التقرير الأول..رسالة قوية لدعاة التدخل الأجنبي/زياد ابوشاويش

بقلم: زياد أبو شاويش

على خلاف ما كانوا يأملون في معسكر الطامحين لضرب سورية ووحدتها جاء تقرير الجامعة العربية متوازناً ويحمل قدراً من الحقيقة يكفي لتعرية كل الذين اعتبروا أن مهمة اللجنة باءت بالفشل وبأن الحكومة السورية تتحمل مسؤولية هذا الفشل كونها لم تتعاون مع بعثة المراقبين وعملت على عرقلة مهمتها.


 


إن التدقيق في جملة التصريحات السابقة على إذاعة الموقف الرسمي للجامعة العربية بما فيها لجنة المتابعة العربية وتصريحات نبيل العربي تظهر أن هؤلاء المصرحين كانوا يدركون حقيقة ما يجري في سورية من أحداث ومواجهات وأنها لا تقتصر على مواجهة من طرف واحد يقتل الشعب ويرفض الحل السلمي كما زعموا.


الأمريكيون ومن لف لفهم أصيبوا بصدمة قوية حين اضطر المتآمرون الأعراب على بلع كلامهم حول فشل المهمة وضرورة وجود خبراء دوليين من أجل مساعدة المراقبين العرب في مهمتهم تحت غطاء الدعم السياسي والفني...إلى آخر ترهات رئيس لجنة المتابعة وزير خارجية قطر الذي كرر مطالباته المغرضة للقيادة السورية بالتوقف عن العنف في مواجهة المتظاهرين.


 


إن التصريحات الوقحة للخارجية الأمريكية والرئاسة في واشنطن حول نفاذ صبرهم على السلطات السورية، وفشل مهمة المراقبين العرب، وضرورة تحويل الملف لمجلس الأمن من أجل التدخل لحماية السوريين من بطش حكومتهم، هذه التصريحات كانت تعني في الواقع أن مهمة هؤلاء المراقبين تسير في الاتجاه الصحيح وأن هناك آمالاً جدية تعقد على نتائج عملها باتجاه حماية سورية من الدمار ومن مخططات رسمتها الولايات المتحدة والعدو الصهيوني وعملاؤهما في المنطقة بهدف جر سورية لمستنقع الحرب الأهلية والتقسيم.


 


لاشك أن المراقبين العرب عملوا في ظل ظروف ضاغطة وترافقت بداية عملهم مع تفجيرات مروعة في المدينة الأكثر أمناً في سورية وعاصمة الدولة بهدف خلق أجواء توحي باستحالة المهمة التي انتدبوا لتحقيقها وخلاف ذلك من أهداف لمدبري تلك التفجيرات، ولعل اتهامات المعارضة بأن الحكومة السورية تقف وراءها أحد هذه الأهداف بالتحديد.


 


في ظل هكذا ظروف وتوتر على غير صعيد نجح الكثير من هؤلاء المراقبين في رؤية ما يجري على الأرض في مناطق المواجهات والاحتجاجات كحمص وحماة ودرعا وإدلب وغيرها ولم يعد بالإمكان رؤية ما تبثه وتروج له قنوات الفتنة أو غيرها حول مجريات الأمور هناك فقط، ورأوا بأم العين حقيقة وجود طرفين في المعترك السوري المؤلم والدامي أحدهما المسلحين الذين يسيطرون على عدة مناطق في البلد ويتحكمون فيها بحياة الناس ومعيشتهم.


 


التقرير أشار لتعاون مثمر وجيد من جانب الحكومة السورية مع عمل البعثة وهذا في حد ذاته شكل ضربة كبيرة لمروجي التقارير المزورة ودعاة التدويل، كما جاءت تصريحات رئيس البعثة اللواء الدابي بأن سورية تتعاون بشكل كاف معها لينهي كل أكاذيب عملاء أمريكا ويجهز عليها، لكن التقرير وكالعادة وحسب منطق الأشياء دعى لمزيد من التعاون من جانب الحكومة السورية من أجل تخفيف حدة العنف والمواجهات لمصلحة حل سياسي يأتي نتيجة جلوس المعارضة والحكومة للتفاوض على طريق الحل وخطته الوطنية دون تدويل كما عبر أمين عام الجامعة نبيل العربي في تعقيبه على التقرير. وجاءت تصريحات وزير خارجية قطر ورئيس لجنة المتابعة على ما يبدو كنوع من حفظ ماء الوجه، وهي مفهومة ومعروفة الأهداف والنوايا.


 


إذن هناك بصيص نور وأمل في نهاية النفق، وهناك أيضاً توجه جدي لإبقاء الحل في إطاره العربي عزز منه تقرير لجنة المراقبة العربية وجملة التغيرات الدولية والإقليمية التي تضع المزيد من الحواجز والعراقيل أمام التدويل أهمها خروج أمريكا العسكري من العراق وانشغالها في ملفات أخرى، والنتائج الوخيمة للتدخل العسكري في ليبيا.


 


إن تعزيز دور المراقبين وزيادة عددهم يأتي في سياق مختلف عما تريده القوى المتربصة بسورية، والتي نعرف أنها ليست حريصة كما تزعم على حياة السوريين وأمنهم، لأن هذا سيجعل الصورة أوضح وسيلجم أعمال القتل والمواجهات، كما سيكون رادعاً أمام كل من يفكر في إشعال المزيد من الحرائق، والأهم أنه تعزيز دور المراقبين سيكون في مصلحة الحل السلمي للأزمة وإنهاء ظاهرة التجييش الطائفي والمذهبي التي تجري على قدم وساق.  


 


إن حق الشعب السوري في حفظ وحدة وطنه وحياة أبنائه لا جدال فيه ولا يمكن إنكاره أو التعمية عليه، وكل الذين يحبون هذا البلد ويحرصون عليه قالوا كلمتهم على هذا الصعيد تأييداً لمطالب الناس العادلة في الحرية والكرامة الإنسانية، كما في الإصلاح والمشاركة ومنع الفساد، لكن هذا التأييد والدعم لمطالب الشعب السوري لا يجب أن تكون ستاراً لأهداف نقيضة يسعى لها أمثال حمد وأميره ومعهم بعض من تستضيفهم قطر وتفتح لهم خزائنها وقنواتها الفضائية.


 


السعي لخير سورية وشعبها لا تأتي عبر التآمر على وحدتها والسعي لتدويل أزمتها الداخلية خدمة للمشروع الأمريكي الصهيوني، ولذلك يتطلع الناس في كل مكان من الوطن العربي لحل متوازن ينهي المشكلة دون تدخل أو وصاية من أحد، وقد جاء التقرير الأول للجنة المراقبة العربية ليخدم هذا الهدف ويضع مهمتها على سكتها الصحيحة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت