يشكل ملف المصالحة الاجتماعية أهم ملفات المصالحة الفلسطينية، وربما أدركت القوى الوطنية والإسلامية ذلك، فدفعت بقيادات موزونة ومن الصف الأول للعمل ضمن إطار لجنة المصالحة الاجتماعية المنبثقة عن حوارات القاهرة الأخيرة...
فأين تقع أهمية المصالحة الاجتماعية..؟ وهل ستنجح لجنة المصالحة الاجتماعية في تحقيق ذلك..؟ وما هي آليات العمل المطلوبة من أجل انجاز تلك المهمة المعقدة..؟
للأسف الشديد ينظر البعض للمصالحة الاجتماعية على أنها صندوق مالي ممول من الدول العربية والإسلامية، وما سيجنيه هذا الصندوق من موارد مالية ستوزع على أسر ضحايا الانقسام.
على الرغم من أهمية تلك الخطوة ولكن تداعيات الانقسام تركت آثار سلبية في قلوب الشعب الفلسطيني، وربما يسأل البعض عن علاج القلوب، فأقول: إذا كان نظامنا السياسي الفلسطيني منذ تشكله وحتى قبل ذلك يتغذى على ثقافة سياسية تقوم على غياب مشاعر الثقة المتبادلة بين الحركة الوطنية الفلسطينية، وأخذت تلك الظاهرة بالتنامي حتى وصلت إلى منعطف خطير يقوم على غياب الثقة بين أفراد المجتمع، وهذا ربما ناتج عن غياب الديمقراطية داخل مجتمعنا الفلسطيني، وأقصد غياب التحول الديمقراطي لأن ما نشهده هو انتقال ديمقراطي بدون ثقافة سياسية تسانده، ولذلك نحتاج إلى تصحيح المسار، وقد يكون الشباب المثقف هم الأجدر لقيادة مرحلة التصحيح والتي ذكرت مؤخراً على لسان السيدين محمود عباس وخالد مشعل...
وهنا تقع أهمية المصالحة الاجتماعية عبر تشخيص الأمراض المزمنة في مجتمعنا، والعمل على إعادة دراسة الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها، وصولاً إلى تحقيق مبدأ الاستقرار السياسي والذي لم يتحقق دون استقرار اجتماعي
وبينهما غذاء الروح المتمثل بالثقافة السياسية التي تعزز الهوية القومية على حساب الهويات الحزبية، حتى نحمل لأطفالنا مستقبلاً أفضل...
أما بخصوص النجاح أو الفشل، فلا يوجد عاقل يتمنى فشل لجنة المصالحة الاجتماعية، والكل يتمنى أن يرسم أهالي ضحايا وشهداء الانقسام صورة وطنية طاهرة، لأن دماء أبنائهم ستضيء الطريق نحو مستقبل أفضل، وستدفع الجميع إلى تحمل مسئولياته عبر دراسة الماضي وقراءة الحاضر واستشراف المستقبل، والانطلاق نحو إعادة تصحيح تربوي واجتماعي لرواسب وأخطاء الماضي يبدأ من الأسرة والمدرسة والمسجد والحزب ومؤسسات المجتمع المدني...
أما آليات العمل في ملف المصالحة الاجتماعية فيجب أن تأخذ مساران هما:
الأول: المسار المادي
يتم حصر ضحايا الانقسام دون تحديد تاريخ للبدء منه، لأن المشكلة مركبة، فهناك شهداء قضوا قبل عام 2006م، وهناك من قتل قبل تشكيل السلطة وما بينهما، ويتم التواصل مع العائلات الثكلى وعمل لقاءات تجمع ضحايا حركة فتح مع ضحايا حركة حماس، حتى يعلم الجميع خطورة تجاوز الخطوط الحمراء عبر إراقة الفلسطيني دم أخوه الفلسطيني...
وهنا تلعب الدائرة الثانية والمتمثلة بالعشائر دوراً بارزاً في تخفيف الاحتقان والتسامح والعفو، يساندها الدائرة الحزبية والمجتمعية عبر تبني خطاب إعلامي يعزز الثقة والاحترام والتسامح والحب، وتجريم من لا يلتزم بذلك....
وبعد ذلك تحدد قيمة الدية المحمدية لتوزع على ضحايا الانقسام بما يضمن حياة كريمة لعوائلهم، وتخفف من مصابهم الجلل.
الثاني: المسار المعنوي
وهنا تأتي الصعوبة، فكيف ستعالج تلك اللجنة ما في النفوس وما في القلوب، وهنا تكمن أهمية اللجنة لأن دورها يجب أن يتجاوز الحل العشائري أو القانوني، فهي مطالبة بإعادة تشكيل الثقافة السياسية لتخدم المشروع الوطني التحرري، وتكون الأحزاب أداة لذلك، وهذا يحتاج إلى وقت وتمويل وإرادة، ولذلك لابد من تخصيص جانب من إيرادات صندوق ضحايا الانقسام لتمويل مشاريع ذات علاقة والعمل على إضافة مواد دراسية تدعم الثقافة السياسية المراد تعميمها...
نعم، لو نجحت لجنة المصالحة الاجتماعية في عملها على أكمل وجه وشاركت الجميع آرائها، فإنها قد تؤسس لنظام سياسي ديمقراطي يحتل الإنسان الفلسطيني مكانة واسعة فيه، وتكون القدس والتحرير أقرب بإذن الله...
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت