بعد انتهاء اللقاء الفلسطيني الإسرائيلي الثاني، اتفق الجانبان على لقاء جديد بينهما في عمان أيضا يوم السبت القادم، علما بأن كل الأخبار التي تسربت عن الاجتماع الأول كما الثاني، تشير إلى ان الاجتماعات انفضت بدون نتائج "مبينة"، إلا إذا كان الإعلان عن تلك المحصلة يأتي في سياق ما أعلن عنه وزير الخارجية الأردني السيد ناصر جودة من ان لا حديث او تصريحات سوف تتم لوسائل الإعلام عقب أي من الاتصالات "كما سماها البعض".
وحيث ان هذه "الاتصالات" أخذت هذا المنحى، فمن الواضح ان عجلة المفاوضات قد بدأت بالدوران، بغض النظر عما يمكن ان تسمى هذه الاتصالات، حيث يصبح من العبث ان تتواصل مثل هذه "الاتصالات" فيما لو انها اصطدمت بالمواقف التقليدية، التي أدت في الماضي إلى توقف المفاوضات، وعندما نقول هذا،"أي ان المفاوضات آخذة بالاستمرار بغض النظر عما يقال" فإنما نقوله على أرضية عدم الشفافية التي عودنا عليها المفاوض الفلسطيني، وعدم الحديث عن تفاصيل المفاوضات، بحيث يفاجأ الجميع بمسائل كثيرة تختلف دوما عما يتم الحديث عنه او التصريح به او ما تم التوصل إليه.
التسريبات او التصريحات الإعلامية تشير الى ان مسؤول فلسطيني قال "ان الاجتماع الثاني لم يحرز أي تقدم"، كما أشارت – التصريحات- الى ان إسرائيل سوف تقوم ببعض "المبادرات" من اجل بناء الثقة، وكذا لتشجيع الطرف الفلسطيني على الاستمرار في هذه "الاتصالات"، ومن ذلك، الإفراج عن عدد من الأسرى في السجون الإسرائيلية، وكذلك تمديد او توسيع السيطرة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لتشمل مناطق جديدة.
اللقاءات الجارية في العاصمة الأردنية، تأتي مع اقتراب المهلة التي كانت اللجنة الرباعية قد حددتها والتي كانت لثلاثة أشهر تنتهي في 26 من الشهر الجاري، وقد سارعت اللجنة الرباعية الى القول بحسب المصادر الإسرائيلية، ان أعضاؤها سوف يقومون بإصدار بيان يشير إلى انهم سعداء بالتقدم الذي طرأ على المحادثات بين الطرفين، الأمر الذي ينفي ما يقوله الوفد الفلسطيني عن الفشل وان لا جديد نتج عن تلك الاجتماعات.
المسؤولون الإسرائيليين بحسب وسائل الإعلام المختلفة يقولون " لا بد من إعطاء الطرف الفلسطيني القليل من الحلوى من اجل ضمان عودتهم لطاولة البحث". في إشارة الى "المبادرات" التي ينوي الجانب الإسرائيلي تقديمها، والتي لا تتعدى الإفراج عن بعض الأسرى الذين علمتنا التجربة انهم ممن قاربت أحكامهم على الانتهاء ولم يبق لهم في سجون الاحتلال إلا أياما او أسابيع او أشهر قليلة.
أما فيما يتعلق بتوسيع السيطرة الفلسطينية على مناطق جديدة في الأراضي المحتلة، فهذه أيضا ليس سوى لذر الرماد في العيون، خاصة وان الجميع بما في ذلك رأس الهرم في السلطة الفلسطينية، يعلم تمام العلم ان هذه ليست سوى مجرد كذبة كبيرة تم تداولها منذ تأسست السلطة الفلسطينية، وهذا ما أعلنه الرئيس الفلسطيني نفسه في أكثر من مناسبة، حيث أكد ان لا سلطة للسلطة في أراضي السلطة، وهو بذلك لا يبالغ، لان كل من هو مقيم في هذه الأرض يعلم ممارسات البلطجة الإسرائيلية وتجاوزاتها وتوغلها على مدار الساعة.
الحلوى الإسرائيلية التي يحاول الطرف الإسرائيلي الترويج لها، هي حلوى بالنسبة للفلسطيني مغموسة بالسم، كما بالخداع والدجل والتدليس والتزوير، وهي تهدف كما يقول الطرف الإسرائيلي، الى ثني الطرف الفلسطيني ودفعه الى التوقف عن السعي الى الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة، وهي حلوى فاسدة ومنتهية الصلاحية ولا تصلح للاستهلاك، لان إسرائيل ماضية في ممارساتها المختلفة والتي منها تهويد القدس وتفريغها من أهلها وسكانها الفلسطينيين.
كما ان إسرائيل لم تتوقف ولو للحظة واحدة عن توسيع المستوطنات وبناء مستوطنات جديدة، وهي لم تتوقف عن مصادرة الأراضي، وتهويد الأغوار من اجل إبقائها تحت السيطرة الإسرائيلية في أي حل او تسوية قادمة، وهي لم تتوقف عن سياسة هدم البيوت والاعتقالات والاغتيالات والاجتياحات في قطاع غزة، كما ان الحصار على القطاع وسياسة التجويع والقتل البطيء لم تزل مستمرة.
والسؤال هو، ما الذي تغير في المواقف الإسرائيلية حتى تعود القيادة الفلسطينية الى المفاوضات وإحياء هذه العملية التي ولدت ميتة مع عدو لا يعرف سوى المماطلة والدجل والتسويف.
ان الاستماع الى تصريحات وزير الخارجية الصهيوني افيغدور ليبرمان والتي يقول فيها ان لا مجال للوصول الى حل مع الجانب الفلسطيني في المدى او المستقبل المنظور، وان الطرف الفلسطيني هو الذي يعطل الوصول الى تسوية، يكفي لمعرفة الذهنية التي تتعامل بها مثل هذه الحكومة.
ان الحلوى التي تحدث عنها الوفد الإسرائيلي، قد تكون مفيدة وغير ضارة للجانب الصهيوني الذي هو في أمس الحاجة للخروج من العزلة الدولية لتي يعيشها خاصة في ظل تنامي الأصوات والانتقادات العالمية وخاصة الأوروبية منها، والتي توجه الانتقادات العلنية "والقاسية" في بعض الأحيان، للمواقف الإسرائيلية ولتي كان آخرها توجيه انتقادات حادة لممارسات إسرائيل العنصرية ضد أبناء فلسطين في الداخل.
الحلوى التي تقدم من قبل الجانب الإسرائيلي على طبق يحمله شخص مثل طوني بلير الذي تلطخت أيديه بدماء أطفال العراق وفلسطين، لا يمكن ان تكون مفيدة سوى لشخص مثل بلير نفسه، وكذلك لرئيس كالرئيس الأمريكي اوباما الذي هو بدون شك بحاجة الى إحراز أي "تقدم" حتى ولو شكلي في هذا الصراع الذي يعتبر احد القضايا المهمة في عملية التنافس التي تجري على مقعد الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع اقتراب السنة الانتخابية هناك.
حلوى إسرائيل ليس سوى حلوى مسمومة يجب على الطرف الفلسطيني ان لا يتناولها وألا يقبل بها، لأنها تستهدف فيما تستهدف أيضا، المصالحة الفلسطينية وهذا الانقسام الذي كانت ولا زالت آثاره المدمرة واضحة للعيان، ومن هنا فان الدعوات الصادرة عن كافة الأطر والتيارات والشخصيات الفلسطينية والتي تنادي بعدم الغوص في متاهة المفاوضات من جديد، إنما تأتي لان هذه المتاهة تم تجريبها على مدار سنوات طويلة، ومن هنا نعتقد بأن من الحكمة التذكير بالمثل المعروف "اللي بجرب المجرب عقله مخرب"!!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت