رجالٌ ونساء ذكرهم الله../الشيخ ياسين الأسطل

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل

رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ ذكروا الله في سرائهم ، فشكروا النعم ، ولم يبخلوا ؛ بل جادوا مع النفس بالنفيس ،  فذكرهم الله في نعمائهم بالبركة مع الزيادة والنماء ، وفي ضرائهم بالتخفيف مع كشف الضر عنهم ورفع البلواء ، فالله وحده هو المستحق لأن يعبد وأن لا يشرك به سواه ، رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ ذكروا الله فدانوا له بخالص العبادة وصدق التوكل ، وعظيم الإنابة ، وسريع الاستجابة لأنه الذي خلق ، ولأنه الذي رزق ، ولأنه الذي أعطى ، ولأنه الذي هدى ، ولأنه الذي وفى وكفى ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي و يميت ، وهو على كل شيئ قدير ، رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ ذكروا الله عند طاعاتهم فأخلصوها ، وذكروا الله عند سيئاتهم بالإقلاع عنها ، والتوبة منها ، والاستغفار لها ، وصفهم الله في سورة آل فقال عمران : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) }.


 


عباد الله أيها المؤمنون : رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ ذكروا الله فذكرهم الله سبحانه في القرآن وهو غضٌ طريٌ يتلى فقد روى الإمام أحمد في المسند قال : حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ابْنُ زِيَادٍ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ ): قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا لَا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ ؟ قَالَتْ فَلَمْ يَرُعْنِي مِنْهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا وَنِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ . قَالَتْ وَأَنَا أُسَرِّحُ شَعْرِي ، فَلَفَفْتُ شَعْرِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِ بَيْتِي فَجَعَلْتُ سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيدِ ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ :{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)  }  " ) الأحزاب.


إخوة الإسلام والإيمان :من هؤلاء الرجال المؤمنين الذين ذكرهم الله تعالى أبي بن كعب الأنصاري ، فقد روى البخاري ومسلم والنسائي واللفظ البخاري في صحيحة في مناقبه رضي الله عنه قال : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ : " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ :{ لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } قَالَ :وَسَمَّانِي ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . فَبَكَى ) .


ومن هؤلاء النساء المؤمنات اللاتي ذكرهن الله تعالى خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها فقد روى صاحب المستدرك على الصحيحين واللفظ له ومسلم وأحمد وأبي يعلى والطبراني قال الحاكم في المستدرك : ( أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن فضيل ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : " أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هذه خديجة قد أتتك ، ومعها إناء فيه إدام  أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب  لا صخب فيها ولا نصب  " .


فلنحرص أشد ما يكون الحرص أن نعمل ما يمكننا لنعد في هؤلاء الذاكرين الله كثيراً والذاكرات ففضل ذكر الله عظيم ، وسبيله يسير ،  وقد جاءت الأحاديث عن النبي  منوهةً ومعلنةً بذلك ومنها :


*  في المستدرك على الصحيحين : حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ الحارث ابن أبي أسامة ، ثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن علي بن الأقمر ، عن الأغر ، عن أبي سعيد ، وأبي هريرة رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات " .


* قال الإمام أحمد : حدثنا حسن، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخُدْري، رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: "الذاكرون الله كثيرا والذاكرات". قال: قلت: يا رسول الله، ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: "لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه".


*وقال أيضاً : حدثنا عفان، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فأتى على جُمْدان فقال: "هذا جُمْدان، سيروا فقد سبق المُفَرّدون". قالوا: وما المُفَرّدون  ؟ قال: "الذاكرون الله كثيرا  " . ثم قال: "اللهم اغفر للمحلقين". قالوا: والمقصرين؟ قال: "اللهم، اغفر للمحلقين". قالوا: والمقصرين؟ قال: "والمقصرين".


 


 


أيها المسلمون ؛ يا عباد الله : روى البخاري ومسلم وابن حبان واللفظ له قال : أخبرنا سليمان بن الحسين بن المنهال ابن أخي الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا هدبة بن خالد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما يحكي عن الله جل وعلا ، قال : « الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني في واحدة منهما ، قذفته في النار ، ومن اقترب إلي شبرا ، اقتربت منه ذراعا ، ومن اقترب مني ذراعا ، اقتربت منه باعا ، ومن جاءني يمشي ، جئته أهرول ، ومن جاءني يهرول  ، جئته أسعى ، ومن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ أكثر منهم وأطيب » .


عرفتم عباد الله فألزموا فالذكر حصن حصين وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) ما دمت تذكر الله فأنت في حصن حصين من الشيطان ، من شيطان الجن ومن شيطان الإنس فإذا غفلت انتهز منك الشيطان غفلتك فأتاك من حيث تكره وحملك على ما لم تحب من معصية الله سبحانه وتعالى والعياذ بالله عزو وجل فاسكن هذا الحصن والزم غرسه وخذ من أهله فقد سبق أهله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام .


ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال :{إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على محمد وآله الأكرمين ، وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة


بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت