القيادة الفلسطينية لديها خمس مناصب رئاسية كانت كلها ذات يوم بيد زعيم واحد هو الشهيد الرمز ياسر عرفات – رحمه الله – ثم تنازل طوعا أو كرها عن إحداها وتم استحداث أو انتزاع إحداها لتكون مستقلة عن المناصب الرئاسية الأخرى بأن يتقلدها شخصية أخرى وهو منصب رئيس الوزراء وبقيت بقية المناصب كما هي حتى يومنا هذا وهي على النحو التالي : رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية إضافة الى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني ، وكذلك رئاسة التنظيم أو الحركة التي ينتمي لها الرئيس .
وبالنظر الى كل تلك المناصب الرفيعة والحساسة نجدها كثيرة وكبيرة على شعبنا الذي لازال يرزح تحت الاحتلال ولا أعتقد أن هناك دولا تمتلك قادتها كل تلك المناصب مجتمعة وفي آن واحد ، وبعد كل تلك التجربة الطويلة للحالة السياسية الفلسطينية أعتقد جازما أن احتفاظ زعيم واحد بكل تلك المناصب هو أحد إشكاليات الوضع السياسي الفلسطيني والسبب المباشر لاختلاط الكثير من الأمور ، ولم يعد مفهوما أمام المتابعين كيف يمكن ان نحاسب المسئول إذا أخطأ أو قصر ، ولم يعد معروف من يحاسب من ؟ ومن الجهة الأعلى من الجهة الأخرى ؟ ومن يتبع لمن ؟ هل رئيس الوزراء – على سبيل المثال – يتبع لرئيس السلطة أو لرئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة أو لرئيس الدولة ؟ ، ولمن يجب أن يقدم رئيس السلطة تقريره حول أداء مؤسسات السلطة كي يتم مناقشتها ؟ ، ورئيس الدولة يتبع رئيس اللجنة التنفيذية أم العكس هو الصحيح ؟
ومن هنا لابد من إعادة النظر والتدقيق في كل تلك المسميات والمصطلحات المستخدمة ، ولاشك ليس لدينا في كل ما سبق مشكلة لأن من يتولى كل تلك المناصب هو شخص واحد وبالتالي هو يعتبر نفسه المسئول عن كل تلك المؤسسات ويرأس كل اللقاءات ولم يعد هناك فرق واضح بين كل مؤسسة وأخرى وأصبحت الأمور مختلطة حتى أن البعض لا يكاد يفرق بين اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح واجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، وبين اجتماع المجلس المركزي واجتماع المجلس الثوري ، لأن الرئيس واحد في جميعها والقضايا التي تناقش هي ذاتها وذات القرارات والتوجيهات ، ولا تقدم أي جهة تقريرها للجهة الأخرى سوى البيان الختامي لكل اجتماع وهو موجه للإعلام فقط ، وعندما تعطل عمل المجلس التشريعي تم إحالة صلاحياته لذات الرئيس وهكذا أصبحت السلطة في حالة جمود داخلي غير قابل للتطور أو الحد الأدنى من عمل المؤسسات ، وهذا يذكرنا بشكل أو بآخر في بداية قيام السلطة كان هناك اجتماع واحد فقط تحت اسم ” اجتماع القيادة الفلسطينية ” وكان يضم مجلس الوزراء وأعضاء اللجنة التنفيذية ورؤساء اللجات التفاوضية بقيادة الرئيس ياسر عرفات – رحمه الله – ، ولكن كانت تشهد تلك المرحلة نوع من الانسجام كون التركيبة العامة للسلطة موحدة بقيادة حركة فتح وكان الخلاف – إن حدث – خلاف داخلي خاص يمكن حله بجهد بسيط ، ولكن اليوم وقد دخلت قوى أساسية في تركيبة السلطة الفلسطينية دونما الاستعداد الكاف لهذا المتغير الكبير وبعد أن تعددت مراكز القوى داخل السلطة بشكل فرض ذاته وبسبب غياب ذلك الاستعداد الهيكلي للسلطة لتحمل هذا المتغير كانت النتيجة حدوث الانقسام الأسود بين شقي السلطة الفلسطينية ، ولعل ما حدث يجب أن يدق ناقوس الخطر ليس فقط في كيفية معالجة ظواهر الانقسام ولكن يدفعنا أكثر أن نفكر جديا في هيكلية السلطة ومدى قدرتها على الاستجابة للمتغيرات الداخلية الفلسطينية وتحقيق أكبر قدر من الشراكة دونما حدوث المزيد من التقلبات والإشكاليات .
ومن هنا لابد من طرح بعض القضايا التي أصبح ملحا التفكير فيها بشكل جدي و لابد من الاتفاق على أن كل من يتولى إحدى المناصب العليا للسلطة يجب أن يتجرد من مناصبه الحزبية ويجمد عضويته في أي حزب ، ولابد من الفصل والدمج في بعض المناصب العليا لتكون المسئوليات والمرجعيات أكثر وضوحا وعلى سبيل المثال أن يتم دمج منصبي رئيس السلطة مع منصب رئيس الوزراء لأنهم يقوموا بذات الدور وهو متابعة شئون عمل وزارات السلطة وما يتبعها ويكون مسئولا أمام رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والجهة العليا في متابعة الملف السياسي وكل ما يخص قضايا الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية هي جزء أساس من مؤسسات المنظمة ، ويحتفظ رئيس اللجنة التنفيذية بمنصب رئيس الدولة بحكم تداخل صلاحياتهما في هذه المرحلة ، وبالتالي يصبح لدينا عمليا ثلاثة رؤساء لكل منهم صلاحيات واضحة ومعروف مرجعية كل منهم وهم رئيس اللجنة التنفيذية رئيس الدولة ، ورئيس السلطة رئيس الوزراء ، ورئيس المجلس التشريعي ، ولا يجوز أن يتقلد هؤلاء أي مناصب أخرى ، ومن هنا يكون المواطن أكثر إدراكا ووعيا لطبيعة عمل كل مؤسسة من مؤسسات الدولة أو السلطة ، وفي هذه الحالة كل رئيس مسئول عن المؤسسة التي يرأسها ويقدم تقريره لمرجعيته وكلهم سواء أمام الشعب بأحزابه ومستقليه ويقفوا على مسافة واحدة منهم جميعا .
لاشك أن الرئيس الشهيد ياسر عرفات وكذلك الرئيس محمود عباس تميزا بما لديهم من ثقافة انفتاح على كافة الفصائل الأخرى وتربطهم علاقات خاصة بكافة ألوان الطيف السياسي ولكن هذا ليس مقياسا لاستمرار هذا الحال خشية قدوم شخصيات مستقبلية لا تملك ذات الخاصية ولا يتمكنوا من القدرة على الفصل في التعامل بين الأحزاب التي ينتمون لها وبين المنصب العام الذي يشغلونه ، ولعل تجربة الانقسام الأسود كان دليلا على صحة التخوفات التي نتحدث عنها .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت