ما أصعب اللحظة التي نعيشها اليوم ، إنها اللحظة الحرجة التي ضاعت اتجاهاتها منا ، وفقدنا الهدف الرئيس لنا فيها ، فما عادت الأمور واضحة ، كما أنها ليست ضبابية بقدر ما هي سراب خادع ، خدعت به القيادات نفسها لتخدع بدورها جماهير شعبنا العربي الفلسطيني ، وذلك نتيجة هروب القيادات إلى الأمام من واقع بائس يائس لم تعد تملك فيه القدرة على اتخاذ القرار الصائب، حيث الكل يهرب من مواجهة الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها طويلاً ، الحقيقة المرة كطعم الحنظل ، ففي ظل هجوم العدّو الاستيطاني الذي يعمل ليل نهار على إلغاء وجود الشعب العربي الفلسطيني من خلال مصادرة الأراضي وهدم البيوت وطرد أصحابها واقتلاع أشجار الزيتون مجدداً في كل يوم مقولته التاريخية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ونحن عن ذلك مشغولون بإدارة الانقسام دون الولوج إلى تحقيق المصالحة التي لا تقتضي كل هذا الوقت وكل هذا الجهد بقدر ما تحتاج إلى إرادة وطنية فلسطينية حرّة وقرار جريء من الجميع بالاعتراف بوحدة الوطن ووحدة الشعب ووحدة القيادة ووحدة الهدف .
وهنا تكمن المشكلة فقد آثرنا جميعاً أن نضع العدّو الأمريكي الصهيوني خلف ظهرنا لأننا غير قادرين على مواجهته مواجهة حقيقية فعلية على الأرض وتحولنا بذلك إلى الإخوة الأعداء ، فأصبح الصراع فلسطينياً – فلسطينياً بعد أن كان فلسطينياً – صهيونياً ، وأصبح المتصارعون فلسطينياً يستخدمون كل أسلحتهم التعبوية ضد بعضهم البعض بينما يتحول الاحتلال الصهيوني في هذا الزمن الفلسطيني الرديء إلى أرخص احتلال عرفه العالم ، فبدل أن يدفع العدّو الصهيوني فاتورة احتلاله لأرضنا من رصيده البشري والمادي فإذا بنا نحن ندفع هذه الفاتورة استيطاناً وجدار فصل عنصري ومصادرة أراضٍ واقتلاع أشجار وشهداء وجرحى وأسرى وكل إعلامنا الفلسطيني يستنكر ويشجب ذلك دون الدعوة إلى مقاومة حقيقية لهذا العدّو السرطان الذي يأكل منا الأخضر واليابس ، وبكل أسف فقد شطب إعلامنا الفلسطيني من لغته مصطلح العدّو الصهيوني وخاصة الإعلام الفلسطيني الرسمي لأنّ هذا المصطلح يعني التحريض على الإرهاب ، بل لا يجرؤ قائد فلسطيني رسمي على تسمية العدّو الصهيوني بالعدّو لأن من يحتل أرض فلسطين ليس عدواَ لفلسطين بقدر ما هو جار لنا يجب التعايش معه واحترامه وعدم الاعتداء عليه ولو بكلمة حق ، والأدهى من ذلك إنّ كل الفصائل الفلسطينية لم تعد تفكر بوجود العدّو ومقاومته بقدر ما أصبحت تفكر بكراسي السلطة وكيفية الوصول إليها عبر انتخابات تتصارع على كيفيتها لأنّ كل فصيل يريد انتخابات توصله إلى مقاعد التشريعي ، بينما فقدوا القدرة على أيُهم يقاوم الاحتلال أكثر وأيُهم يصارع العّدو الصهيوني أكثر وأفضل ، وأصبحت التهدئة مع الاحتلال سبيل السلطات الفلسطينية إلى تمكين ذاتها في ظل تواريخ وهمية أوجدها العدّو الأمريكي لنا وأصبحت مربط خيلنا ، فبعد أن أوهمونا باستحقاق أيلول الذي وجدناه سراباً خادعاً ولم نستطع تحويله إلى حقيقة من خلال تأطير جماهير شعبنا في مقاومة شعبية ضاغطة على المجتمع الدولي ذهبنا إلى سراب خادع آخر هو استحقاق 26 يناير الذي لن يكون إلا غشاوة على بصر وبصيرة القيادة الفلسطينية التي ما فتأت تراهن على الرباعية وعلى البيت الأبيض وعلى العدّو الصهيوني ضاربة بعرض الحائط بقوة شعبها وإرادته ، فأي وهم ٍ وأي سراب خادع تعيش عليه القيادة الفلسطينية .
ومن المؤسف حقاً أنه في اللحظة التي تتحرك فيه الجماهير العربية على امتداد الوطن العربي مطالبة بالحرية والديمقراطية والتخلص من استبداد الأنظمة نجد جماهير شعبنا تـُصاب بالوهن والعجز وهي التي كانت رافعة للجماهير العربية عبر العقود الماضية ، هل هو نتيجة لوجود النظام الفلسطيني الأمني الاستبدادي القاهر لإرادة الجماهير الفلسطينية والرافض لفك الارتباط مع إشكالية النظم العربية كونه أكثر النظم العربية سوءاً من خلال التنسيق الأمني والتهدئة مع الاحتلال والعدّو أم هو نتيجة لحالة الإحباط واليأس التي تعيشها جماهير شعبنا الفلسطيني، فأي مهمة تقع على كاهل الشعب الفلسطيني أهي التخلص من الاحتلال ومقاومة العدّو الأمريكي الصهيوني أم التخلص من النظام الفلسطيني الفاسد سياسياً ونضالياً ؟
أمام هذا الواقع الفلسطيني السيء والرديء نسأل إلى متى ستبقى القيادات الفلسطينية رهينة صالوناتها السياسية ومكاتبها الفارهة ومخصصاتها التي تنقذ آلآف العائلات الفلسطينية من مستنقع الفقر والبؤس ، ولن أقول متى ستخلي هذه القيادات مواقعها بعد أن تعبت وترهلت وأصبحت قعيدة كراسي السلطة والتسلط لأنها لن تتخلى عن مكاسبها الشخصية من أجل مصلحة الجماهير للتخلص من الاحتلال ، لأنّ هذه القيادات نسيت وتناست إنّ لها عدّو اسمه العدّو الأمريكي الصهيوني يقضم أرضنا شبراً شبراً ولكني أسأل كل تلك القيادات الكهلة هل للشعب الفلسطيني عدّو يقاتله ؟؟؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت