أمةٌ لا كالأمم ..تسبح الله !!/الشيخ ياسين الأسطل

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل

  أمةٌ تسبح الله لا كالأمم بل أعجب ، ولغتها لا كاللغات ، بل أغرب ، ولكنها أحاط بها من تستوي عنده الخفيات و الجليات ، فهو سبحانه يعلم السر وأخفى ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟.. تلكم الأمة ذكرها الله في كتابه وقص علينا من عجائبها ، فيا لها من أمة ، فما من أنزل باسمها سورة النمل ، تلكم الأمة التي جمعت من الجندية والنظام والسمع والطاعة والأدب والمعرفة وحسن التدبير ما جمعت ، فاستحقت الذكر والتشريف إلى جانب عملها الشريف ، فلها وادٍ ولها مُلكٌ ، ولها ملكٌ يملكُ المملكة ، على أن هذه الأمم هي أممٌ أمثالنا فقد قال جل وعلا :{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38 .


قال السيوطي أيضاً في الدر المنثور في تفسير هذه الآية : ( .. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تالي التلخيص وابن عساكر عن عبد الله بن زيادة البكري قال : دخلت على ابني بشر المازنيين رضي الله عنهما صاحبي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : يرحمكما الله الرجل يركب منا دابة فيضربها بالسوط أو يكبحها باللجام فهل سمعتما من رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك شيئا ؟ فقالا : لا  قال عبد الله : فنادتني امرأة من الداخل فقالت : يا هذا إن الله يقول في كتابه : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } فقالا : هذه أختنا ، وهي أكبر منا ، وقد أدركت رسول الله صلى الله عليه و سلم ) اهـ.


 وقال السيوطي كذلك في الموضع نفسه : ( .. وأخرج أبو الشيخ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل من يقبض أرواح البهائم ؟ فقال : ( ملك الموت ).. على أن قال: وأخرج ابن جرير عن أبي ذر رضي الله عنه قال " انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال لي : يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا ؟ قلت : لا  قال : لكن الله يدري وسيقضي بينهما . قال أبو ذر رضي الله عنه : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما " ) اهـ .


عباد الله ، إخوة الإسلام  :  يقص الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً من قصة النبيين الكريمين داود وابنه سليمان عليهما السلام ممتناً عليهما بما أنعم من النعم نعمة العلم والنبوة ، ونعمة الفهم والحكم ، ونعمة الملك الواسع العظيم ، ولكن سليمان عليه السلام ورث أباه داود عليه السلام وفاقه فقد دعا الله فآتاه ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده ، فكان ما قصه الله علينا في سورة النمل : :{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ  {15} وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ {16} وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ{17}حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{18}فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ{19} }سورة النمل . قال الإمام ابن كثير : ( أي: وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير يعني: رَكِبَ فيهم في أبهة وعظمة كبيرة في الإنس، وكانوا هم الذين يلونه، والجن وهم بعدهم [يكونون] في المنزلة، والطير ومنزلتها فوق رأسه، فإن كان حَرًّا أظلته منه بأجنحتها.


وقوله: { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي: يُكَفُّ أولُهم على آخرهم؛ لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له.قال مجاهد: جُعِلَ على كل صنف وَزَعَةٌ، يردون أولاها على أخراها، لئلا يتقدموا في المسير، كما يفعل الملوك اليوم.


فلما وصل الموكب إلى واد النمل قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فاشتمل قولها على نداءٍ وأمرٍ وتحذيرٍ واعتذارٍ :


فالنداء : يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ، والأمر : ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ، والتحذير : لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ، والاعتذار: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) اهـ .


قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ( قوله تعالى: (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) قال قتادة: ذكر لنا أنه واد بأرض الشام. وقال كعب: هو بالطائف. (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ) قال الشعبي: كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها ولولا ذلك لما علمه. وقد مضى هذا ويأتي. وقرا سليمان التيمي بمكة:" نملة" و" النمل" بفتح النون وضم الميم. وعنه أيضا ضمهما جميعا. وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قرارها) اهـ.


 إخوة الإسلام يا عباد الله : وقال الإمام السعدي في تفسيره : ( فنصحت هذه النملة وأسمعت النمل إما بنفسها ويكون الله قد أعطى النمل أسماعا خارقة للعادة، لأن التنبيه للنمل الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة من أعجب العجائب. وإما بأنها أخبرت من حولها من النمل ثم سرى الخبر من بعضهن لبعض حتى بلغ الجميع وأمرتهن بالحذر، والطريق في ذلك وهو دخول مساكنهن، وعرفت حالة سليمان وجنوده وعظمة سلطانه، واعتذرت عنهم أنهم إن حطموكم فليس عن قصد منهم ولا شعور، فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها وفهمه ). اهـ 


فماذا كان من سليمان عليه السلام ؟! ..قال الله : {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ{19} }سورة النمل .


وهذا يدل على هذه المعاني : 1- الإقرار بالنعمة والتحديث بها . 2- الإيمان بالمنعم وهو الله سبحانه وتعالى . في قوله تعالى : { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ}. 3- نعمة الولد أثرٌ من نعمة الوالد فكأنها نعمةً واحدةً . في قوله { الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} .4- دعاء الله والاستعانة به سبحانه على الشكر . 5- الشكر يكون بالعمل مع القول . 6- لا ينفع العمل صاحبه إلا برحمة الله تدركه في عباد الله الصالحين ، في قوله : { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.


وفي حديث البخاري حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لن يدخل أحدا عمله الجنة " . قالوا :  ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا فلعله أن يستعتب " اهـ .


أيها المسلمون ، يا عباد الله : والنمل أمة عظيمة ففي الحديث عند البخاري ومسلم والنسائي وأحمد واللفظ للبخاري قال : حدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ " .


قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ( ... قال علماؤنا: يقال إن هذا النبي هو موسى عليه السلام، وإنه قال: يا رب تعذب أهل قرية بمعاصيهم وفيهم الطائع. فكأنه أحب أن يريه ذلك من عنده، فسلط عليه الحر حتى التجأ إلى شجرة مستروحا إلى ظلها، وعندها قرية النمل، فغلبه النوم، فلما وجد لذة النوم لدغته النملة فأضجرته، فدلكهن بقدمه فأهلكهن، وأحرق تلك الشجرة التي عندها مساكنهم، فأراه الله العبرة في ذلك آية: لما لدغتك نملة فكيف أصبت الباقين بعقوبتها! يريد أن ينبهه أن العقوبة من الله تعالى تعم فتصير رحمة على المطيع وطهارة وبركة، وشرا ونقمة على العاصي. وعلى هذا فليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل، فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك، ولا أحد من خلقه أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بقتل وضرب على المقدار، فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت لك وسلطت عليها، فإذا آذاك أبيح لك قتله. وروى عن إبراهيم: ما آذاك من النمل فاقتله. وقوله:" ألا نملة واحدة" دليل على أن الذي يؤذى يؤذى ويقتل، وكلما كان القتل لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند العلماء. وأطلق له نملة ولم يخص تلك النملة التي لدغت من غيرها، لأنه ليس المراد القصاص، لأنه لو أراده لقال ألا نملتك التي لدغتك، ولكن قال: ألا نملة مكان نملة، فعم البرئ والجاني بذلك، ليعلم أنه أراد أن ينبهه لمسألته ربه في عذاب أهل قرية وفيهم المطيع والعاصي ..) اهـ .


ألا يا عباد الله ، يا أهل فلسطين : قال سبحانه : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف111  ، فلنتق الله ولنعتبر من هذا القصص الحق ، ولنوحد الله تعالى بصحيح الاعتقاد ، والإحسان إلى العباد ، والصلاح والإصلاح والعدل في البلاد ، ولنتجنب المفسدين والفساد ، ولنتحقق قبل التهور في طريق الجهل والعناد ، فالصدق مع اليقين لئلا تعتدى الحدود ، وتنتهك الحرمات ، وتضيع الأمانات ، ولنقدم ما قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولنؤخر ما أخره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن يجترئ على الله يجازه بمثله ، ولنأخذ أنفسنا بالعزائم وصالح الأعمال ، ولا نتتبع ما يهواه الضعاف الرويبضات عن المكارم من أشباه الرجال ، القانعين عن العظائم ببعض اللحم العالق بالعظام ، ولنظن بأنفسنا خيراً ولننشغل بما فيه صلاح أولانا وأخرانا ، ولنجعل التقوى سبيلنا ، والصبر مقيلنا ، والثبات والاستقامة على السنة والطريقة كهفنا ، فنحن في خطب لا تجدي فيه الخُطَب ، وفي كرب لم نر مثله من الكُرَب ، والله غالب ٌعلى أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


 


الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة


بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين


 


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت