حكاية جدي والمصالحة /د.ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

 


 جدي عمره يمتد من عمر الحضارة الفلسطينية ، حضارة النطوفين والآمورين والكنعانيين ، رسم في مخيلته أحلاما سعى منذ ولادته في الألف الثالثة قبل الميلاد ، وتمنى على الله ألا يموت إلا وفد تحقق حلمه  ، وتكونت دوله فلسطين تتزين بألوان علم الوحدة الفلسطينية ، ذو الألوان الأربع التي تمثل التاريخ العربي والإسلامي ،  اللون الأبيض  رمز النقاء والتسامح ، واللون الأحمر القرشي  لون الدم النقي ،  لون دم الشهداء المعانق للون الأخضر لون بساتين فلسطين التاريخية ، واللون الأسود العباسي الذي يبسط ظلاله الغاضبه على الأعداء والانتهازيين المتخندقين وراء مصالحهم الضيقة ..


 


منذ اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة ، اشترى جدي (أبو يبوس الكنعاني)  كوفية سمراء جميلة بجمال فلسطين ، وعطرها بعطور فلسطينية غير مستوردة من عتبات شرقية ولا غربية ـ واقسم ألا يلبسها إلا حينما يتعانق الإخوة المتخاصمين على ارض غزة والضفة .


 


وفى يوم كعادته جلس جدي أبو يبوس ،  حول كانونه الشتوي يقلب جمراته الحمراء ، ويستمع للمذياع  ، وفجأه سمع خبر عاجل مفاده ( خلاف وقع على معبر بيت حانون بين قيادة حركة فتح التاريخية ، وضباط حماس  حول آلية دخول الوفد الكريم إلى وطنهم غزة) ..


 


فرت الدموع من عيني جدي العتيق ، ورفص المذياع بقدمه ، واتهمه بالكذب والتزوير ، واعتقد انه فتح المذياع على محطة غير فلسطينية ربما تكون في نيجيريا أو كشمير ، ولكن ،، حينما تأكد أن المتحدث عربيا ، وربما يكون فلسطينيا !! ، أصيب جدي بالإغماء وارتفع ضغطه،  ونقل إلى مشفى الشهداء في غزة ..


 


بعد تشخيص الحالة المرضية لجدي (أبو يبوس الكنعاني)  خرج الطبيب إلى احفاده  متشائما منتفخا في بادئ الأمر  ، وقال  إن جدي مصاب بالأمراض التالية :


 


- أزمة ثقة حادة


 


- ارتفاع نسبة الانتهازيين في الدم


- ذبحة في رئة المصالحة نتيجة محاولة البعض تلويث الأجواء


- انسداد شرايين التسامح بسبب ارتفاع نسبة كولسترول المصلحة الخاصة


- إصابة البعض بعقدة أنا الواحد الأوحد ، الممثل الشرعي ، أدت إلى حدوث شيزوفرينا حزبية  .


 


 


ارتجف الأحفاد من هذا التشخيص المزري لواقع الجد ، ولكن الطبيب طمأنهم فيما بعد ، بأن حالة الجد ستستقر إن انتظم في العلاج الشعبي  الشافي للإمراض السابقة ، عبر جرعات من الاخوة ونشر ثقافة المحبة والتسامح ، الذي حاول البعض طمسها ..


 


وأخيرا فاق جدي أبا يبوس ،  وكعادته اخذ بأصابعه الذابلتين يلعب بمفاتيح المذياع ..!!عسى أن يسمح من هنا وهناك وساطة عربية ،  أو يفيق البعض من سكرة أهوائهم ،  ويصلحوا ما أفسده الانقسام  ..


 


ونام ،،  وفيه بعض الرجاء بعد سماع خبر الوساطة المصرية ،  وبعض تصريحات من هنا وهناك تطمئنه بإصلاح الخلل الفني الطارئ  ..!!


 


وتمر الأيام وصحة جدي قد تتحسن بعد 15 الشهر الجاري ، فهل سيفيق جدي من أحلامه ؟  أم ترجع إليه أزمته وغيبوبته مرة أخري ؟


 جدي لا زال ينتظر،  ويعلق كوفيته في دولاب كان قد شحنه على عربة قديمة ، كان قد هاجر بها من  مدينة يافا ، فهل باترى سيلبسها ؟؟


د ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي باحث ومؤرخ فلسطيني- الأمين العام المساعد لمبادرة وفاق

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت