دولة فلسطين دولة غير عضو في الامم المتحدة بصفة مراقب له أهمية قصوى في هذه المرحلة/نبيل الرملاوي

        أن ما وقع في لجنة العضوية التابعة لمجلس الأمن وحال دون وصول طلب دولة فلسطين الى مجلس الآمن لاتخاذ أجراء بشأنه قد تسبب في عدم اكتساب العضوية الكاملة للدولة في الأمم المتحدة في هذه المرحلة، وهذا أمر كان متوقعا بسبب الموقف الأمريكي المتسلح بحق النقض في المجلس والمعروف بسلبيته من الحقوق والطموحات الفلسطينية المشروعة، وما بذلته الولايات المتحدة الأمريكية من جهود محمومة مع الدول الأعضاء كي لا يصل طلب دولة فلسطين الى المجلس لينتهي الأمر خارج نطاقه درءا لأي إحراج يمكن أن يلحق بالولايات المتحدة عندما تضطر لاستعمال حقها في النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الخاص بهذه المسألة.


 


        ما وقع يجعلنا نفكر بعمق حول الشكل أو المستوى أو الطبيعة للعلاقة بين دولة فلسطين والأمم المتحدة في هذه المرحلة وظروفها السياسية، وماذا نريد نحن بالضبط من الأمم المتحدة ؟، هل نريد العضوية الكاملة ولماذا؟ أم نريد ترسيخ الكيانية القانونية والسياسية للدولة الفلسطينية لتأخذ مكانها الطبيعي كدولة في المجتمع الدولي وبالتالي كشخص من أشخاص القانون الدولي سواء اكتسبت الدولة العضوية الكاملة أم لم تكتسبها؟


 


        أن المواقف التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل كانت دائما معارضة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية وخصوصا في الأمم المتحدة على اختلاف أجهزتها من مجلس الأمن الى الجمعية العامة الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي الى لجنة ومجلس حقوق الإنسان وباقي الأجهزة والوكالات المتخصصة الأخرى، ومعارضة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يعني اعتراضا واضحا على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته نظرا لارتباط حق تقرير المصير للشعوب المكافحة باختيار هذه الشعوب لأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية وإقامة الدولة التي تضع هذه الأنظمة وتطورها وترعاها وتحافظ عليها, إذ لا وجود لهذه الأنظمة بدون دولة، ولا وجود لدولة بدون هذه الأنظمة، ومن هنا كان الرفض الأمريكي والإسرائيلي الدائم لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وبالتالي كان رفضهما للدولة الفلسطينية من خلال رفضهما لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولأن الاعتراف بحق تقرير المصير يعني أقرار بالحق في أقامة الدولة وهذا ما لا تقبله إسرائيل لأنه نسف لنظرية البديل الصهيونية، (إسرائيل بديل لفلسطين، واليهود بديل للشعب الفلسطيني). 


 


        إذن الاعتراض الأمريكي الإسرائيلي كان على الدولة الفلسطينية وليس على العضوية في الأمم المتحدة، ولكن جاء الاعتراض على العضوية لكي يشكل اعتراضا ضمنيا على الدولة بمظهر الاعتراض على العضوية.


        لهذا اعتبر نتنياهو أن التوجه الفلسطيني الى الأمم المتحدة في هذه المسألة بمثابة حرب يشنها الجانب الفلسطيني على إسرائيل، وفي تعبير آخر قال نتنياهو إن التحرك الفلسطيني نحو الأمم المتحدة بشأن عضوية دولة فلسطين يعني نزع الشرعية عن إسرائيل. وقال باراك وزير الحرب في اسر ائيل إن هذا العمل يشكل تسونامي سياسي ودبلوماسي على اسر ائيل. ومن الطبيعي أن نفهم المواقف الإسرائيلية هذه في ضوء تجسيد الدولة الفلسطينية سياسيا وقانونيا، وتعامل المجتمع الدولي معها في ضوء نظرية البديل الإسرائيلية التي جاءت إسرائيل الى المنطقة على أساسها وقامت دولة إسرائيل بناء عليها، ولأن التوجه الفلسطيني نحو الأمم المتحدة لتجسيد الواقع القانوني والسياسي للدولة الفلسطينية يطرح سؤالا طالما تهرب من الإجابة عليه الإسرائيليون الصهاينة وهو (ما معنى البديل ما دام المستبدل موجودا وقائما وقد أخذ مكانته في المجتمع ا لدولي كشخص من أشخاص القانون الدولي بعد أن حظي باعتراف دولي على المستوى الثنائي ما يفوق الاعتراف الذي حظيت به العديد من دول العالم الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة وقد تكون من ضمنها إسرائيل).


 


        لذلك فأن أهمية التحرك بالدولة نحو الأمم المتحدة يتجسد في تعامل الأمم المتحدة مع الدولة الفلسطينية كدولة حتى لو لم تكن عضوا كامل العضوية فيها لأهمية المغزى السياسي لوجود الدولة الفلسطينية وتعامل المجتمع الدولي معها سياسيا وقانونيا كدولة وكشخص من أشخاص القانون الدولي بغض النظر عن نوع عضويتها في الأمم المتحدة. وهذا ليس شأن باقي دول العالم الأخرى بطبيعة الحال، وهو وضع ينطبق فقط على دولة فلسطين بالنظر لما يعنيه وجودها السياسي والقانوني، وتمتعها بالشخصية القانونية في القانون الدولي من أخطار قال عنها نتنياهو بأنها تهدد شرعية إسرائيل، كما وأنها تشير بأصابع التزييف والاتهام لكل مترتبات الحرب العالمية الأولى بما في ذلك وعد بلفور واتفاقية سيكس بيكو نفسها.


 


كذلك فان التصويت التاريخي لمئة واثنين وثمانين دولة في الجمعية العامة من أصل مئة وثلاثة وتسعون دولة لصالح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في الشهر الماضي يشكل سابقة عظيمة من حيث عدد الدول المؤيدة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، بل إن هذا الحجم من التصويت الايجابي لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبهذه الغالبية الساحقة من دول العالم كان ردا صارخا على الرفض الأمريكي والاسرائيلي لعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة وتأكيدا تاريخيا بان عدم تمتع دولة فلسطين بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة في هذه المرحلة كان لسبب سياسي لدى دولة واحدة في هذا العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها دولة تملك حق النقض في مجلس الأمن كما أنها تملك القوة التي تستعملها في هذه المرحلة على حساب قوة القانون.


 


        لذلك يجب العمل بلا تردد على:


        أولا:   العمل على التوجه الى الجمعية العامة للحصول على مكانة دولة غير عضو بصفة مراقب للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وهذا أمر يتم بقرار من الجمعية العامة ولا حاجة لمجلس الأمن في ذلك.


        ثانيا:   العمل بعد ذلك على استئناف الجهود للانضمام الى اتفاقيات جنيف الأربعة المعتمدة منذ عام 1949 والبروتوكولات الملحقة بها، علما بأن طلبا لانضمام دولة فلسطين لهذه الاتفاقيات قد أودع لدى حكومة الاتحاد السويسري منذ شهر حزيران عام 1989 باعتبار أن الحكومة السويسرية هي حكومة الدولة الوديع لهذه الاتفاقيات.


        ثالثا:   استئناف العمل   للانضمام الى منظمة الصحة العالمية علما بأن طلبا من دولة فلسطين قد أودع لدى منظمة الصحة العالمية منذ عام 1989 لهذا الغرض وأرجيء البت فيه حتى الآن.


 أن الوقت قد حان لمتابعة إنجاز عضوية دولة فلسطين في المحافل المذكورة، والتفكير الجاد في الانضمام الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الأخرى ( اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية على سبيل المثال) ما من شأنه تعزيز ثقة المجتمع الدولي بدولة فلسطين الناشئة.  


                               


المستشار /    نبيل الرملاوي


15/1/2012


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت