حقاً إنهم يهود ..لا يتعايشون مع بعضهم البعض فكيف يتعايشون معنا؟/غازي السعدي

بقلم: غازي السعدي

             التدهور والخلافات والانشقاقات، التي برزت مؤخراً، بين العلمانيين والمتدينين، وصلت إلى حد غير مسبوق، فقد وقعت مظاهرات في القدس، وفي بلدة بيت شيمش القريبة منها، وقام اليهود المتدينون المتطرفون بأعمال الشغب لفرض قواعد السلوك الخاصة بهم، حيث قاموا بإلقاء الحجارة، وأضرموا النار في صناديق القمامة، وعرقلوا حركة المرور، وتصدرت هذه الأحداث العناوين الرئيسية في الصحف الإسرائيلية، حتى أن وزير التعليم الإسرائيلي وصف تهديدات المتدينين بالبلطجة، فما هي الأسباب التي عصفت ودفعت بالصراع بين المتدينين والعلمانيين وبين الشرقيين والأشكناز إلى التجدد؟ إن من المفيد معرفة ما يدور داخل المجتمع الإسرائيلي الغريب العجيب الذين هجروا الى أرض الحليب والعسل، من أكثر من مئة دولة من دول العالم، لا لغة ولا ثقافة مشتركة فيما بينهم، ولا عادات أو تقاليد، فليس من الغريب حدوث اهتزاز وعنف وتصدع داخل هذا المجتمع.


 


            اليهود "الحرديم"- ومعظمهم من الطوائف الشرقية- يشكلون الأصولية اليهودية المتطرفة، وترجمة كلمة "حرديم" إلى العربية، هو اليهودي النقي الذي يخاف الله، وأن هذه الدولة لا يمكن أن يكتب لها البقاء حسب مفاهيمهم، إلا بمجيء السيد المسيح للمتمسكين بقوانين التوراة.


 


            فهم يطالبون بالفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، ويصرون على جلوس الإناث في المقاعد الخلفية في الحافلات العامة، ووقوفهن في طوابير منفصلة عن الرجال في المتاجر، والتصويت أثناء الانتخابات العامة في صناديق اقتراع منفصلة عن الرجال، ومنع الاختلاط في الحفلات الثقافية والترفيهية مع الرجال، فقد انفجر الوضع بين المتدينين والعلمانيين، في أعقاب قيام متدين ومعه أربعة آخرين، بشتم مجندة وتهديدها في إحدى الحافلات، ووصفها بالمومس، طالبين منها الانتقال إلى المقاعد الخلفية للحافلة، وهذه المجندة تخدم في مكتب قائد القطاع العسكري الأوسط، وتقول بأنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها إلى الإهانة من قبل المتدينين.


 


            رئيس الوزراء سلم بفتاوى الحاخامات العنصرية ضد المواطنين العرب، ودعوة الحاخامات لعدم تأجير أو بيع المنازل للعرب، وقيام هؤلاء المتطرفين بحرق المساجد والمزارع وقطع أشجار الزيتون، وحرق السيارات العربية، والاعتداء على الفلسطينيين، فالتشريعات العنصرية التي أقرتها الكنيست خاصة في السنتين الأخيرتين، شجعت على المزيد من التطرف، وتقود إسرائيل نحو الفاشية، في ظل حكومة "نتنياهو" المتطرفة، حيث تتحمل هذه الحكومة كل ما يحصل ضد العرب، فانقلب السحر على الساحر وانتقل العنف بين اليهود أنفسهم، فالحكومة هي التي تقدم الموازنات المالية السخية للمعاهد والمدارس الدينية، التي تتخرج منها التنظيمات الإرهابية اليهودية، فهذا التدهور الخطير والانقسام بين اليهود العلمانيين والمتدينين، وفي ضوء المواجهات وأعمال الشعب، بين الحرديم والعلمانيين، دفعت "نتنياهو" للبحث عن حل لها، وهذا الحل يقضي بتقسيم المدينة بين المتدينين والعلمانيين، في أعقاب تحول "بيت شيمش" إلى صراعات عنيفة بين الجانبين، هذه البلدة التي يبلغ عدد سكانها (90) ألف نسمة، ومن المتوقع ارتفاع هذا العدد ليصل إلى (150) ألف نسمة، في أعقاب بناء (25) ألف وحدة سكنية فيها مخصصة للحرديم، أو بناء جدار فاصل- حسب "نتنياهو"- على نمط جدار الفصل العنصري بالأراضي الفلسطينية، يفصل بين الأحياء المتدينة والأحياء العلمانية، وهذا يعني إقامة "غيتوات"، كما كان عليه الحال في ألمانيا النازية، والابتعاد عن الفضاء العام، فأي مستقبل ينتظر هذه الدولة؟


 


            لقد شبه المتظاهرون اليهود من المتشددين، في مظاهراتهم في القدس، وبيت شيمش، ومدن أخرى، الأوضاع في إسرائيل بألمانيا النازية، وأن ما يجري في إسرائيل حسب أقوال المتظاهرين كما لو أنهم في  ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، متهمين الدولة بالتدخل في نمط حياتهم الدينية، فقد ارتدى المتظاهرون، وبينهم الصبية، ملابس بالأسود، وأخرى مخططة بالأبيض والأسود، مثل التي كان يرتديها اليهود المعتقلون في معسكرات الأسر النازية إبان الحقبة النازية في ألمانيا، بارتداء هذه الملابس، ووضع نجمة اليهود عليها المكتوب في وسطها كلمة يهودي، فقد كان يتم إجبار اليهود، على حد قولهم، بوضع هذه النجمة لتمييزهم عن باقي المواطنين، وقد حمل المتظاهرون المتدينون لافتات كتب عليها، الصهاينة ليسوا يهوداً، ويطالبون بوجود وحدات دولية لحمايتهم، واصفين رجال الشرطة الإسرائيلية بالنازيين، مع أن هؤلاء المتدينين لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي، ويستغلون قوتهم السياسية نتيجة حاجة جميع الحكومات الإسرائيلية إليهم، ودونهم لا تشكل الحكومات الإسرائيلية الائتلافية، فهم يحاولون تقرير كيف يعيش الآخرون، ويحاولون إخراس صوت العلمانيين والتنكيل بهم وبالصحافيين، وتهديدهم بقتل نشطاء معسكر اليسار، فإنهم ظلاميون ومتطرفون.


 


العلمانيون لم يبقوا مكتوفي الأيدي، فقد قاموا بمظاهرات معاكسة، ظهر من بين المشاركين فيها زعيمة حزب كديما وزعيمة حزب العمل والوزيرة الليكودية "ليمور ليفنات"، وذلك في أعقاب بصق المتدينين في وجه النساء والأطفال وملاحقتهم، هذه المظاهرة كان شعارها ضد الإكراه الديني، وتُعرّض المتدينين للنساء بذريعة ارتدائهن ألبسة غير محتشمة، ومن شأن الوضع الراهن- إذا استمر- أن يؤدي إلى صراعات أبدية بين الجانبين، بل وإلى حرب أهلية، حتى أن إحدى المتظاهرات التي هاجرت لإسرائيل من الولايات المتحدة قبل عشر سنوات قالت: "هذه ليست الدولة التي اخترت الهجرة إليها، فقد قدمت إلى هذه الدولة على أساس أن هناك حرية ومساواة بين الجميع، بيد أن الواقع مختلف".


 


لقد أصبحت النساء اليهوديات عرضة لهجمات جسدية وتوترات مستمرة، ناجمة عن هجمة المتدينين عليهن، مما أثار المزيد من الغضب في صفوف العلمانيين، فقد وصل مستوى الاحتقان بين الجانبين إلى درجة غير مسبوقة، حتى أن المدارس الدينية وضعت كوتا، بحيث لا تقبل الانخراط في هذه المدارس أكثر من 30% من الفتيات الإثيوبيات، فالتفرقة في هذه المدارس قائمة بين الأبيض والأسود، حتى أن الدعوات إلى الكراهية أصبحت مشروعة، ووصفت جريدة "معاريف 28/12/2011"، بأن الكآبة والتأزم تخيمان على وجوه الإسرائيليين، وكشفت الجريدة، أن ما يعادل (400) مكالمة هاتفية يومياً تطلب المساعدة النفسية من المؤسسات الطبية المتخصصة بالإسعاف الطبي النفسي، وقد انفردت الصحف الإسرائيلية وعلى صفحاتها الأولى في معالجة هذه الأزمة الداخلية في إسرائيل، والسؤال الملح: إذا كان هؤلاء اليهود لا يستطيعون التعايش فيما بينهم، فكيف يمكن التعايش العربي-اليهودي؟ وقد يكون الوضع الإسرائيلي الداخلي من بين أسباب رفض الحكومات الإسرائيلية لتحقيق السلام، فإن إيجاد عدو عربي، وخطر عربي، هو القادر الوحيد على توحيد هذا المجتمع المريض.


وأخيراً .. فإن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي كان سيحدث في الغرب لو أن ما يمارس ضد المرأة في إسرائيل مورس في إحدى الدول الإسلامية؟... لقامت الدنيا ولم تقعد.


التاريخ : 11/1/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت