في الرابع من ايلول الماضي، صعدت روح حجازية / ابتسام محيسن "أم أشرف" (53عاما) وهي على سرير التخدير بغرفة عمليات مستشفى الشفاء بمدينة غزة..حجازية كما تقول صديقة عمرها انعام حلس "أم سامر"، رئيسة مجلس إدارة جمعية زاخر لتنمية قدرات المرأة الفلسطينية التي أسستاها معاً، وكان لها دور مهم في خدمة المرأة الغزية المهمشة والدفاع عن قضاياها، ونالت عن جدارة مسؤولية انابة رئيس مجلس ادارة الجمعية التي تنشط في المناطق المهمشة شرق محافظة غزة.
منذ ذلك الوقت تنتظر عائلة "أم أشرف" نتاج التحقيق في الشكوى التي تقدمت بها لوزارة الصحة في وفاة فقيدتها، وكلما سألوا وزارة الصحة عن مآل قضيتها، قالوا أن الوزارة وهيئاتها المعنية تحقق في أمرها، وأن قضية أم أشرف يتابعها الوزير شخصياً.
أم أشرف، كانت على موعد لم تحدده مسبقاً، في السابع والعشرين من رمضان الماضي، أثناء إعدادها وجبة الإفطار، للسقوط والتعرض لكسر في حوضها، ما اضطر عائلتها لنقلها فوراً عبر سيارة إسعاف إلى مستشفى الشفاء.
صديقتها أم سامر، سارعت فوراً إلى رفيقة دربها، ورافقتها في رحلتها مع المرض التي استمرت لعشرة أيام متتالية، حتى انتهت برحيلها من دون سابق توقع.
تقول أم سامر: "فور وصولنا للمستشفى، طلب منا الدكتور المناوب هناك، أخذها لقسم الأشعة، وتصويرها، وحملها ابنها وابني من دون تدخل من أي من الممرضين، وعدنا بها ليطلب منا الدكتور تصويرها مرة أخرى لان الصورة غير واضحة، ومرة أخرى نقلناها وسط صرخات الألم، ليكرر الدكتور طلبه للمرة الثالثة، وبالفعل نقلناها مرة ثالثة، وبعد إطلاع الدكتور "___" على صورة الأشعة، قال لنا أن لديها كسر في أسفل عمودها الفقري "العصعص"، حاولنا التكتم على الخبر والتخفيف من خطورة الكسر أمام أم أشرف، وطلبت من الدكتور تقرير بحالتها كي ننقلها إلى الخارج على حسابنا، فرفض إعطائنا تقرير، وقال لي بالحرف الواحد: "بدك الأطباء برا يضحكوا علينا، هادي عملية بسيطة مثل عملية اللوز"، في اليوم التالي جاء الدكتور "___" ، وقال لأم أشرف ساخراً: "أه يا ست حجازية ضايلة بدك تسافري على كندا أو ألمانيا علشان كسر زر..ايش يعني كسر زر؟" من دون مراعاة لحالتها النفسية، فهرعت بعد تلفون من ابنتها لأجدها منهارة وفي حالة بكاء شديد، فحاولت طمأنتها".
وتضيف: "طوال العشرة أيام منذ 27 رمضان، وحتى انتهاء العيد، لم يكن هناك أطباء، أو ممرضات، مرة واحدة الطبيب "___" زار القسم، واطلع على حالة أم أشرف، أما الممرضات فلنا معهن حكايات كثيرة خلال هذه الأيام العشرة".
وتروي أم سامر كيف "احتجزت في قسم العظام لأكثر من ساعة، وهي تبحث عن الممرضة، لتجدها أخيراً نائمة في سرير إحدى المريضات"، وتساءلت: "ماذا لو تعرضت إحدى المريضات لمضاعفات؟ هل سننتظر لساعة حتى نجد الممرضة، ناهيك عن غياب الأطباء؟".
عن اليوم الأخير من حياة الفقيدة، تقول أم سامر: "قال لي الدكتور"___" ان عمليتها في حدود الساعة 12 ظهراً من يوم 4/9/2010، وطوال الليلة التي سبقت هذا الموعد، حاولت الاتصال عشرات المرات بالطبيب على هاتفه الشخصي من دون أن يجيب ولا مرة واحدة، لأفاجئ في اليوم التالي عند اتصالي الساعة الثامنة صباحاً بابنتها التي ترافقها في المستشفى بأنه تم إدخال أم أشرف لغرفة العمليات...وفي حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً وبينما أنا في الطريق إلى المستشفى اتصل بي شقيق أم أشرف وقال لي أنها توفت".
وزارة الصحة، أعلنت على لسان مدير عام مجمع الشفاء الطبي د. مدحت عباس أنه تم تشريح جثة محيسن للتعرف على أسباب وفاتها، وأن الطب الشرعي أكد تعرضها للجلطة دون تدخل من الأطباء أو بسبب تعرضها للتخدير.
أما أم سامر التي لا تفارقها الذكرى الأليمة، والتي عاهدت نفسها أن تظل أمينة على روح صديقة عمرها حتى تكشف الحقيقة، ويُحاسب المسؤول، أكدت أن أم أشرف أدخلت للعملية وهي بصحة جيدة، ولم تكن تعاني من أي امراض مزمنة.
وقالت أن ابنتها التي صاحبتها طوال العشرة أيام في المستشفى، أكدت لها أن المستشفى لم تجر للمريضة أي فحوصات قبل إدخالها للعملية، لافتة إلى أن "كيس البول المخصص لأم أشرف كان أسود اللون، وقد أبلغنا الممرضة بذلك، فقالت أنها تعاني من التهابات في البول، وطلبت من أم أشرف أن تشرب مياه".
وتساءلت: "عشرة أيام على سرير المستشفى، من دون أي ارشادات طبية، ماذا تأكل؟، ماذا تشرب؟ كيف نحركها..ألخ؟ لدرجة أن الدكتور "___" الذي سيجري العملية، عاينها لمرة واحدة فقط طوال هذه الأيام العشرة؟ ولم نر سواه منذ أدخلنا أم أشرف لقسم العظام".
روح أم أشرف، لا تزال تبحث عن سكينتها، وعائلتها المكلومة لن تستكين الا بعد تحقيق العدالة..ولسان حالهم يقول ان كان قدر الله فإنا له لمسلمون، وان كان تقصير واهمال من عبده، فإننا لن نتنازل عن حقنا في محاسبته.
إن وفاة أم أشرف، ليست الأولى ولا الأخيرة، ورغم كل التقدير للمجهود الكبير لطواقم وزارة الصحة في ظل امكانيات صعبة وشحيحة، الا أن أرواح الناس ومعاناتهم ليست مكان للتنازل أو المساومة أو المماطلة.
وقلنا إن السمعة السيئة التي استحقتها وزارة الصحة في قطاع غزة عن جدارة ليست مسؤولية الحكومة الاخيرة، ولا الوزير الحالي، فهي سمعة تراكمت طوال عقود مضت، ولكن التصحيح، يتحمل وزره من قبل بتحمل هذه الأمانة الثقيلة، وطالبنا سابقاً في لقاءات مشتركة مع وزير الصحة في غزة د. باسم نعيم، ومع مسؤولين ومسؤلات في وزارة الصحة ومستشفى الشفاء بأن تعلن وزارة الصحة عن نتاج تحقيقاتها، وأن تشدد من عقوباتها على من يثبت إهماله أو تقاعسه أو اساءته لأي مريض بقول أبو بفعل ليكون عبرة لغيره، لتبدأ مسيرة اعادة الثقة المفقودة بنظامنا وقدراتنا الصحية.
إن قضية أم أشرف، نموذج عن البون الشاسع بين الأقوال والأفعال، ففي الوقت الذي تعلن فيه وزارة الصحة في غزة عن اهتمامها ومتابعتها الحثيثة لكل قضية، ولقضية حجازية محيسن خصوصاً، فإن مضي أكثر من أربعة أشهر على فتح التحقيق في وفاتها، أمر يدعى للتشكيك في مصداقية هذا الاهتمام والمتابعة.
ونلفت نظر المعنيين في وزارة الصحة وبالتحقيق للتالي:
مريضة مصابة بكسر في حوضها تبقى على سرير انتظار التدخل الجراحي عشرة أيام متتالية؟.
الأطباء رفضوا اعطاء ذوي المريضة تقرير طبي عن حالتها وهو حق لكل مريض.
المستشفى خالية من أطباء بالعموم طوال عشرة أيام.
الرقابة على أداء الطواقم الطبية، والتزامهم بدوامهم، وأماكنهم، ومهماتهم غير ملحوظة بالمطلق.
الملف الطبي للمريضة/المتوفاة... اختفي؟! (حيث طلبت عائلتها الملف وقيل لهم أنه غير موجود).
غياب الدعم النفسي للمرضى..بل العكس هو ما يحدث.
الشكوى في قضية محيسن مقدمة للوزارة منذ 9/9/2010، وحتى الآن لم يحصل ذويها على رد؟
في انتظار نتائج التحقيق، نأمل أن يسهم هذا الضوء الخافت في التذكير، والتنبيه، والتسريع..فعذابات الناس مستمرة، وتجاهلها يفاقمها.
أسماء الأطباء غير مذكورة، لاعتبارات صحافية مهنية، تاركة لتحقيق وزارة الصحة معرفتها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت