منذ سيطرةِ حركةِ "حماس" على قطاع غزة، فان غزةَ ومن فيها وخاصة ممن يلتفون حول الشرعية من الموظفين قد أصبحوا ما بين مطرقةِ السلطةَ وفقا لما يصدر عنها من قرارات حكومية بحقهم وتصريحات على السنة القياديين فيها بشأن مستقبلهم، وما بين سندان حركة "حماس" وفقا لما يجري ايضا بحق هؤلاء الموظفين من ملاحقة اذرع أجهزتها الأمنية بتهمة التخابر مع حكومتهم في رام الله، وكأن ما يحدث ما بين مطرقة السلطة وسندان "حماس" هي علاقة طردية تهدف الى انتظام عملية الطرق على رأس الموظف الغزيّ لإنهائه والخلاص منه الى درجة انه اصبح وكأنه مصلوب بملزمة حديدية لتثبيته على سندان أجهزة "حماس" الأمنية لكي يسهل طرق رأسه بمطرقة السلطة بدقة وانتظام، حيث إن ما يجري من تهميش لموظفي غزة ليس فقط في المجال الصحي، وانما حتى التعليمي، وكذلك التعيينات الدبلوماسية والوظائف المدنية وترقيات منتسبي الأجهزة الأمنية أمر لا يثير الاستهجان فقط، وانما يثير القرف والاشمئزاز وخاصة اذا ما قارن الموظف الغزيّ وخاصة العسكري نفسه مع نظيره في المحافظات الشمالية من ناحية حقوقه وواجباته وذلك اذا ما جاءت المقارنة بين منتسبي الأجهزة الأمنية في شقي الوطن المسلوب والمجزأ من ناحية، وما بين موظفي اجهزة "حماس" اذا ما تمت المحاصصة وفق ما يتم تداوله من ناحية اخرى.
لا شك بداية بأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ليست كغيرها من أجهزة الأمن العربية من ناحية التعيينات والترقيات وذلك نظرا لخصوصية الحالة الفلسطينية، حيث أن نظام التعيين في أجهزة الأمن العربية يعتمد على الأسس العلمية وذلك لتوفير قوة العمل المطلوبة لإشغال الوظائف من خلال تحديد متطلبات التوظيف مع مراعاة الإجراءات الواجبة في التعيين وهي الاختبار والمفاضلة ما بين المرشحين كبداية مع فترة التجربة والتثبيت، بالإضافة إلى التعديل في الوظيفة وفقا لمقتضيات الحاجة.
اما عن نظام الترقيات المتبع لدى أجهزة الأمن العربية وان تفاوتت في شروطها الموضوعية في تلك الدول نجدها قد انصبت ايضا على نظام سد العجز في المهارات البشرية الكافية لتغطية الاحتياجات الفعلية للأجهزة الأمنية وخاصة في ظل المهمات الأمنية المستجدة نظرا لما يجري من تغيرات تنموية وما يصاحبها من أمراض اجتماعية، الا أن أجهزة الأمن الفلسطينية كانت قد اعتمدت على انظمة التخبط أحيانا، والاستهبال في احيان اخرى في مجالي التعيين والترقية بحجة استناد المسؤولين على السجل النضالي عند التعيين، والحاجة ايضا عند الترقيات، مع أن السجل النضالي كان كلمة حق استندوا عليها هؤلاء المسؤولون لنسج أباطيل التعيينات والتغطية على ألاعيبهم لا غير، كما أن الحاجة لم تكن يوما سببا لترقية استثنائية، وانما المحاباة وشراء الولاء والذمم هي أساس تلك الترقيات التي ابتدعوها لنا بحجة ازدياد المهام وتطور الأهداف، وهنا تكمن المشكلة التي لا يجب على الفرد أن يتحملها عند محاولة تصحيح ما بدا من أخطاء وفق ما يصدر بتخبط من مقترحات أو توصيات بهذا الصدد، وإنما على النظام السياسي الفلسطيني ان يتحمل ذلك وخاصة اذا ما اراد هذا النظام تصويب اتجاهاته باعتماد الأسس العلمية في نظامي التعيين والترقية وفقا لقوانين وأنظمة تحكم عمل الأجهزة الأمنية تتبعها نظيراتها من أجهزة الأمن العربية لأن الحلول المقترحة بالخلاص من بعض موظفي غزة وسواء كان ذلك بطردهم من الخدمة، كما يشاع بين الفينة والأخرى، أو تهديدهم بإعادة النظر في قرارات تفريغهم، أو حتى التلويح بإعطاء البعض منهم نصف الراتب تحت مسمى احالتهم الى التقاعد ليس من الانصاف بشيء، وانما هو تكرار متعمد لأخطاء يصر النظام السياسي على المضي بها كنهج لا بديل عنه ولا يمكن أن ينتج عنها أية إصلاحات ولو حتى على المدى القصير.
فلماذا يتم تحميل الموظف تبعية اخطاء المسؤولين لابتعادهم عن التخطيط وعدم استنادهم الى رؤى استراتيجية تجاه بناء المؤسسات الأمنية وتنمية قدرات العاملين فيها مثلا مع تحميله انعكاسات هذا التخبط تهديدا ووعيدا مصحوبا بالترغيب أحيانا كالتقاعد الطوعي والترهيب أحيانا أخرى بالتقاعد الإجباري؟ ولماذا كتب على الموظف الغزي دون غيره ان يتحمل سوء ادارة مسؤوليه لعدم اعتماد المعايير والأسس في نظام التعيين مثلا عند إرساء معالم السلطة وتثبيت أركانها؟ ولماذا عليه ان يتحمل ايضا مسؤولية عدم حصر الأهداف المطلوب تحقيقها من ناحية الكم والنوع والزمن المطلوب عندما تم تعيين جيش من الموظفين؟ او ان التخبط بتلك الأهداف من حيث عدم حصرها من ناحية الكم والنوع، وعدم وجود استراتيجية وفقا للاحتياجات المطلوبة وما تحتاج إليه المرافق وكافة المؤسسات من خلال تقدير قوة العمل اللازمة تخضع لمزاجية رئيس الحكومة وحساباته الشخصية دون الآخذ بعين الاعتبار تلك التغيرات المؤثرة في الوظيفة داخليا وخارجيا وخاصة فيما يتعلق بأعداد القوة اللازمة وقانون التقاعد وترك العمل للوظائف الأساسية وكذلك الوظائف المساندة او استحقاقات العاملين فيها؟!
اسئلة كثيرة ملحة ومطروحة من الموظف الغزي، واكثرها الحاحا هو ذلك التساؤل الموجه الى رئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس السلطة الوطنية باعتباره صمام الأمان ليس للموظف فقط، وانما للنظام السياسي ككل وهو: لماذا علي الموظف الغزي أن يتحمل وحده دون غيره وزر أخطاء حكومات سابقة ومسؤولين كانوا متنفذين بالسلطة؟ ولماذا عليه دون غيره أيضا أن يدفع ضريبة ما يجري من حديث عن محاصصة ما بين السلطة وحركة "حماس" وفق ما يرشح اليه من معلومات بين الفينة والاخرى عن لقاءات المصالحة؟!
لقد دفع الموظف الغزي وما زال يدفع ليس ضريبة انتمائه لقيادته والتفافة حول قرارات حكومته فقط، وانما ضريبة التزامه بالاستنكاف عن عمله ايضا من حياته ماض وحاضر ومستقبل، وقد آن الأوان يا فخامة الرئيس أن تعمل السلطة على تصويب اتجاهاتها بحق الموظف وذلك بدفع الضرر الواقع عليه وخاصة في مجالي التعيينات والترقيات بان توعز للمسؤولين عن هذا الملف بضرورة التوقف عن أسلوب الترهيب الممارس ضد الموظف الغزي ليس العسكري فقط، وإنما حتى المدني مع ضرورة الإفراج عن نشرة الترقيات واعادة احتساب العلاوات بأثر رجعي مع وقف العمل على تهديد مستقبله ماديا ومعنويا وذلك بسرعة إيقاف ضربات المطرقة على رأسه، فيكفيه انه مصلوب منذ سنوات على سندان "حماس"..!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت