نستميحك العذر يا لغتنا العربية/ أحمد ابراهيم الحاج

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج

لغة الأمة هي الفكر الناطق لها، فالتفكير لغة صامتة واللغة هي الأداة التي تحمل هذا الفكر وتطوف به معلنة له ومسوقة لمنتجاته بين الناس. وبذلك تنشأُ روابط الإتصال بين أبناء الأمة الواحدة وأبناء غيرها من الأمم. وبها يتم التقارب والتخاطب والتفاهم والإنسجام بين البشر. فهي عبارة عن قوالب توضع وترص بها الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف والأحاسيس. ويتم تبادلها بين أبناء الأمة الواحدة برسائل ناطقة ومعبرة عن المكنونات الصامتة. وتستمد اللغة قوتها من فكر امتها وثقافتها وتطورها وحضارتها، وقوة اللغة وصيانتها من التشويه والتزييف والتمسك بها وانتشارها مؤشر ودلالة واضحة على قوة الأمة التي تتحدث بها أو على ضعفها. فهي الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأفكار والأذهان.


 


يقول الفليلسوف فوسلر "إن اللغة القومية وطن روحي يأوي من حُرِم من وطنه على الأرض". لذلك حاول المستعمرون طمس اللغات القومية للدول المستعمَره ودمجها في لغاتهم القومية، وذلك مقدمة لطمس الأمة والسيطرة عليها جغرافياً باغتصاب لغتها القومية اولاً واغتصاب مقدراتها ثانياً، وهذا ما كان واضحاً جداً في الإستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا كمثال صارخ وخاصة في الجزائر حيث كان الفرنسيون ينوون الإستيطان فيها وضمها للإمبراطورية الفرنسية لما فيها من خيرات وجمال طبيعة.


 


اللغة العربية هي من أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الإستطاعة في التعبير عن مدارك وميادين العلم المختلفة، وتعد اللغة العربية الأم لمجموعة من اللغات، منها اللغة الأعرابية (التي نشأت في شبه الجزيرة العربية)، أو العربيات ومنها الحميرية، والبابلية والآرامية والعبرية والحبشية أو الساميات (ذلك المصطلح العنصري) والذي يعود الى أبناء سيدنا نوح الثلاثة سام وحام ويافت. ولا ندري كيف أن ثلاثة اخوة تربوا في بيت واحد يتحدثون لغات مختلفة فيما بينهم.


 


تمتاز اللغة العربية عن غيرها من اللغات الأخرى بالخصائص التالية:


1.     الخصائص الصوتية: إن اللغة العربية تملك أوسع مدى صوتي عرفته اللغات. فتتوزع مخارج الحروف بين الشفتين الى أقصى الحلق بينما هي محصورة في لغات أخرى (على الرغم من زيادة عدد الأحرف عن العربية في بعض اللغات) في نطاق أضيق ومدى أقصر حيث تكون متكاثرة ومجتمعة في الشفتين فتجد الغنة مثلاً باللغة الفرنسية. وتتوزع المخارج في العربية توزيعاً عادلاً يؤدي الى التوازن والإنسجام بين الأصوات والتآلف الموسيقي. فمثلاً لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال، ولا تجتمع الجيم مع القاف والذاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء، ولا اللام قبل الشين. فلا تجد الغنة واللكنة وأكل الكلام نظراً لصعوبة نطقه كما في اللغة الإنجليزية. فتجد التخصص في وظائف الأحرف باللغة العربية ، فمثلاً الجيم تفيد الجمع (جمع، جمل، جمد، جمر)، والغين تفيد الإستتار والغيبة ( غاب، غار، غاص، غام ، غال). وهذا التخصص لا يوجد في لغات أخرى. فاللغات اللاتينية مثلاً لا يوجد فروق بين أنواع حروفها، فلو أن كلمتين اشتركتا في جميع الحروف لما كان ذلك دليلاً على اشتراكهما بالمعنى. فمثلاً باللغة الفرنسية كلمة livre تعني كتاب، وكلمة levre تعني شفة. وهذا يؤدي الى الخلط والتشويش.


 


2.     الإشتقاق والنسب: كل كلمة عربية لها شجرة نسب مشتقة منها مثال ذلك كتب، كاتب، مكتوب، كتابة ، كتاب، مكتبة , ومكتب. وهي تتقارب وتتشابك في معانيها كأغصان الشجرة المتفرعة وتصب كلها وتنتمي الى معنى جذر شجرة النسب (كتب) والذي تتفرع منه الكلمات الأخرى. بعكس اللغات الأخرى التي تنتهج الفردية في الكلمات،  فمثلاً كلمة بنو في العربية يقابلها sons بالإنجليزية، ومعانيها لا تنتسب اليها daughter  وتعني ابنة. وكذلك بالفرنسية كلمة livere  تعني كتاب، ومكتبة معناها bibliotheque ، ومحل بيع الكتب librairie ويكتب معناها ecrire ومكتب معناها bureau.


 


3.     البنيان المرصوص والقولبة المنسجمة والمتراصة: يتماثل بنيان اللغة العربية بالشكل والهيئة والصيغة والوزن والمتانة مع تنوع الأداء الوظيفي، فصيغ الكلمات بالعربية هي اتحاد قوالب للمعاني تُصَب فيه الألفاظ وتختلف في أداء الوظيفة تماماً كخلايا جسم الإنسان، فالكاتب والمكتوب والمكتب والمكتبة تختلف في مدلولاتها ومقاصدها مع انتمائها لنفس النسب واتفاقها وتوافقها في أصل المفهوم العام الذي هو كتب. لذلك فهي اقرب اللغات الى المنطق والفطرة الخلقية التي فطر الله خلقه عليها. وقوالب الألفاظ وصيغ الكلمات في العربية لها أوزان موسيقية، فكل قالب له نغمة موسيقية ثابتة ومنفردة ومنسجمة مع جارتها مما يؤدي الى الإنسجام الشامل في كل البنيان. وللأبنية والقوالب في العربية وظيفة فكرية منطقية عقلية، فقد صنف العرب قوالب لغتهم الى الفاعلية والمفعولية والمكان والزمان والسببية والحرفة والأصوات والمشاركة والآلة والتفضيل والحدث. فالقالب الدال على الفاعلية من الأفعال الثلاثية هو دوماً على وزن فاعل، والدال على المفعولية من هذه الأفعال على وزن مفعول. وصيغة فعّال باستخدام الشدة دلالة على الشدة والكثرة وبألف المد التي فيها من الإمتداد وذلك للمبالغة من اسم الفاعل. فجميع الألفاظ ترجع الى نماذج من الأوزان الموسيقية. وقد تجلت الموسيقى والأوزان في القرآن الكريم فمثلاً "والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا، فالمغيرات صبحا، فأثرن به نقعا، فوسطن به جمعا" وقد استفاد الأدباء والشعراء من هذه الخصائص فمثلاً قول البحتري في وصف الذئب" عوى ثم أقعى فارتجزت فهجته .....فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد" انظر عزيزي القاريء الى هذه المشاهد المتعددة والوصف الدقيق والتشبيه المتطابق والتي أوردها الشاعر في بيت واحد من الشعر، فيه الوزن والموسيقى معاً، فهل تجد مثل هذه القولبة والصياغة والوزن والبنيان والموسيقى في لغة أخرى؟ بالتأكيد لا.


 


4.     الإيجاز بالألفاظ والجمل مع إعطاء مدلولات ومعاني واسعة: خير الكلام ما قل ودل. فمثلاً بالألفاظ كلمتي أم  وأب يقابلها باللغة الإنجليزية mother  و  father وكلمة أخ بالعربية يقابلها بالإنجليزية brother. وكلمة توصية بالعربية يقابلها بالإنجليزية recommendation. ويلاحظ هنا قلة الأحرف العربية مقارنة مع الإنجليزية . وفي العربية فإن الشدّة تعني عن تكرار الأحرف بينما في اللغات الأخرى يكررون الحرف مرتين للتعبير عن الشدة واحياناً يكررون الأحرف دون داع مثلاً communication فيحدث الإلتباس والخلط. ويعبرون عن الحرف بحرفين مثل الخاء يقابلها بالإنجليزية kh. وكذلك المثنى بالعربية يعبر عنه بكلمة واحدة مثال شباكين يقابلها بالإنجليزية two windows, ,وبالفرنسية les deux portes وهكذا. والضمير المستتر لا يوجد باللغات الأخرى مثال “أكتب” وتعني أنا أكتب، يقابلها بالإنجليزية I am writing. فمثلاً سورة الفاتحة بالقرآن الكريم المؤلفة من 31 كلمة استغرقت ترجمتها الى الإنجليزية 70 كلمة.


وهنالك الكثير من الخصائص المتميزة التي لا يفسح المجال لذكرها بالتفصيل في هذه المقالة التي لا توفي اللغة العربية حقها.


وقد غزت اللغة العربية كثيراً من اللغات وطمستها لأنها تحمل رسالة الإسلام ولأنها كاملة الأوصاف. فقد طمست لغة البابليين والفنيقيين بالعراق والشام وكذلك اللغة الفارسية والبربرية وطغت على العبرية الى درجة أن احد المفكرين اليهود قال " من حق اسرائيل أن تحيي العبرية الميتة، ومن واجبنا أن نميت العربية الحية". وحينما غزا الإنجليز مصر وكتب لورد ودفرين تقريره عام 1882م قال فيه " إن أمل التقدم ضعيف في مصر، ما دامت العامة تتعلم اللغة العربية الفصيحة".


 


نتقدم اليك يا لغتنا العربية الجميلة بشديد أسفنا وبالغ حزننا على ما تعانيه اليوم من هجر وتنكر من الأبناء، الذين أخلوا بوصية الأجداد والآباء، نعتذر منك يا لغة البيان والقرآن، ويا لغة النحو والتعبير والبلاغة، ويا لغة التصوير والتمثيل والتشبيه، ويا لغة الضاد الفريدة، ويا لغة النثر والشعر ذات البحور والمحيطات الشعرية المتقاربة السريعة الواسعة الطويلة المديدة الكاملة الوافرة البسيطة الخفيفة، يا لغة الوزن والقافية والموسيقى. يا من اتسعت لمعاني القرآن الجليلة السامية، ويا من تحملت ثقل الكلام، وطرت عالياً بخفته محلقة في السماء الفسيحة، ويا من تجلّى فيك جمال القصص والحكايات والروايات. يا لغة المعاني، والبيان، والبديع.


 


يا لغة السجع والطباق والجناس والمقابلة والتورية والإزدواج والنظير والتصريع. ويا لغة الماضي والمضارع والمستقبل، ولغة النهي والأمر والجزم والحزم والتأكيد. ويا لغة الحال والتمييز ,والتوكيد والمطلق والإستثناء. يا لغة الإعراب المتفردة به بين لغات العالم، يا لغة الضم والفتح والكسر والتنوين. يا لغة الفعل والفاعل ونائبه والمفعول به أولاً وثانياً. يا لغة المبتدأ والخبر والصفة والإضافة. ويا لغة القصة والقصيدة، ويا لغة النثر والشعر، ويا لغة العقل والعاطفة والمشاعر الجياشة. ويا لغة الضمير المستتر والواضح، ولغة المبني للمجهول. ويا لغة العَلم والمعلوم.


 


يا من حملت رسالة الإسلام، وانطلقت بها محلقة في ارجاء هذا العالم الفسيح، وكنت الأداة التي عبرت عن انبثاق الحضارات والثقافات من وحي هذه الرسالة السامية، فيومها كنت لغة العلم والمعرفة والثقافة والحضارة والتنوير، يسعى اليها كل من يحاول الإرتقاء والتطور من الأمم الأخرى. وكنت أداة الوحدة العربية، وأداة اندماج القوميات الأخرى مع القومية العربية تحت راية الإسلام. وأبدعت الأقوام غير العربية في فنونك وسحرك، وشارك الأعاجم في شرح قواعدك وآدابك، فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة بكافة فنونها لأنهم تآلفوا معك وأحبوك وعشقوك حتى النخاع.


حيث قال تعالى في كتابه العزيز" إنا أنزلناهُ قرآناً عربياً لعلكم تعقلون". كتاب ينير للناس طريقهم في الحياة الدنيا ويضيء لهم طريقهم الى الحياة الأخرى ، ونزهّه الله عن التحريف والتأويل، حيث تعهد الله بحفظه، إذ قال تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".


 


وتواجه اليوم لغتنا العربية الجميلة تحديات كبرى أهمها:


·        ما يحزن اليوم هو الحال الذي آلت إليه لغتنا العربية، حال لا يسر صديق بل يغم على النفس، تمشي بالمدن والعواصم العربية فترى بعينك لافتات المحلات والمطاعم والمقاهي والفنادق والأسواق تلمع في سماء الأرض العربية بأسماء أجنبية، وحتى الأسماء الحديثة للمواليد صارت معظمها كلمات أجنبية (نانسي، وليزا ولينا ولونا ولانا وليان ...الخ) ويتباهى بها الناس لحداثتها. وتستمع الى نجوم الإعلام والصحافة العربية، وحتى الى المسئولين الرسميين العرب وهم ينطقون لغة عربية مكسرة، ينصبون الفاعل ويرفعون المفعول به، وكلما اراد أحدهم ايضاح أو شرح مفهوم لكلمة عربية أو مصطلح عربي، فإنه يأتي بما يوازيه من اللغة الإنجليزية، وكأنه يريد أن يفهم الناس انه يتقن اللغة الإنجليزية الى درجة أنه يفسر بها العربية، لتضفي عليه مزيداً من الهيبة في نفوس المستمعين.


 


·        والأدهى والأمر من ذلك هو انتشار المدارس الأجنبية والتي تسمى بالعالمية في وطننا العربي كانتشار النار بالهشيم، تلك المدارس التي تتبنى تدريس المناهج الأجنبية باللغات الأجنبية، والتي تخلو من اللغة العربية والتربية الدينية الاّ ما يبل به الزور. معلومات عامة تمكن الطالب التحدث باللغة العربية العامية الثقيلة على الألسن والآذان. ويتسابق الناس ويتزاحمون لتسجيل أبنائهم في تلك المدارس العالمية وبأسعار باهظة التكاليف، ويتباهون بأن ابناءهم يجيدون اللغة الإنجليزية والفرنسية أكثر من لغتهم العربية الأم لغة الآباء والأجداد، ويقول فلان أو تقول فلانة "والله ابني لبلب في الإنجليزي او الفرنسي، حتى من هو صغير كنا ما نحكي معه الا باللغة الإنجليزية. اللغة العربية اليوم ما بتشبع الخبز، بلا عربي بلا هم. ابن فلان بشتغل بشركة أجنبية وما شاء الله راتبه فوق الريح بسبب لغته الإنجليزية. بينما جارنا معه دكتوراه باللغة العربية ويا دوب مكفي عيشة الكفاف". لسنا ضد تعلم اللغات الأجنبية شريطة الاّ يكون ذلك على حساب لغتنا الأم.


 


·        الغزو الثقافي والغزو الإقتصادي الشرسين اللذان يواجهان الأمة بانتشار المسلسلات الأجنبية المدبلجة الى اللغة العربية العامية، وما تلاقيه من ترحيب وسعة مشاهدة للأجيال الناشئة وكذلك محاولة ترسيخ اللهجات العامية وتقسيم البلاد الى دول طوائف وقوميات جيوسياسية مختلفة تتحدث بلهجات ولغات عربية متفرقة. وكذلك منتجات العولمة والثقافة اللاتينية باللغة اللاتينية. والماركات الأجنبية التي يتهافت العرب على شرائها لنظل اسواقاً استهلاكية لمنتجاتهم. وكذلك اعتمادنا في غذائنا وكسائنا على الأجنبي.


 


·        تهجين اللغة العربية بتزاوجها مع لغات العلم والتقنية الأجنبية، وإغراق اللغة العربية بسيل من المصطلحات والألفاظ الأجنبية، وتقريب اللغة العربية الفصحى من العامية وإسقاط الإعراب عن اللفظ من قبل واجهات السياسة والصحافة والإعلام والإقتصاد والمال والأعمال والسلطات المتحكمة بمقدرات الأمة.


·        انتشار الصحافة والإعلام الإلكتروني كانتشار النار بالهشيم حيث يتم فيه تداول الأفكار والأشعار والكلمات باللغة العامية المكسرة والتي تشوه اللغة العربية، وبدون رقابة من الجهات المسئولة فتتهافت الأجيال على قراءة الأشعار باللغة العامية غير الفصيحة، وتهرب من الأشعار باللغة الفصحى والمبنية على قواعد وأصول اللغة العربية الأصيلة. فتجد قراء العامية يفوقون بكثير قراء الفصحى.


 


·        شح البحث العلمي والتطوير والإختراع والإبداع العربي حيث يتم في غياب العلم تنحية اللغة العربية جانباً وتقليص دورها بين لغات العالم المتقدم وتشويهها ومن ثم طمسها وإحلالها بلغات العلم.


 


انشغل فرسانك بدراسة الطب والهندسة وبالتجارة والمال والأعمال وبمنتجات التقنية الحديثة بحثاً عن لقمة العبش، وطووك بطيات النسيان. فمن كانت لديه موهبة اجهضت في مهدها بانشغاله عنها، وألهتهم المغريات المادية عن مصافحتك وعناقك وعطائك، فأصبحت يتيمة تتضورين جوعاً على موائد لغات اللئام. ومن تمسك بك ورعاك نالت منه سياط الفقر والجوع والحرمان من ابسط متطلبات الحياة. هجر فرسانك البحث والعلم والتأليف، فهجرك العلم ونبذتك المعرفة، فأصبحت بين سكانك غريبة عارية من كل لباس، ومنبوذة على قارعة الطريق تترنحين وتطلقين نداء الغوث ولا من مغيث. بينما سترك الله وألبسك الحرير والقطن والصوف والقشب والحلي والجواهر واللآليء في كتابه العزيز.


 


صارت اللغات الأخرى مفتاحاً لحسن الحظ، وبابا مشرعاً للرزق، ومن لا يتقنها يصده عن الباب ويرفضه طالبي الوظائف ويبررون رفضهم له لعدم اتقانه اللغة الإنجليزية التي هي لغة العلم والمعرفة والتقنية والتخاطب مع الخبراء المستقدمين للعمل في هذه الأيام. نستقدمهم وهم لا يجيدون لغتنا، فنعمل لديهم مترجمين، نترجم ما يردنا من لغة عربية الى اللغة الإنجليزية لكي يفهمها الخبراء المستقدمون في بلادنا العربية ويعطونا القرار للتنفيذ. خبراءٌ انتهت صلاحياتهم ببلادهم وتقاعدوا عن العمل، ولا يقدمون أو يطورون بالعمل بل يؤخرونه حيث يشغلونا بالترجمة. ويأتون الى بلادنا ليعملوا خبراء ومستشارين  ومدراءٌ علينا ونترجم لهم العربية الى الإنجليزية. يا للسخرية!!


 


ظلمناك يوم أن ابتعدنا عن العلم والمعرفة في حين أن أول كلمة قرآنية نزلت على سيدنا محمد هي "إقرأ"، يعني ابحث وتنور وتفكر واطرق ابواب العلم واخترع لكي تملك زمام القوة المادية والمعنوية لا لتفتك بالناس من اجل مصالحك الخاصة ، بل لتستطيع تأدية هذه الأمانة الثقيلة وتبليغها للناس كافة. ولن تصل الى الناس كافة بقوة السلاح فقط، انما بقوة الإقناع بالعلم والتنوير، وبحسن المعاشرة والأخلاق في التعاملات والمعاملات، وبتطبيق مباديء العدل والمساواة بين الناس.


 


حال اللغة العربية اليوم في بلادنا العربية كحال الشاعر عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان الملقب بالعرجي حينما قال لبني قومه:


أضاعوني وأي فتىً أضاعوا              ليوم   كريهة   وسداد   تغر


وخلوني   ومعترك    المنايا              وقد  شرعوا أسنتهم  لنحري

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت