جدي عمره يمتد من عمر الحضارة الفلسطينية ، حضارة النطوفين والآمورين والكنعانيين ، رسم في مخيلته أحلاما سعى منذ ولادته في الألف الثالثة قبل الميلاد ، وتمنى على الله ألا يموت إلا وفد تحقق حلمه ، وتكونت دوله فلسطين تتزين بألوان علم الوحدة الفلسطينية ، ذو الألوان الأربع التي تمثل التاريخ العربي والإسلامي ، اللون الأبيض رمز النقاء والتسامح ، واللون الأحمر القرشي لون الدم النقي ، لون دم الشهداء المعانق للون الأخضر لون بساتين فلسطين التاريخية ، واللون الأسود العباسي الذي يبسط ظلاله الغاضبه على الأعداء والانتهازيين المتخندقين وراء مصالحهم الضيقة ..
منذ اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة ، اشترى جدي (أبو يبوس الكنعاني) كوفية سمراء جميلة بجمال فلسطين ، وعطرها بعطور فلسطينية غير مستوردة من عتبات شرقية ولا غربية ـ واقسم ألا يلبسها إلا حينما يتعانق الإخوة المتخاصمين على ارض غزة والضفة .
وفى يوم كعادته جلس جدي أبو يبوس ، حول كانونه الشتوي يقلب جمراته الحمراء ، ويستمع للمذياع ، وفجأه سمع خبر عاجل مفاده ( خلاف وقع على معبر بيت حانون بين قيادة حركة فتح التاريخية ، وضباط حماس حول آلية دخول الوفد الكريم إلى وطنهم غزة) ..
فرت الدموع من عيني جدي العتيق ، ورفص المذياع بقدمه ، واتهمه بالكذب والتزوير ، واعتقد انه فتح المذياع على محطة غير فلسطينية ربما تكون في نيجيريا أو كشمير ، ولكن ،، حينما تأكد أن المتحدث عربيا ، وربما يكون فلسطينيا !! ، أصيب جدي بالإغماء وارتفع ضغطه، ونقل إلى مشفى الشهداء في غزة ..
بعد تشخيص الحالة المرضية لجدي (أبو يبوس الكنعاني) خرج الطبيب إلى احفاده متشائما منتفخا في بادئ الأمر ، وقال إن جدي مصاب بالأمراض التالية :
- أزمة ثقة حادة
- ارتفاع نسبة الانتهازيين في الدم
- ذبحة في رئة المصالحة نتيجة محاولة البعض تلويث الأجواء
- انسداد شرايين التسامح بسبب ارتفاع نسبة كولسترول المصلحة الخاصة
- إصابة البعض بعقدة أنا الواحد الأوحد ، الممثل الشرعي ، أدت إلى حدوث شيزوفرينا حزبية .
ارتجف الأحفاد من هذا التشخيص المزري لواقع الجد ، ولكن الطبيب طمأنهم فيما بعد ، بأن حالة الجد ستستقر إن انتظم في العلاج الشعبي الشافي للإمراض السابقة ، عبر جرعات من الاخوة ونشر ثقافة المحبة والتسامح ، الذي حاول البعض طمسها ..
وأخيرا فاق جدي أبا يبوس ، وكعادته اخذ بأصابعه الذابلتين يلعب بمفاتيح المذياع ..!!عسى أن يسمح من هنا وهناك وساطة عربية ، أو يفيق البعض من سكرة أهوائهم ، ويصلحوا ما أفسده الانقسام ..
ونام ،، وفيه بعض الرجاء بعد سماع خبر الوساطة المصرية ، وبعض تصريحات من هنا وهناك تطمئنه بإصلاح الخلل الفني الطارئ ..!!
وتمر الأيام وصحة جدي قد تتحسن بعد 15 الشهر الجاري ، فهل سيفيق جدي من أحلامه ؟ أم ترجع إليه أزمته وغيبوبته مرة أخري ؟
جدي لا زال ينتظر، ويعلق كوفيته في دولاب كان قد شحنه على عربة قديمة ، كان قد هاجر بها من مدينة يافا ، فهل باترى سيلبسها ؟؟
د ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي باحث ومؤرخ فلسطيني- الأمين العام المساعد لمبادرة وفاق
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت