قبل أكثر من ثلاث سنوات وتحديدا يوم 27-11-2008 كتبنا مقالا بعنوان: الحصار:المخاض العسير لولادة (إمارة) غزة، وفيه أبدينا تخوفات من نوايا إسرائيل من الانسحاب من القطاع ثم فرض الحصار عليه،وقلنا إن رفع الحصار بدون مصالحة وطنية سيؤدي لولادة دولة غزة.فهل نجح المخطط الإسرائيلي ويتم الآن تخريجه على شكل انتصار فلسطيني؟.
بعد الجولة الناجحة و(التاريخية) للسيد إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة غزة قال المستشار السياسي لهنية يوسف رزقة وكذلك الناطق الرسمي باسم حركة حماس سامي أبو زهري :إن هذه الزيارة التي أستُقبِل فيها هنية استقبال رؤساء الدول كسرت الحصار المفروض على غزة .والسؤال ماذا بعد كسر الحصار على غزة ؟ وهل القول بكسر الحصار يعني أن غزة لم تعد خاضعة للاحتلال الإسرائيلي؟ وما هو التكييف القانوني الدولي لوضع قطاع غزة الآن؟. قبل الإجابة على هذه الأسئلة يجب التأكيد على أن تفكيك الحصار عن القطاع وإعادة تعميره مكسب لأهل غزة،وأن من حق إسماعيل هنية أن يصول ويجول في العالم لأنه يمثل حركة فازت في انتخابات تشريعية،ولكن،حسابات الانجازات الصغيرة يجب أن لا تنسينا الحسابات الإستراتيجية المتعلقة بمجمل القضية الفلسطينية أو تكون على حسابها ،فغزة ليست فلسطين ولا نريد أن تُغَيِب غزة فلسطين.
أحداث متزامنة تشهدها القضية الفلسطينية كلها تصب في صيرورة تكريس فصل غزة عن الضفة ودولنة قطاع غزة بحيث باتت دولة أو إمارة غزة تنتظر من يقرع الجرس ويعلن قيامها أو الاعتراف بها رسميا.صيرورة الأمور لهذا الحال حذرنا منه عبر كل وسائل الإعلام منذ الانسحاب الإسرائيلي من القطاع في 2005 حيث ذكرنا أنه ليس عفويا تتابع عدة أحداث :حصار أبو عمار واجتياح الضفة 2003 ،فوضى عارمة في غزة خلال سنتي 2004 و 2005 ،اغتيال أبو عمار وأزمة قيادة،تحركات مكثفة لوزير خارجية قطر مع قيادات إسرائيلية وحركة حماس،دخول حماس الانتخابات البلدية 2005 -2004 بعد طرح واشنطن لمبادرة الشرق الأوسط الكبير واستيعاب الإسلام المعتدل،انسحاب شارون من القطاع 2005،انتخابات 2006 بعد عشر سنوات من التوقف،انقلاب حماس 2007.
إنه مخطط تتوالى حلقاته وتتكشف تفاصيله لكل حصيف ومتابع إلا لمن لا يريد أن يرى الحقيقة ،أو يراها ولا يريد أن يعترف بها حتى لا يكشف فشله أو تواطئه:تواطؤ المشارك في المخطط بداية أو المستفيد لاحقا.اليوم نلاحظ أنه في الوقت الذي تتعثر فيه التسوية السياسية ويتعاظم الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس و يتم التضييق إسرائيليا على السلطة في الضفة وتغيير وظائفها من خلال تجريدها من كل مظاهر السيادة الوطنية،وفي الوقت الذي تتعثر فيه المصالحة أو تتحول في أفضل الاحتمالات إلى مصالحة إدارة الانقسام،وفي الوقت الذي يتم فيه إعاقة دخول وفد فتحاوي من الضفة إلى غزة وتمنع إسرائيل غالبية شعبنا من التنقل ما بين غزة والضفة،وفي الوقت الذي يعلن فيه الاتحاد الأوروبي بأن ما تقوم به إسرائيل في الضفة من ممارسات يجعل من المستحيل إنجاز حل دولة غزة والضفة ؟ ... في هذا الوقت يقوم رئيس وزراء حكومة غزة بجولة خارجية سماها الناطق الرسمي باسم حماس سامي أبو زهري بأنها عنوان كسر الحصار عن غزة وهو ما أكد عليه هنية نفسه في كلمته أمام أعضاء المجلس التشريعي في غزة بعد عودته.هي تاريخية بحق لأن الاستقبال الذي حضي به هنية في بعض الدول لا يقل عن استقبال رؤساء الدول .
ليس (الربيع العربي) وحده من ساعد على نجاح زيارة هنية والتعامل معه كرئيس حكومة شرعية كما قال قادة تونس في تبريرهم لاستقبال هنية الأمر الذي أثار حفيظة منظمة التحرير والسلطة في الضفة،ولكن أيضا مأزق التسوية ومنظمة التحرير وسلطة الضفة جعل الأنظار تتجه لحكومة غزة ولحركة حماس باعتبارهما امتداد لقوى الإسلام السياسي الصاعد ،أيضا أنه منذ سيطرة حماس على القطاع منتصف 2007 وهي تشتغل على دولنة غزة وبالفعل تمكنت من السيطرة على كل مناحي الحياة الرسمية وغير الرسمية وتم إعادة هيكلة الوزارات بحيث باتت مستقلة نهائيا عن حكومة رام الله ،وأسست لنظام جبائي شمولي مكنها من الاعتماد على الذات ماليا بنسبة كبيرة ،بالإضافة إلى المؤسسات الأمنية المتعددة التي تُخضع لسطوتها الجميع.
والسؤال :ماذا بعد كسر الحصار؟ فقد مرت ست سنوات على سيطرة حركة حماس على القطاع وأربعة أعوام ونصف على سيطرتها المباشرة والكاملة على القطاع ،خلال هذه السنوات حكمت حركة حماس حكما استبداديا منفردا، وهو شكل نظام الحكم الذي تثور الشعوب العربية ضده،وخلال هذه السنوات تآكلت الشرعيات التي صيرت حماس الحزب الأول في فلسطين ،تآكلت شرعية صناديق الانتخابات لأن المدة الدستورية للحكومة والتشريعي انتهت ،وتآكلت شرعية المقاومة لأن حماس لم تعد نمارس المقاومة.إن كان لدى حركة حماس وبعد رفع الحصار عن غزة رؤية إستراتيجية للمرحلة القادمة غير الاكتفاء بدولة غزة ،فنتمنى أن نسمع عنها،وحتى على مستوى دولة غزة ،فإلى متى ستبقى حماس متفردة بالسلطة في القطاع ومُهمِشَة للأحزاب والقوى السياسية الأخرى؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت