالم على أشكالها وانتمائها لتحول المعالم المزورة لتاريخ صهيوني مهود، وما زالت فلسطين من شرقها لغربها تعاني محاولات المحو والتزوير والعدوان على كل معلم من معالمها التاريخية، ففي فلسطين المحتلة منذ عام 48 غيبت كثير من معالم الوطن، وخفيت منها دلائل العروبة بل أدمجت اللغة لتصبح لغة مركبة تنازعها مصطلحات صهيونية، وغابت معالم الأرض القديمة وظهرت أشجار غيب من بينها شجر التين والزيتون، ورفعت ناطحات لتصارع بحقدها السماء، وهُودت مساجد وأُلغيت مآذن لتصدع بذكر الحاخامات التوراتية بل كاد أن تضيع كل معالم الهوية الفلسطينية لتذوب بين طيات شعب جمع من الشتات، ولكن إرادة الشعب أقوى من أن تُذيب جسده ليبقى ينبض بالحياة ولو بأنفاس ضعيفة .


 


وما زال الكيان الصهيوني يمارس أعظم وأبشع الأساليب العدوانية على فلسطين أينما وجدت آثارها ففي الصحراء تطرد وتسرق هوية البداوة والأصالة لتبنى مقامات صهيونية وحدائق عامة، وفي الأغوار تهدم البيوت والمزارع لتزرع بأعشاب موت مسمم وتلفها مستوطنات توسع جذورها وتمدد، والقدس ما عاد يبقى من وجودها الكثير فأبوابها الشاهدة على تاريخها المجيد تهدم وتلغى أحيائها وشوارعها المتعرجة بحجارة جبالها القدسية، ومناهج تمحى منها نكبات ونكسات تُدرس لذاكرة الأجيال، وتحاصر حدودها وأحياءها من كل جانب ليقطع تواصلها مع الإنسان الفلسطيني وتبقى روحها تنازع حق البقاء، وتنشر حدائق عامة في كل حي وزاوية لترفيه قطعانهم المستوطنين ويفرحوا ويرقصوا بما سلبوا ودمروا وهجروا للفلسطينيين   .


 


وفي الضفة الغربية لا يبتعد ولا يقل المشهد كثيراً عما يحدث في فلسطين 48 و القدس المحتلة، فهجمة التهويد للأراضي والأماكن وتزوير التراث ونهب للثروات، وتقوية للمستوطنين ووجودهم ليعيثوا الفساد والتخريب والإرهاب في كل شيء تحت حماية الجيش الصهيوني وحكومته، واقتلاع الأرض الخضراء من مزروعاتها الأصيلة من التين والزيتون والزعتر وكسوها بألوان حجارة سوداء مهودة لتزرع مستوطناتهم حتى أكلت النسبة الأكبر من الأرض ولم يبقى منها القليل الذي يقع تحت التهديد الاستيلاء عليه والتهجير ورغم أن الجدار قد سلب الكثير ودمره إلا أن كل شيء مهدد للسرقة والتهويد.


 


التوصيات


فلسطين هويتها الوجودية ذات بعد تاريخي طويل ومن واجب كل مواطن ينتمي لهذه الهوية أن يعمل على تثبيتها والمحافظة على دوامها وزرع جذورها في قلوب الأجيال المتعاقبة كي لا تُنسى وتُقلع فلا يعد لها وجود، لذا لا بد من العمل سوياً أفراداً وجماعات لأجل حق البقاء والوجود من خلال :


- إن الجيل الجديد من أبناء الشعب الفلسطيني يفتقر إلى المعرفة في تاريخه وتراثه وثقافته لذا فهو يحتاج إلى حملة شاملة من الجميع من أجل توعية هذا الجيل ودمجه ليتفاعل مع كل ما يشده ويعرفه بثقافته وجذور أجداده .


-       بث الوعي والمعرفة الواسعة في صفوف المواطنين بأهمية الهوية الثقافية وضرورة المحافظة عليها والعمل على تثبيتها في تربية الأجيال .


-       محاربة ورفض أي مفاهيم تحاول تغير الثقافة الأصيلة واستبداله بمفاهيم العولمة الخارجية والمفاهيم التي لا تتناسب مع بيئتنا وتاريخنا .


-       التحدث باللغة الفلسطينية في المراسم والمواقف الرسمية وإبراز معالم الثقافة فيها .


-   الاعتماد الأكبر على المساجد في تنمية الثقافة رغم الإيجابية الكبيرة ودلائله العظيمة إلا أن ذلك يدل على وجود نقص في توفير مراكز ثقافية أخرى متنوعة ، كما أن المساجد نفسها تفتقر لكثير من الاحتياجات والموارد والمتخصصين وأصحاب المهارات الذين يعملون على زيادة الوعي وتمكينه في قلوب الناس .


-       استحداث متاحف جديدة وتوزيعها على نطاق الوطن كاملا  .


-       عمل رحلات جماعية مجانية لكافة مناطق فلسطين ليتم تعريف المواطنين على تراثهم وبيئتهم  .


-       عمل المعارض الفنية التي تربط المواطن بتاريخه من خلال الصور أو الرسومات أو الشعر والأدب أو غير ذلك  .


- تفعل المسارح ودور السينما لتعالج قضايا مهمة وبما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتاريخ العربي الإسلامي، وعرض أفلام وثائقية لموضوعات مختلفة تزيد نسبة الوعي الثقافي للمواطن .


- تخصيص مناهج متخصصة في تاريخ فلسطين منذ سنوات الدراسة الأولى وربطها بوسائط تعليمة متنوعة وخاصة للأطفال لترسخ مفاهيمها .


- زيادة الأبحاث العلمية التاريخية والتراثية والإسلامية التي لها علاقة بالهوية الفلسطينية وثقافتها لتبقى أرشيفا غنياً للباحثين والدارسين .


- عمل مؤتمرات ومحاضرات بتاريخ القضية الفلسطينية وإحياء المناسبات بتفعيل الشارع الفلسطيني بكامله .


- عمل أفلام وثائقية عن مناطق فلسطين كلها بما تتميز به كل منطقة لزيادة الوعي حولها .


- إعادة تقييم وتفعيل وسائل الإعلام المختلفة لأجل خدمة الهوية الفلسطينية وإبراز خصوصيتها وزيادة وسائل الإعلام على أنواعها  .


- الاهتمام بمناطق فلسطين المحتلة عام ( 48 ) وإبراز معالمها التاريخية وكيفية تهويدها وسرقة تراثها .


- الاهتمام بالقدس والمناطق المقدس بزيادة الدعم لها وتطويرها واستقطاب قلوب المسلمين إليها .


- زيادة عدد المكتبات العامة والمراكز الثقافية على نطاق الوطن كله وسهولة التعامل معها والحصول على المعرفة منها .


- عمل ألعاب ومواد ترفيهية للأطفال لها رموز تاريخية وتراثية .


- توزيع الهدايا التذكارية على الزائرين والسائحين والدبلوماسيين لها علاقة بتاريخ وتراث فلسطين .


- استقطاب السياحة بزيادة المراكز والمواقع التراثية  .


- تغير المفاهيم والعادات السلبية بما فيه فائدة وتطوير للثقافة العامة في المجتمع الفلسطيني .


- البحث عن المواد التي ارتبطت بالأرض والفلاحة والإنسان الفلسطيني وإبرازها كرموز وطنية .


- الوعي بأهمية رفع درجة الثقافة والمعرفة لدى المجتمع الفلسطيني وأثر ذلك على نموه وتحضره في كافة ميادين الحياة، فالعلم والمعرفة أهم مقومات القوة والوجود .


- وبما أن فلسطين أصبحت عضواً في منظمة الثقافة الفلسطينية يجب تقديم لوائح اتهام ضد الكيان الصهيوني بما يقوم بسرقته من أرض وتاريخ والعمل على تهويدها .


 


آمال أبو خديجة


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت