تمر الأيام وتمضي الليالي والموظف يحلم بالعودة لمكان عمله الذي اقتلع منه قسريا وخاصة بعد الانقسام الأسود في قطاع غزة في حزيران من العام 2007 فاخذ يعيش حالة اليأس والضياع و في جلسة مع ذاته و بنظرة تأملية لماضيه وطموحه الذي تحطم على صخرة الانقسام فقد أخذ يجمع ما تبقى له ليصنع قصة حالمة بعودة الكرامة له بعد انجاز المصالحة ولكنه حركه هاجس انه كما كان ضحية للانقسام سيصبح ثمنا للمصالحة هذا هو شعور الموظف المستنزف منذ 5 سنوات تفتقر لمعايير احترام الذات الوظيفية، وصيغت سيناريوهات عديدة استمعنا لها بمرار فأصبحنا نباع في مزاد الوظيفة العمومية فأحيانا يغلو سعرنا لتحريك موقف في الأزمات السياسية أحيانا نشعل الخزان وأحيانا نكون برميل البارود المتفجر في مواجهة الصراعات الداخلية ثم نتحول لكما مهملا في أجواء الاسترخاء فتخرج المبادرات والخطط التي تحاك بالخفاء ولكن سرعان ما تظهر خيوطها وذيولها بشكل تسريبات إعلامية فقد دخل الموظف في مرحلة الفوضى الخلاقة الغنية عومه وأثرها في تحطيم البناء المؤسساتي وحتى القانون دخل في المزاد العلني.
وهنا نستذكر أن في عام 2008م صدر قرار تقاعد للموظفين العسكريين لمن امضوا 15 عاما وعمرهم تجاوز 45 سنة لإعطائهم راتب تقاعدي يصل 100% بالأمس سمعنا عن رفع سن التقاعد في الوظيفة المدنية ليصل 65 ،ثم طرح التقاعد المبكر هو 50 اختياريا مع تحفيز المتقاعد ومنحه درجة الأقرب لنهاية نصف مدة الوقوف عندها بمنحه درجة أخرى.
ثم توالت الصفقات والمشاريع لبيع الموظف الحكومي وطرحت إجبار الموظف المدني على التقاعد إذا أمضى 15 سنة في الخدمة العامة وتحديد راتبه التقاعدي 80% وأصبح الموظف في حالة من التخبط والإرباك الذي يحول دون تحقيق الانجاز أو أن يؤدي فيه الموظف دوره أو يتم رسالته في بناء الوطن والمؤسسة كل هذا والموظف لا يعلم مصير راتبه أو حتى الموظف ألغزي لا يعلم كم هو راتبه بسبب عدم وصول قسيمة الراتب لقطاع غزة طوال فترة الانقسام إلا من رحم ربي وأصبح يستمع لتلفاز أو صحيفة تتناول قرار يخصه أ ويمس بحقوقه وماله وهو لا يعلم عنها بالأمس القريب تم الاقتطاع من راتب الموظف مبلغ 170 شيقلا لصالح شركة الكهرباء رغم انه لا يوجد أي قانون أو أي اتفاق بين الموظف أو من يمثله والحكومة لتفويضها بهذا الخصم أو بشرعنته وهو قرار لازلنا نؤكد انه مجحف وفيه يتم تقويض الحقوق الوظيفية والدخل الفردي لصالح شركات خاصة وقد نفذ هذا القرار ولا يزال ساريا حتى الآن وتبعه قرارات أخرى كسحب السيارات الحكومية من الموظفين في الدرجات العليا من الوظيفة العمومية والآن يأتي مشروع جديد كشفت عنه القدس العربي يقضي بإحالة 26300 موظف حكومي مدنيا وعسكريا إلى قرار تقاعد مبكر إجباري لكل من امضي 15عاما وإعطاؤه راتب تقاعدي يصل 50% بعد خصم علاوة الإشراف وعلاوة طبيعة العمل لكل من هو ليس على رأس عمله وهذا نذير ناقوس خطر يدق أبواب المضربين الملتزمين بالشرعية في قطاع غزة ويصل لما يقارب 22000موظف من إجمالي المستهدفين ورفع قيمة الشريحة الضريبية، وكل يوم يمر سيكون هناك انخفاض أكثر وأكثر وتجاوز اخطر واخطر بل انتهاكا صارخا.
ونتساءل هذه المقترحات التدميرية والأوراق الصفراء كيف ستخدم الوطن والمواطن وهي تجتث حقوقه وتعطي إنذارا لرحيل الأدمغة والمتمرسين والكوادر الفنية والمهنية الذين صقلوا بتجارب وخبرات الميدان في الوظيفة العمومية على مدار أكثر من15 عاما وكيف سيبنى الوطن بلا كوادر مؤهلة وخاصة ونحن نستعد لمعركة إقامة دولتنا على تراب أرضنا واستحقاقاتها السياسية والاقتصادية المختلفة فهل يبنى الوطن في زيادة الموظف فقرا وقهرا إن المصيبة الكبرى هي أن ترتكب الجريمة باسم الإصلاح والفقر باسم الرفاه وتخلط المفاهيم وتبعثر الأوراق والجهود وكل هذا في سيناريو جديد سمي خطة التقشف لعام2012 م
يجب أن نؤمن بالخطة والبرنامج الواعي للحفاظ على استقلاليتنا الوطنية ونؤكد رفضنا أن نصبح ثمنا لابتزاز مالا سياسيا . ولكن يجب أن تتم هذه الدراسات وفق الواقع المعيشي للموظف الذي لا يقوى على العيش براتبه الكامل في مواجهة الغلاء الفاحش وفي إطار مرجعيات قانونية وفق القوانين المعمول بها أو إعادة هذه القرارات للمجلس التشريعي وديوان الفتوى والتشريع بالتشاور مع النقابات والاتحادات المعنية.
ومن فترة الى اخرى تتضارب الأنباء حول وجود أزمة مالية حقيقية أو مفتعلة فأحيانا يصرح محاسب عام وزارة المالية يقول أن المال متوفر ولكنه بحاجة لقرار سياسي ،ثم في تصريح آخر ......سنعيش أزمة مالية حقيقة إذا لم تورد إسرائيل عائدات الضرائب وقد وردت إسرائيل والأزمة لازالت قائمة وتبرعت الدول المانحة وداخليا جرى ترشيد اقتصادي وطني بجهد هيئة مكافحة الفساد ومراقبة المال العام ولا تزال الأزمة وأصبحنا لا نعرف كيف تنشأ الأزمة ومتى تنتهي وكيف حلت ؟؟؟فبين مد وجزر نعيش حالة الترقب هل سنتقاضى راتب لهذا الشهر أم لا وحتى الراتب الشهري إن وجد يصرف في البنوك بثلاث أنواع عملات ومخصوما منه فوائد القروض وربما يتم إحياء نظام المقايضة مجددا .
وفي قراءة قانونية لهذه الخطة فإنها تجاوزت القانون الأساسي وكافة القوانين ذات العلاقة بالموظف وهي عقوبة جماعية وقعت على شريحة الموظف دون أدنى وجه حق وقد نصبت الحكومة التي هي سلطة تنفيذية نفسها كمشرع بديلا عن السلطة التشريعية حين تجاوزت آليات التشريع وسن القوانين فهي إعلان تحدي للمجلس التشريعي وكتله البرلمانية بكافة أطيافها وتستهدف هذه الخطة كل أبناء منظمة التحرير الذين تأسست على كاهلهم السلطة الوطنية الفلسطينية وهنا يكافأ الموظف المناضل والوطني بإقصائه من الوظيفة العمومية ولا نعلم لمصلحة من كل هذا وقد نعود بالسلطة لتسميتها السلطة الفلسطينية بدلا من السلطة الوطنية الفلسطينية وبعد بضع شهور من التنفيذ ستفرز الخطة ثقافة تصنف هؤلاء الموظفين بقايا موظفي السلطة الوطنية كما درج المصطلح سابقا على من بقي في الوظيفة العمومية بقايا احتلال فترة قدوم السلطة الوطنية وسيصبح الشاب الموظف الأقل من 40سنة الشاب المتقاعد وهذا إبداع في قاموس الخدمة المدنية وعلينا أن نعتذر لعلماء النفس والاجتماع عن أن 40 هو سن الثبات المهني لأنه أصبح بعد الخطة سن الاقتلاع المهني وكذلك أن نتقدم بطلب لمنظمة الصحة العالمية بضرورة تغير السن للشيخوخة حتى يصبح 40 سنة ليتلاءم دوليا مع خطة التقشف وسيتضاعف العدد ليجاوز الرقم الذي تناولته الخطة ليفوق بكثير 26300 لأنه كل يوم ستنضم عشرات الموظفين ليشملها القرار حال إقرار الخطة .
إن مثل هذه الخطط ستمر مرور الكرام على كرامة موظفينا الصامدين المناضلين لو لم يتخذ المشرعين دورهم ولو أغمضت المراكز الحقوقية وهيئات المجتمع المدني عينيها عن هذه الانتهاكات وكذلك ستقر وجوبا لو لم تتخذ الفصائل الوطنية دورها القيادي في حماية حقوق هذه الطبقة لهذا كله فإننا نثمن عاليا رفض العديد من وزراء الحكومة هذه الخطة جملة وتفصيلا وكذلك موقف رئيس الديوان في تطمينه لجمهور الموظفين وندعو الجميع للوقوف عند مسئولياته والتصدي لمثل هذه المشاريع التي تقتل الروح الوطنية في البناء والانجاز فالمعركة القادمة نقابية سياسية لن يستطيع جمهور الموظفين التخلي عنها واحذر أن تتفاقم الأوضاع وصولا لثورة عمالية أو ربيع وطني لهذا فكلنا أمل وثقة في فخامة الرئيس أن ينزع فتيل الأزمة ويرفع الظلم عن أبنائه الكادحين في إصدار توجيهاته للجهات المعنية للكف عن التلاعب في لقمة عيشنا ومصير أبنائنا الذين لازالوا يعانون ويلات الانقسام فنحن وعلى أبواب استحقاقات إقامة الدولة وإتمام المصالحة الوطنية والدخول لمرحلة انتخابات تشريعية ورئاسية بحاجة لمصالحة مع الذات والالتفاف حول قيادتنا في بناء دولتنا رغم تكالب الأعداء لأن المعركة طويلة والتحديات جسام فستجدون الموظف هو الطليعة ولن يتخلى عن واجبه الوطني والمهني ولكنه بحاجة للشعور بالأمان الوظيفي .
بقلم النقابي : إبراهيم محمود الصوص
" أمين الصندوق ومسبئول التنظيم النقابي نقابة العاملين في الوظيفة العمومية_المحافظات الجنوبية "
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت