أحسن الرئيس التونسي الجديد محمد المرزوقي عندما قدم استقالته من عضوية الحزب الذي ينتمي إليه فور أدائه القسم القانوني كرئيس للجمهورية التونسية ، وهذا تقليد مهم وخطوة صحيحة إذا أراد الرئيس أن يكون ممثلا لكل الشعب الذي انتخبه ولا يكون متأثرا أو متهما بالانحياز لفئة دون أخرى ، لأن الرئيس بصفته الوظيفية هو رأس السلطات وأمامه يجب أن يتساوى الجميع أفرادا وأحزابا وجماعات ، والتساوي يجب أن يكون منصفا حسب القانون فلا يمكن أن يكون هذا الإنصاف صحيحا إذا كان الرئيس ينتمي لأي من الأحزاب القائمة لأنه بالتأكيد سيكون منحازا لحزبه وفقا لقانون الحزب الذي ينتمي إليه وسيحضر الاجتماعات الحزبية وسيتبنى سياسة ذاك الحزب في تحركاته وتصريحاته وسيطلب دعم حزبه لاتباع سياسة معينة أو الاستعانة بحزبه إذا حدث خلاف معه ، وكذلك حزب الرئيس سيستغل مكانة الرئيس لأغراض حزبية بحتة وسيعمل الحزب على استغلال حصانة الرئيس للتعدي على خصوصية أي حزب آخر وسيتمتع حزب الرئيس بالخصوصية المعنوية أو المادية ، وكل هذا يتنافى مع كون الرئيس ممثلا لكل فئات الشعب دون استثناء أو تمييز .
الرئيس وكل من يتقلد منصب عام أمني أو مدني أو أي مسئولية من مسئوليات الدولة مدنية كانت أو أمنية يجب عليه فور استلامه لمهامه أن يعلن استقالته من أي حزب ينتمي إليه ويعلن حياديته التامة في التعامل مع كل مرؤسيه ومن هم تحت طائلة مسئوليته ، والتجربة الصعبة التي مر بها شعبنا الفلسطيني تتطلب منا التوقف عندها طويلا بعد أن علمتنا التجربة أن الانتماء الحزبي كان أقوى من الانتماء للوطن ، وعند الاختبار سقطت شعارات الوطن التي تغنى بها الكثيرون وسقط العلم الذي من أجله مضى الشهداء وارتفعت عاليا شعارات الحزب ورايات الحزب ، وأصبح مقياس النصر هو مدى تحقيق الحزب لإنجازات ذاتية سواء للعناصر أو للمؤسسات الحزبية ، فهذا الحزب يفتخر أن الرئيس ينتمي إليه ويعمل من أجله وذاك الحزب يفتخر أن رئيس الوزراء معه ويخطط من أجله وحزب ثالث يفتخر بأن عددا من الوزراء ينتمون إليه وحزب رابع يفتخر أنه استطاع توظيف عدد من قوات الأمن الوطني من أفراده وهكذا كل حزب يشعر بالنشوة والنصر المبين بقدر ما لديه من عناصر وموظفين داخل مؤسسات السلطة ، والأدهى أن كل هؤلاء الموظفين يستغلون مناصبهم بشكل بشع لتمرير سياسة أحزابهم أو خدمة لمصالحهم الحزبية حتى يضمن بقاءه في ذاك المنصب ، لأن مقياس نجاح ذاك المسئول في نظر حزبه هو مدى النجاح الذي يحققه لحزبه وليس مستوى الأداء الحكومي أو مستوى الإنجازات التي يحققها لخدمة شعبه وقضيته ، يجب أن لا ننكر تغلغل هذه الثقافة بشكل كبير في تفكير الكثير من القادة والمسئولين الحزبيين .
الرئيس هو النموذج وهو المقياس لأداء مؤسسات السلطة ومن رأس الهرم يجب أن تكون بداية الإصلاح ، فليس من المنطقي أن نطلب من الوزراء أو قادة الأجهزة الأمنية الحيادية في التعامل مع الشعب دونما النظر الى الانتماء الحزبي طالما أن الرئيس نفسه منتمي لحزب – خلال ممارسته مهمة الرئاسة – ، ويجب أن لا ننظر لأنفسنا على أننا ملائكة بلا أحاسيس أو مشاعر كأن يقول البعض ” يمكن أن تكون حزبيا وتتعامل مع الناس بدون حزبية ” ، هذا مستحيل كل من يحتفظ بانتمائه الحزبي الشكلي العلني ستبقى ميوله تجاه حزبه رغما عنه لأنها ميل قلبي وعضوي ، قد لا يحاسب الشخص على ميله الخفي ولكن يجب أن يحاسب على التصرف المعلن ، كما أن الحزب لن يقبل من عضو فيه أن يخالف تعاليم الحزب حتى لو كان رئيسا للحزب ، لأنه لا يصح أن يجمع الشخص بين رئاسة حزب ورئاسة السلطة ثم يتبع سياستين في آن واحد ، وقد يدعي البعض بوجود دول عريقة يجمع فيها الرئيس بين المنصبين ولا مشكلة لديهم وهذا صحيح ولكن تلك الدول استقر لديها حكم القانون والقضاء فلا يملك الرئيس أن يخالف وفي تلك الدول يدخل رؤسائها السجون ويمثلون أمام المحاكم ، أما نحن فنعتبر أن ذلك مستحيلا ولا يقبله العقل العربي إلا في حالة حدوث ثورة أو انقلاب وحتى ننجح في محاكمة رئيس يجب أن يموت الآلاف من الشعب ، لذلك فالأولى أن نفصل بين الانتماء التنظيمي والوظيفة العامة من أعلاها سواء الرئاسة أو الوزارة وغيرها .
إن إعلان الرئيس أو رئيس الوزراء والوزراء وقادة الأجهزة الأمنية عن اسقلاليتهم الحزبية وخروجهم المؤقت من أحزابهم ليس عيبا أو استخفافا بتلك الأحزاب بل سيزيدها قوة وحضورا لأن كل هؤلاء لم يصلوا الى تلك المناصب إلا بفضل نضالاتهم وعطائهم من خلال أحزابهم وهذا مفخرة للحزب ، وحتى يبقى ذلك الحزب بعيدا عن أي تهمة بأن قوته ونجاحه نابعة من مكانة رئيسه وليس من صحة فكره وأدائه الشعبي وكذلك هذه الخطوة ستعطي الرئيس القوة الأكبر في حرية التحرك وفرض احترامه على الجميع وكل نجاح للرئيس هو بالتالي نجاحا للحزب الذي أوصله وهذا ينطبق على بقية المناصب الأخرى ، فهل نرى ذلك في الانتخابات القادمة ، لا نريد أن يقودنا رئيسا حزبيا أو نرى رئيس وزراء لحزب بل نريد رئيسا للشعب الفلسطيني ورئيس وزراء ووزراء للشعب وليس لأحزاب أو تجمعات أو عائلات ، أمام الوطن الكبير لتسقط كل الشعارات الصغيرة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت