سادت نظرية الحرية الإعلامية فترة من الزمن، ففسدت في ظلها الأخلاق والقيم، وتدخل فيها الإعلام في حياة الأفراد والهيئات بشكل سافر، لكن هذه النظرية لم تدوم طويلاً حتى ظهرت نظرية المسؤولية الاجتماعية للوسائل الإعلامية بعد الحرب العالمية الثانية، وقامت هذه النظرية على ممارسة العملية الإعلامية بحرية قائمة على المسؤولية الاجتماعية، وظهرت بعض القوانين التي تجعل الرأي العام رقيبا على آداب المهنة، بعد أن استُخدمت وسائل الإعلام في الإثارة والخوض في أعراض الناس والجريمة مما أدى إلى إساءة مفهوم الحرية.
وقياساً على مقولة "حرية الأفراد تنتهي عند حرية الآخرين" فإن حرية الإعلام لا بد أن تنتهي وتتوقف عند مكانة وصورة المجتمع لعدم المساس به أمام الرأي المحلي والدولي، فضلاً عن قيامها بتعزيز هذه الصورة والمساهمة في ترسيخ السمعة الطيبة للمجتمع الذي تعمل في وسطه، ولا بد أن يبقى ضمير الوسائل الإعلامية حياً لا يغريه بريق السبق الصحفي والمصالح الخاصة، على حساب المسئولية الاجتماعية والأمنية لهذا المجتمع، ولا بد من فلترة المحتوى والرسالة الإعلامية الموجهة للجمهور، ويجب أن يكون لكل وسيلة إعلام شخصيتها التي تميزها عن الآخرين، بعيدا عن التقليد ومبدأ النسخ واللصق الممجوج، فالخطأ وارد ومن سمات البشر، وقديماً قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:( لخطؤكم في قولكم أشد من خطأكم في رميكم) وتزداد هذه المسئولية إذا كنا في غزة التي تواجهها تحديدات جسام على مختلف الصعد.
إن وسائل الإعلام تلعب أدواراً كبيرة وهامة جداً في حياة الشعوب والمجتمعات، وقد بات ذلك واضحاً في عصر التكنولوجيا وخدمات الاتصال التي توفرها الأقمار الصناعية والشبكة العنكبوتية، من هنا أذكر وسائل الإعلام وحراس البوابات الصحفية أن عليهم جملة من الالتزامات القانونية والأمنية والاجتماعية تجاه المجتمع وأفراده، تجاه غزة الصمود التي تحفر في الصخر لتشق طريق الحرية والاستقرار، هذه المسئولية كبيرة كبر الدور الذي تلعبه هذه المواقع والوكالات والفضائيات، حتى تقي نفسها من المحاسبة القانونية، وتقي أفراد المجتمع من أخطاء قد تكون قاتلة في بعض الأحيان، فيكفي التشويه المبرمج الذي يصدر عن الاحتلال لطمس غزة التي تشرق بالعزة.
هذا لا يعني عدم نشر الأخبار, بما فيها تلك التي تعالج الجوانب الأمنية والقانونية والاجتماعية، فلا شك أن تلك الأخبار التي لا تنشر في وسائل الإعلام بشكل صريح، تظهر من خلف الحُجُب على شكل شائعات وفقاعات تؤثر على أمن البلد واستقراره، ويستغلها المتربصون بالمجتمع لإحداث الفوضى، وعادة ما تكون أقوى الأخبار التي تسري بين أبناء المجتمع، لذلك تحرص دوائر الإعلام الحكومي والأمني على نشر الأخبار والحقائق، حتى يتبن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والحرص وحده لا يكفي، فالمطلوب تطوير العمل وضبط الحالة الإعلامية الأمنية جيدا، لعدم تسريب أخبار تضر المجتمع وتؤثر على النسيج الاجتماعي، وعلى المسئولين عن الإعلام الأمني في غزة ألا يعملوا تحت تأثير نشر أخبار الإنجازات التي تحققها الأجهزة الأمنية، فليس عيباً أو تقصيراً أن يتم حظر مواد إعلامية تساهم في نشر الجريمة أو العنف أو تؤثر على الوجه المشرق لغزة، فهذا من صلب اختصاص الإعلام الأمني، لزيادة التماسك والترابط الاجتماعي وتعزيز السلم الداخلي، ورسم صورة ذهنية جميلة للمجتمع.
بقلم الصحفي: كمال حجازي
مهتم بالإعلام الأمني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت