انطلقت قاطرة المصالحة بعد أن وضعت ذاتها بشكل صحيح على الطريق الصحيح وتم رسم خارطة الطريق لمشوارها الطويل المليء بالعوائق والمسارات الملتوية والانحناءات المفاجئة ولكي نتجاوز كل تلك المعيقات فإن القاطرة بحاجة الى قيادة قوية وحكيمة ومنتبهة لكل صغيرة وكبيرة وهي بحاجة لمشاركة الجميع في مساعدتها للخروج من كل عقبة قد تواجه مسيرة المصالحة الطويلة ، ولعل أهم وسيلة تم التوافق عليها كأحد الآليات لتحقيق الهدف المنشود هي تشكيل اللجان المتخصصة لكل ملف من ملفات المصالحة ، وهذه الآلية – إن صدقت النوايا – من أنجع الوسائل لاختصار الوقت والجهد ولتحقيق كافة الانجازات في زمن قياسي لأن كافة القضايا ستسير بشكل متواز وستعمل كافة اللجان بشكل مهني تخصصي ، والأصل أن لا تتأثر عمل أي لجنة بأي مؤثرات خارجها بل لابد من أن تعقد اجتماعاتها بشكل دوري مكثف ومركز حتى إنجاز المطلوب منها ووضع الحلول والمخارج لأي مشكلة تواجهها ، والأصل أن اللجان تشكلت بشكل مهني تخصصي ومنح كل منها الصلاحيات الكفيلة بتجاوز أي عقبة ، هكذا هو المتوقع والمؤمل من لجان المصالحة المكلفة وأي خروج عن تلك المسلمات يعتبر خداع للشعب لا يجوز أن يقوم به من يدعي قيادة هذا الشعب لأن الرائد لا يكذب أهله .
المرافبون لعمل اللجان ما بين متفائل ومتشائل ، اجتمعت اللجان وناقشت القضايا المطروحة ، ولا ندري الى متى سنستمر في مربع المناقشات ؟ و متى سيقتنع ممثلو الشعب بالحاجات الضرورية لاستعادة كرامة شعبهم ؟ والمضحك المبكي عندما نستمع الى طبيعة القضايا التي تناقشها اللجان وتأخذ منهم كل هذا الجهد والوقت وهي قضية إصدار جوازات السفر للمواطنين وحرية السفر ومنح المواطن حريته السياسية والنقابية وعمل لجنة الانتخابات المركزية والإسراع في تشكيل الحكومة وعقد المجلس التشريعي ، هل هذه القضايا أيها المجتمعون تحتاج الى قرارات فلسطينية ليتم تنفيذها ؟ كنا في السابق نعاني ونشكو من ممارسات الاحتلال الذي كان يصادر الحريات ويمنع عقد المجلس التشريعي من الانعقاد من خلال منع أعضائه من حرية التنقل بين شقي السلطة وكان الاحتلال العائق الوحيد في منع المواطن من السفر أو وضع عراقيل أمام حركته وكان الاحتلال هو من يتدخل لمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية وكان الاحتلال هو من يتدخل في شئون النقابات لمنع نشاطها وفعالياتها ، هكذا كان الوضع الطبيعي في الماضي وكانت النداءات متواصلة لمواجهة ممارسات الاحتلال وعدم الانصياع لها مهما كلفنا ذلك من ثمن سواء كان القتل أو السجن ، ولكن ماذا عسانا نقول اليوم وقد بأنا نمارس ضد بعضنا ما كان يمارسه الاحتلال ضدنا ؟ أليس من المعيب أن تستمر اللجان في مناقشة قضايا هي من البديهيات حقوق للشعب لا يجوز المساس بها أو الاقتراب منها ؟.
ومع كل ذلك فإن شعبنا تعود على النظر للأمام وليس للخلف ، تنفسنا الصعداء بعد لقاء القمة الفلسطيني بين الرئيس محمود عباس والسيد خالد مشعل وخروجهما باتفاق عام على ضرورة إنهاء حالة الانقسام واستعادة وحدة الشعب والسلطة من خلال عمل اللجان المختلفة ، وصفق لهما الجميع وشعر الكل بالراحة خاصة بعد جملة التصريحات الإيجابية التي أطلقها كلا من طرفي الانقسام وبالذات الأخ خالد مشعل حول ضرورة الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها كل طرف وضرورة مغادرة مربع الانقسام والى الأبد ، ولكن هاهي الأيام تمر ثقيلة ودخل علينا عام جديد ، والأصل أن تكون اللجان كلها في حالة انعقاد دائم بشكل يومي حتى تنتهي من وضع الحلول لكافة الإشكاليات ، وليس الاجتماع بشكل متقطع لأسباب واهية ، لماذا تجتمع اللجان في أوقات مختلفة وتمر الأيام الطويلة دون أن تجتمع ؟ هل القادة يشعرون بالراحة التامة وعدم الاستعجال وكأن الأوضاع تسير على مقاسهم ؟ هل يشعر أعضاء اللجان بأن القيادة غير جادة حتى اللحظة وتشكيل اللجان كانت مجرد خديعة وعملية تسكين للألم أو إظهار مظاهر زائفة للمصالحة ؟ أم أن بعض أعضاء اللجان يخشون أن تنتهي صلاحياتهم بانتهاء عملهم لذلك فهم يكسبون الوقت لصنع مجد شخصي لهم ؟ أم هناك أسباب غير معلنة لا نفهمها ، هذا النتباطؤ في عمل اللجان يخفي خلفه أشياء غير مفهومة أبدا وسير العمل لا ينسجم مع التصريحات المعلنة .
نحن على يقين أن قادتنا لن يخذلونا في نهاية المطاف وأن المصالحة مصلحة وطنية ومصلحة حزبية لأصحابها ، والمتغيرات الإقليمية لن ترحمنا مادمنا منقسمين على أنفسنا ، ولن تنفعنا الرباعية الدولية وكذلك الرباعية العربية كما لم نحمل قضيتنا بأنفسنا وما لم يقتنع العالم أن مصلحته عندنا ولن يحقق أي طرف أي مصلحة دون التوقف طويلا أمام المحطة الفلسطينية ، وليس أمامنا وقت طويل ولابد أن تنجز لجان المصالحة عملها بأسرع وقت ممكن لأنه بدون ذلك ستكون مجرد خدعة جديدة للشعب وطعنة جديدة في ظهر القضية الفلسطينية .أ
م.عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت