خلل في الإجراءات أم خطأ في النوايا؟ /يحيى رباح

 


ما زلت أتابع ردود الأفعال على ما تعرض له وفد حركة فتح الرباعي، الذي حضر إلى قطاع غزة عبر معبر "إيرز"يوم الجمعة الماضي قادما من رام الله، وكان هدفه بالإضافة إلى إجراء سلسلة لقاءات فتحوية داخلية، وفصائلية، أن يعطي دفقة حياة إلى العلاقات الثنائية بين فتح وحماس، التي انتعشت حولها الآمال منذ الرابع من أيار في العام الماضي، على اعتبار أن صحة وحيوية هذه العلاقة بين فتح وحماس، هي التي تشكل البنية التحتية الحقيقية للمصالحة الفلسطينية، وكانت حركة فتح لاحظت في كل التجارب السابقة، أنه كلما تصاعدت موجة من التفاؤل حول المصالحة، وانفتحت بوابات التوافق الوطني، وحدثت هناك قراءات صريحة وشجاعة للواقع من حولنا، فإن قوى أخرى مرئية وغير مرئية، سرعان ما تتدخل سلبيا، من خلال تسريبات الإعلام، ومن خلال ممارسات متشنجة ومفتعلة ومن خلال إجراءات رعناء، إلى إفساد هذا الجو الوطني وإحباط هذا التفاؤل الوطني، والعودة بالأمور إلى نقطة الصفر من جديد. الحقيقة أن الرأي العام الفلسطيني في غالبيته الساحقة، خاصة في قطاع غزة لم يتعامل بأي قدر من الجدية مع التبريرات التي صدرت من بعض الأطراف في حماس، لتبرير هذه المعاملة السيئة مع الوفد وإغلاق الباب في وجهه، واضطراره إلى العودة من حيث أتى! فأي عاقل يمكن أن يصدق أن سبب كل هذه ( القزعرينة ) هو وصول وفد فتح في وقت الصلاة وحتى لو كان الأمر كذلك، فإن المرابطين يصلون أفواجا افواجا وليس فوجا واحدا!


 


كما أن الوفد الفتحوي كان موجودا على "إيرز"في الساعة الثالثة وليس في موعد الصلاة! ويعلم الجميع أن الذي يتحكم بآليات مرور الوفود الفلسطينية بلا استثناء العابرة من مكان إلى أخر هي جهة أخرى، فلماذا كان هذا التبرير الذي توجد فيه قسوة على الذات الفلسطينية، والتباهي بإيلامها أكثر مما يجب؟ومن ذا الذي يمكن أن يصدق أن الأخ العزيز صخر بسيسو، عضو مركزية فتح، وكان قبل شهور قليلة مشرفا على عملها التنظيمي في قطاع غزة، وابن احد أبرز علماء فلسطين وشيوخها الأفاضل فضيلة الشيخ خلوصي بسيسو، يمكن أن يقطع كل هذه المسافات، وأن يتكبد هذا العناء، من أجل أن يفقد أعصابه على معبر إيرز، أمام خيمة حماس، ويسب الذات الالهية !؟وحتى بعيدا عن كل ذلك، فما الذي كان يستدعي كل هذا التشبث بالشكليات مع وفد كل أعضائه من المناضلين الفلسطينيين المعروفين الذين لا يجهلهم أحد، مثل الأخ اللواء الحاج إسماعيل جبر وهو مناضل فتحوي قديم من أبناء مدينة دير البلح، كرس حياته للعمل العسكري منذ كان في مقتبل العمر، عندما كان قائدا لقوات العاصفة في جنوب الأردن، ومثل الأخ محمد المدني الذي في بداية الصبا اخترق الجليل وجاء إلى ثورته المعاصرة يبني أول قواعدها العظيمة في الأردن والجولان وجنوب لبنان، والأخ روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي سابقا، والذي تولى الرئاسة البروتوكولية للسلطة لمدة ستين يوما حسب الدستور بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات يرحمه الله. إذا، كل ما في الأمر، أن بعض القوى من أخوتنا في حماس في قطاع غزة ليسوا جاهزين للتحرك بالسرعة التي نحن جاهزين لها في فتح، والتي نحن مستعدون لها في فتح، وحين يحدث هذا الارتباك في الإيقاع وهذا الضباب في النوايا وهذا الخوف في الحسابات المعلنة أو المستورة، فإنه من الطبيعي أن نجد دائما مثل هذه التعثرات، التي تفرح لها القوى المعادية خاصة إسرائيل، وتفرح لها القوى التي لا تعتبر نفسها في صميم المشروع الوطني، ويصبح الوضع حساسا إلى درجة أن كل حصوة في طريق الحافلة تجعلنا نتخيل كما لو أن الطريق يهتز إلى حد الهاوية! ولكن هذا التصور هو مجرد وهم لأن القوى الرئيسية في فتح وفي حماس وفي كل الفصائل الفلسطينية وفي جميع شرائح وقوى الشعب الفلسطيني، لا مشروع وطنيا لها على الإطلاق دون المصالحة، سواء كان هذا المشروع قاعدته المقاومة أو المفاوضات، وسواء امتدت حدود هذا المشروع إلى دولة كبيرة أو صغيرة، لأن الشعب الواقع تحت الاحتلال عبر التاريخ الانساني يكون له ثابت مقدس أول وهو المصالحة والوحدة، ويكون له محرم مقدس أول وهو الانقسام.


 


ولو دققنا بشكل عميق في هذا المشوار من التوافق الوطني منذ الرابع من أيار مايو في العام الماضي والمحطات التي تلت، وما قيل في تلك المحطات، والمعاني الظاهرة والمعاني العميقة، فسوف نؤمن بيقين ساطع أن الأخ الرئيس أبو مازن والأخ الصديق خالد مشعل، لا يمكنهما التراجع قيد أنملة عن المصالحة، وأنهما سيحاربان من أجلها حربا ضروسا، وأنهما يتوجب عليهما أن يتخذا القرارات النوعية والتاريخية والشجاعة للإحاطة التفصيلية بكل ما يجري، وتنظيف الشقوق والزوايا من المفاجآت الضارة، ومن الأصابع الغريبة، ومن النوايا الخبيثة. كلما شاهدت حادثا مفتعلا كالذي جرى مع وفد حركة فتح قبل أيام، ورأيت مستوى السلوك الذي قام به أصحاب هذا الافتعال فإنني أتفاءل أكثر، وأقول لنفسي ما دام لم يبق في يد أعداء الوحدة سوى هذا النوع من الهرطقات الكوميدية، فإن الرئيس أبو مازن وإن الأخ أبو الوليد على حق تماما، وأدعوهما بثقة إلى أن يواصلا التقدم إلى الأمام.


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت