تصريح بنغمة رنين / د اسامه ألفا

بقلم: أسامه الفرا


حواديت ...


تصريح بنغمة رنين.


اثناء صلاة الجماعة وأنت تطوق الفكر لتبقيه ضمن دائرة الخشوع لله عز وجل، وأنت تحاول أن تقطع في تلك اللحظات صلتك بالدنيا ومشاغلها، لتنفرد بصلتك مع الخالق وتبحر في المعاني التي تنقلك لروحانيات لا تنازعها الماديات، فجأة ينزعك صوت هاتف نقال ليقذف بك من جديد في أتون واقع تكثر فيه المنغصات الدنيوية، اعتدت الصلاة في مسجد السنة بمدينة خان يونس، وهو من المساجد القديمة في المدينة حيث تم تشييده في منتصف القرن الماضي، وشهد في السنوات الأخيرة إعادة بناء بتوسعة تحاكي مكانته، وتشرف على المسجد جمعية دار الكتاب والسنة، وهذا ما وضع المسجد بمكانة بعيدة عن مساحة التجاذب السياسي، فلا يخرج عليك إمام فيه بشطحات حزبية بغلاف ديني كما هو الحال في الغالبية العظمى من مساجدنا، وبالتالي تجد عمّار المسجد ممن يطمحون بأداء صلاة دون سماع مفردات ترفع الضغط وإيحاءات ذات طابع تسميمي، لعل ذلك يشعر المصلي براحة نفسية تأخذه بعيدا عن الجدل السياسي المنبثق عن حالة الانقسام وتداعياته.


 


عودة على موضوع الهاتف النقال الذي اقتحم حياتنا وبات من مكوناتها الرئيسية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن عددها في عالمنا العربي يفوق تعداد السكان ذاته، وتتسابق الشركات المنتجة له فيما بينها حول مميزاته وشكله، ونغرق نحن في تعددها ويلهث الشباب وراء اقتناء الحديث منها، وبعيدا عن عالم الهاتف النقال الذي لا تلوح في الأفق نهاية لقدراته، فما يستوقفنا هنا سلوكنا نحن المتعلق بهذه الآلة الصغيرة، فعادة لا نضع ضوابط لإزعاجه، ونترك له الحرية لأن يقتحم السكون المطلوب دون استئذان، حتى تلك اللحظات التي تتطلب منا أن نبقيه خارج الخدمة لا نتكفل بذلك، فعادة ما تسمع رنينا أثناء الصلاة داخل المساجد، بقدر ما يحمل ذلك الرنين من تشويش على المصلين إلا أن تثاقل صاحبه في إغلاقه يثير الأعصاب، خاصة إذا كانت "النغمة"تغتصب المكان ومتطلباته، والمثير للاستغراب أن صاحب الهاتف النقال وهو يقف بين يدي الله عز وجل وقبل أن يسكت رنين هاتفه يتفحص رقم المتصل، يبدو أننا بتنا بحاجة لوضع أجهزة تشويش داخل مساجدنا قادرة على إخراج الهواتف النقالة عن الخدمة، كي يكون بمقدورنا التخلص من إزعاجها وإزعاج سلوك مالكيها خاصة في تلك الأماكن التي لا تحتمل تثاقلهم في إخراس هواتفهم.


 


الهاتف النقال هو الأكثر حضورا في اجتماعاتنا، وهو صاحب الحق في الحديث دون استئذان من أحد، وطبعا داخل الاجتماعات مهما بلغت أهميتها لا نعمل على إسكات رنينها، بل نتجاوب مع المتصل ونستفيض في الحديث معه، ولا يدخل ذلك من باب "الزوق"بقدر ما يعتقد صاحب الهاتف النقال بأن أهميته في نظر الآخرين تنبع من عدد "رنات"هاتفه، قد نتفهم مثل هذا السلوك للعاملين بالبورصات المالية ولأصحاب الأعمال التي تتأثر مصالحهم بتوقيت اتخاذ القرار، ولكن المؤكد أن حالنا ليس له علاقة بذلك، فنحن أصحاب الرقم القياسي في البطالة، وحركة الملاحة لدينا متوقفة بدواعي الحصار وما قبل الحصار، والرحلات الجوية ليس لها مكانة في حياتنا بعد تدمير مطار غزة الدولي، وحركة البضائع يتحكم بها جندي على حاجز، ولم تدخل تكنولوجيا التحكم عن بعد تفاصيل حياتنا، ولسنا ممن يعير الوقت الاهتمام المطلوب، ولكن يبدو أن التفسير المنطقي لهذا السلوك السلبي مبني على أننا بتنا نشيد أهمية الذات برنين هاتفه، على قاعدة أننا أصحاب أقوال لا أفعال، واحترفت الغالبية العظمى منا التصريحات ما خف منها وما ثقل، كحال ذلك القيادي، الذي بات بقدرة قادر قياديا، ما أن ينفض اجتماع حتى يسارع لإتحافنا بتصريح له، وإن غابت اللقاءات يبني على كلمة سمعها خبرا يتناول فيه الشأن العام، حاله كحال صاحب هاتف نقال ينسج أهميته ومكانته بعدد رنات هاتفه، ويحرص دوما على الظهور من خلال تصريح بنغمة رنين.




جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت