المفاوضات جزء من المقاومة الشعبية السلمية/عماد عبدالحميد الفالوجي

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي

 


لا يمكن لكل مراقب للتطورات الداخلية الفلسطينية أن يفصل الأحداث بعضها عن بعض وكذلك التصريحات الصادرة عن أصحاب القرار الفلسطيني ، وخاصة التي يطلقها الرئيس محمود عباس كونه يتبوأ رأس الهرم الفلسطيني ، وعندما يؤكد أن المصالحة الفلسطينية والمفاوضات خطان متوازيان يسيران بشكل مستقل ولا يتناقضان أو يجب أن لا يتناقضان ، فالرئيس يعني ما يقول وهنا يجب التوقف قليلا أمام هذه السياسة المعلنة وربطها بما يجري على أرض الواقع ، فقد سارت الأمور متوافقة مع تصريحات السيد الرئيس حيث عادت المفاوضات – أو اللقاءات الاستكشافية كما يحلو لقيادة السلطة تسميتها – وكذلك استمر عمل لجان المصالحة في اجتماعاتها دونما الإعلان عن أي انسحاب من كافة  الأطراف المجتمعة وخاصة حركة حماس – بغض النظر عن نتائج تلك الاجتماعات والصورة التشاؤمية المرافقة لعملها – ولكن الأهم أنها تسير وتجتمع وتناقش العراقيل وتضع الرؤى لمستقبل المصالحة وضرورة نجاحها وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في وثيقة المصالحة .


 


وهناك  من يعتقد أن استمرار المفاوضات مع المضي قدما بملف المصالحة يعني أن هناك اتفاقا تم بين الحركتين الرئيسيتين على ما هو أعمق من المصالحة ذاتها وهذا ينطبق مع التصريحات التي أعقبت اللقاء الأخير الذي جرى بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس السيد خالد مشعل حول الاتفاق على الشراكة السياسية التي تتضمن في أبجدياتها التفاهم الكامل لطبيعة المرحلة وحقيقة الموقف الفلسطيني الرسمي من كافة القضايا المطروحة ، وعلى رأس هذه القضايا العملية التفاوضية وطبيعتها وحقيقة الضغوط التي تمارس على القيادة الفلسطينية وحجم العقوبات المتوقعة على الشعب الفلسطيني في حالة عدم الاستجابة لتلك الضغوط ، وكيف يمكن المناورة بين كل الخيارات المطروحة دون التنازل عن الموقف الفلسطيني العام المتفق عليه ، ومن هنا نجد بوضوح نوع من التفهم العام للتحرك الرسمي الفلسطيني غير مسبوق وانخفاض حدة النقد للقاءات الجارية في العاصمة الأردنية عمان .


 


وهناك من ربط هذا السكوت على تلك اللقاءات في ما يدور من أخبار حول التقدم في العلاقات بين قيادة حماس والقيادة الأردنية ومعلومات عن قرب زيارة الأخ خالد مشعل للعاصمة الأردنية وترتيب حول استقراره هناك ومن غير الحكمة أن يشن  أي طرف انتقادا لاذعا للدور الأردني في ظل هذه التحركات ، ولعل هذا لعب دورا مشجعا للرئيس محمود عباس لأخذ قراره في التجاوب مع  التحرك الأردني ، خاصة وأنه ليس هناك ما يخسره الجانب الفلسطيني بل على العكس يمكن أن يتجاوز بهذه اللقاءات حجم لا يستهان به من المشاكل الخارجية خاصة وأن اللجنة الرباعية هي الراعية لهذه اللقاءات – الاستكشافية – ، وكأنه و بعد كل تلك السنين من المفاوضات لازال الطرف الفلسطيني بحاجة لاستكشاف نوايا الطرف النتنياهوي ، ولكن في علم السياسية ” كل شيء ممكن ” .


 


وهناك من ربط هذا التفاهم بحديث الأخ خالد مشعل في حفل توقيع المصالحة الفلسطينية في القاهرة – مايو الماضي – بأن حركة حماس تمنح الرئيس محمود عباس عاما آخر لإختبار العملية التفاوضية لتحقيق الحقوق الفلسطينية – إذا كان الرئيس عباس يعتقد أنه لازال ذلك ممكنا – ، وبالتالي فإن الرئيس من حقه ممارسة هذا الحق في عملية الاستكشاف الأخيرة وهو مطمئن بأنه لن تكون هناك معارضة جدية لهذا التحرك ولن يؤثر التحرك الجديد على مجريات المصالحة الداخلية التي تم الاتفاق على ضرورة إنجازها بالسرعة الممكنة .


 


وبالرغم من منطقية كل ما سبق يبق هناك مفهوم جديد لابد من  التوقف عنده وهو أن ممارسة عملية التفاوض مع الكيان الإسرائيلي مع التمسك بالمواقف المتفق عليها هو جزء من ممارسة المقاومة السلمية التي تم التوافق بشأنها ، والمفاوضات منذ انطلاقتها هي تمثل حالة اشتباك مباشر مع الكيان الإسرائيلي وهي معركة سياسية مباشرة بامتياز ولا يمكن لأي طرف أن يتجاهل الكثير من الإنجازات التي حققتها عمليات التفاوض على أرض الواقع وهي مرتبطة بشكل وثيق بحجم الانجازات الدبلوماسية للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية وليس آخرها حصول فلسطين على عضوية منظمة اليونسكو ورفع مكانة التمثيل الفلسطيني في كثير من دول العالم وخاصة من بعض الدول الأوروبية الكبرى ولازالت عملية تعزيز الانجازات الدولية تتواصل مترافقة مع التحرك السياسي الرسمي الذي يستجيب مع سياسة المنظومة الدولية مع التمسك بما تم التوافق عليه فلسطينيا وعربيا .


 


وهذا التحرك ينسجم مع الحال العام للأوضاع العربية نتيجة ” الربيع العربي ” فلا تكاد توجد دولة عربية واحدة لديها الاستقرار الداخلي الذي يعطيها القوة لدعم التحرك الفلسطيني أو الانتباه للمتغيرات الجارية على أرض الواقع فيما يخص القضية الفلسطينية واستمرار الكيان الإسرائيلي في استغلال هذه الأوضاع لممارسة سياسته على الأرض في عملية استباق للأحداث والمفاوضات وهذه الهجمة الشرسة المتواصلة على الأرض الفلسطينية من خلال الاستمرار في بناء أكبر عدد ممكن من المستوطنات وكذلك ما تتعرض له مدينة القدس وسكانها العرب من اضطهاد وضغوط لتهجيرهم والتعرض للمواقع الأثرية الإسلامية وتواصل عملية التهويد بداخل ساحاتها المقدسة ، كل ذلك يدفع القيادة الفلسطينية للتحرك وتعبئة الفراغ القاتل في كل الاتجاهات وصنع حالة من الضغط الدولي على الكيان الإسرائيلي لإفشال كل مخططاتهم ، ولعل تفهم الأغلبية من فصائل العمل الوطني والإسلامي لذلك دليل وعي وإدراك لحجم المخاطر التي تتعرض لها قضيتنا وأرضنا وشعبنا .


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت