لا جديد في مواقف إسرائيل التفاوضية/غازي السعدي

بقلم: غازي السعدي

 


            يُسجل للمملكة الأردنية الهاشمية، وبخاصة للملك "عبد الله الثاني"، حرصه على إنقاذ عملية السلام، وتحذيراته من عواقب ومضاعفات الفشل على أمن واستقرار المنطقة، ويكاد جلالته يكون الزعيم العربي الوحيد الذي يتحرك دولياً، من أجل تحقيق السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية، في مخاطبته المجتمع الدولي، والكونغرس الأميركي، والاتحاد الأوروبي، غير أنه وبسبب القضية الفلسطينية وتعثر المفاوضات، فإن علاقات الأردن مع إسرائيل متوترة، والأردن رفض ويرفض طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي زيارة عمان، ولقاء الملك، إضافة-وللأسباب ذاتها- فإن الأردن لم يعين سفيراً له في تل أبيب، منذ أكثر من سنتين، رغم الإلحاح الإسرائيلي، أما إسرائيل فهي لا تريد من اجتماعات عمان  إحياء عملية السلام، بل تحسين علاقتها الفاترة مع الأردن، وصورتها في العالم، فقد بات واضحاً بأن نتنياهو وحكومته على غير استعداد لدفع ثمن السلام والاستجابة للحقوق، فالخداع الإسرائيلي والضحك على العالم مستمر وهو سيد الموقف، مع أن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، يحقق مصالح الأمن الإسرائيلي، باعتراف أجهزة الأمن الإسرائيلية، بينما تتهم إسرائيل رئيس السلطة-الذي حقق لهم الأمن- بإقامة قيادة مشتركة مع حماس والجهاد الإسلامي، لكي يتهرب من العملية السلمية –حسب ادعاءاتها-.


 


            إن أقوال الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" في اجتماعه مع القيادة الفلسطينية بأنه لا جديد في استكشاف المواقف الإسرائيلية في لقاءات عمان، وأن مواقفها ما زالت على حالها، أقواله هذه ليست مفاجئة، كما أن المواقف الإسرائيلية لم تفاجئه، إلا أنه يحاول الاستفادة من أي فرصة كي لا يُتهم بإحباط الفرص، أما المواقف الإسرائيلية فهي تتبنى أيديولوجية توراتية سخيفة، تدعي حقها وملكيتها لأرض فلسطين، وحين يدعي "نتنياهو" قائلاً أن الضفة الغربية هي أرضنا-أي أرض اليهود- وأن البناء في المستوطنات بناء في أرضنا ولن يتوقف، وأنه ماضٍ في تهويد مدينة القدس، ونهب الأراضي الفلسطينية، وفي كل يوم يعلنون عن عطاءات جديدة لبناء آلاف الوحدات السكنية، وتسويقها بأسعار رمزية لاستقطاب المستوطنين إليها، فأين اختفت الثوابت الفلسطينية والتمسك بالمرجعيات الفلسطينية بعدم العودة إلى المفاوضات ما لم يتوقف الاستيطان، فيما التعنت الإسرائيلي التوراتي على حاله، فبعد (24) ساعة من اجتماع عمان الأول، أعلنت إسرائيل عن بناء (300) وحدة استيطانية جديدة، فتجميد البناء غير وارد، فما الذي تبقيه إسرائيل للتفاوض عليه؟


 


            إن كل من يتبع تسلسل المسيرة التفاوضية، يفهم أن ما فشل بتحقيقه الرئيس "باراك أوباما" ومبعوثوه، وكذلك اللجنة الرباعية، والاتحاد الأوروبي فإن اجتماعات عمان لن تقدم المعجزة، مع أن الفلسطينيين والأردنيين، وكذلك الإسرائيليين، عرفوا سلفاً بأن هذه الاجتماعات، سواء كان الأول أو الثاني أو الثالث، وحتى العاشر لن تؤدي إلى تحقيق اختراق يعطي خطوة إلى الأمام، فقد كان معروفاً بأن هذه المفاوضات غير مجدية، ولن تؤدي إلى نتائج، لكن لكل طرف من هذه الأطراف حساباته، رغم أن السيناتور اليهودي في مجلس الشيوخ الأميركي، والذي يعتبر صديقاً حميماً لإسرائيل أكد للوزراء الإسرائيليين- حسب جريدة "يديعوت 31-12-2011" - بأن صورة اسرائيل تبدو سيئة للغاية أمام العالم، وربما أن هدف إسرائيل من اجتماعات عمان تحسين صورتها والخروج من عزلتها الدولية، قائلة أن المفاوضات مستمرة، وهي المستفيدة الوحيدة من استمرارها، متمسكة بشروطها، لكن اجتماعات عمان "نجحت" في قبول المندوب الإسرائيلي باستلام الوثائق الفلسطينية المتعلقة برؤيتها للحدود والأمن، وهذا ما رفضته في الماضي، لكن المندوب الإسرائيلي لم يف بوعده بتسليم الفلسطينيين رؤيا إسرائيل في موضوعي الحدود والأمن، لأن هناك بونا شاسعا في وجهتي نظر الجانبين، فحكومة "نتنياهو" حكومة يمينية توراتية، تدعي بأن أرض فلسطين الكاملة ملك بلا منازع لهم، وأن ما يجري تجسيده في القدس والضفة الغربية، من استيطان وتهويد، وتغيير معالم الأرض والوطن، يندرج في هذا الاعتقاد، ونسخة عما قامت إسرائيل بتطبيقه في أراضي 1948، وفي المناطق الفلسطينية، ويتعارض مع خارطة التقسيم من عام 1947 والتي بموجبها قامت إسرائيل، فإنها تريد تحويل الضفة الغربية، وضمها إلى إسرائيل، وأن موضوع ما يسمى بحل الدولتين، وإحلال السلام، ليس ولم يكن في ذهنها وعقليتها.


 


            وزير الخارجية الإسرائيلي "افيغدور ليبرمان" وجه أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست اتهامه للفلسطينيين بأنهم غير معنيين بالمفاوضات، فالفلسطينيون غير معنيين بل ويرفضون مفاوضات من أجل المفاوضات، وفقاً للأجندة الإسرائيلية، ومن أهمها: عدم العودة إلى حدود 1967، والقدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأزلية، واستمرار البناء في المستوطنات وفي جدار الفصل العنصري، ومصادرة أراضي الأغوار الخصبة، ولا لعودة اللاجئين، والاعتراف بيهودية الدولة، فإسرائيل في أحسن الأحوال، تريد اقتسام الضفة الغربية مع الفلسطينيين، لتقام عليها دولة مقطعة الأوصال، حتى أن هذا "التنازل" مرده الكثافة السكانية الفلسطينية، و"ليبرمان" الذي أعلن أكثر من مرة بأن المفاوضات يجب أن تدار على إدارة الصراع، وليس حله، وأن السلام لن يتحقق خلال سنوات طويلة، وأن من يعتقد غير ذلك، فإنه مُضَللٌ ومُضَلِل، حسب ليبرمان، فهو مستمر بمهاجمة القيادة الفلسطينية، ويطالب بمحاصرة الرئيس "عباس" بمقر المقاطعة- كما جرى محاصرة الرئيس أبو عمار- ومنع تنقله، ووقف تحويل عائدات الضرائب على السلطة الفلسطينية، وذرائع "نتنياهو" بعدم إجراء مفاوضات مع حكومة فلسطينية تضم حماس، وفي الوقت ذاته فإن السلطة الفلسطينية لا تمثل قطاع غزة، ويتحدث عن سلام اقتصادي، فإسرائيل تواصل تعنتها ورفضها الاستجابة لشروط الرباعية، بل أنها تضع شروطاً تتناقض معها، وترفض تقديم موقفيها من الحدود والأمن، بينما قدم الرئيس الفلسطيني خريطة الدولة الفلسطينية وحدودها والترتيبات الأمنية إلى اللجنة الرباعية، فإسرائيل تواصل تعنتها في اجتماعات عمان، ولم ولن تسفر هذه اللقاءات عن أية نتائج، فالنوايا والأهداف الإسرائيلية واضحة وعلنية، وموضوع السلام ليس وارداً في الذهن الإسرائيلي، طالما تتبنى الولايات المتحدة المواقف الإسرائيلية، في ظل الضعف والتشرذم العربي.


 


            وأخيراً ... فإذا كان هدف المفاوضات، تحميل إسرائيل المسؤولية عن فشلها، فإن إسرائيل لا يهمها مثل هذا الاتهام، طالما أن الولايات المتحدة تتبناها، وتدافع عنها وهي قادرة على الإفلات من مثل هذا الاتهام.


 


 


التاريخ : 18/1/2012


المقال الأسبوعي


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت