حُددت تلك اللجنة بأعضائها المنتمين لتيارات مختلفة وانتماءات سياسية مرتبطة بأهم الأحزاب على الساحة السياسية الفلسطينية، شُكلت لتعمل على المسارعة في حل قضايا اجتماعية رئيسية تمس حياة المواطن الفلسطيني وكرامته وحقه في الحرية والتعبير، فكانت تركيبتها منذ البداية مملوءة بمسميات الذكورة بعيداً عن تواجد أي عنصر أنثوي يشارك في صناعة الحرية والتغير وتعزيز الحقوق المشروعة لكل مواطن فلسطيني.
وقد مر على تشكيل تلك اللجنة الأيام والاجتماعات القليلة التي لم نسمع عن انعقادها بصورة دورية وإلزامية، فكلما حدد موعد لاجتماع الأعضاء أُعلن بعد لحظات منه أو قبل اليوم المشهود للاجتماع عن التأجيل ويبرر ذلك لأسباب فنية لا يُعرف مصدرها ولا ماهيتها، ويبدو أن كل اجتماع يُقرر يجب أن يتم التنسيق المسبق له من الجهات المختصة في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي بدورها هي من تحدد مسيرة الاجتماعات وما يدار فيها.
فالموضوعات التي حددتها لجنة الحريات للمسارعة في بحثها وتطبيقها قامت على ملفات الاعتقال السياسي والمسح الأمني في التوظيف وحرية الصحافة الإعلامية والتعبير عن الرأي وتوزيع الصحف اليومية لا تتطلب أن يُعقد اجتماعات مطولة ومتعددة حتى يتم تنفيذها وتطبيقها بحق المواطن الفلسطيني لأنها تعتبر من الحقوق الإنسانية والحاجات الأساسية التي نصت عليها القوانين والدساتير الدولية والدستور الفلسطيني ومن الواجب أن توفرها السلطة أينما تواجدت لمواطنيها دون نظر للخلافات الحزبية والانتماءات السياسي أو أي عنصرية وتعصبية تعبر عن التخلف والجهل السياسي.
إن عملية التأجيل المتكررة لانعقاد تلك اللجنة بحجة الخلل الفني لا تُعبر عن مصداقية حقيقة اتجاه الإقدام على تحقيق المصالحة وإعادة الحقوق الإنسانية للمواطن الفلسطيني، وإنما لا تُعبر إلا عن الهروب من المسؤولية الملاقاة على عاتقهم لأجل تحقيق البنود المتفق عليها أو فقدان للثقة الواجب بنائها بين الأطراف المجتمعة ليسلم كل منهما حقه في الوجود والكرامة الإنسانية، أو التعمد لوضع عثرات من أجل التأخير وكسب الوقت لأهداف وغايات لا يُعرف بواطنها من كلا الأطراف.
فالمواطن الفلسطيني الذي يقبع في سجون الاعتقال السياسي أو المحروم من حرية الرأي والتعبير أو التنقل والتواصل مع الآخرين، أو المحروم من حوزته لجواز سفر يتنقل به ويحمل هويته الفلسطينية، أو الموظف المطرود على خلفية حزبية أو المواطن المُعتدى على حريته الشخصية من خلال المسح الأمني والدخول في خصوصية عندما يُقدم على وظيفة ما سواء بالقطاع العام أو الخاص، والمعلم الذي حُرم من مهنة التعليم بعد إمضائه لسنوات طويلة من العطاء لشكوك أمنية حول انتمائه السياسي، والتاجر المحتجزة أمواله في البنوك وغيرها على خلفية التحزب والعصبية العمياء، والصحف والمؤسسات الإعلامية والاجتماعية المغلقة والموقوفة عن العمل والإنتاج، والمؤسسات الخيرية التي تُقدم خدماتها للمعاقين والضعفاء وأُوقفت لوسمها بصفة الحزبية أو الشكوك حول ذلك، وغير هذا مما يعانيه المجتمع والمواطن الفلسطيني من خلفيات ذلك الخلاف والانقسام البغيض.
في نهاية المطاف سيبقى هؤلاء الذين وقعوا الضحية الأولى لخلفيات هذا الانقسام هم من يعانون ويلات وآلام ذلك التأخير لتطبيق بنود المصالحة وتعثر حوارات لجنة الحريات وتأخير عملها، فهم من يعتصرون من وراء القضبان والحرمان للحريات بآلامهم وأحزانهم وتبقى قلوبهم تأمل لحظة الاتفاق والتفوه بكلمة الحق والضمير التي تعيد لهم حريتهم وتُفرج عما وقعوا ضحية له.
فعلى لجنة الحريات وأعضاءها ومُنسقيها أن لا ينسوا تلك القلوب المتألمة والمنتظرة لقراراتهم وتطبيقاتها وينشغلوا في خلافاتهم ومشاجراتهم وتحقيق رغباتهم ومصالحهم على حساب أوقات وأعمار وإنجازات هؤلاء المواطنين الذين يجب أن يُقدم لهم الاعتذار والتعويض وإعادة الكرامة والحرية لهم بأسرع وقت مستطاع دون تأخير لخلل فني أو تهرب من المسؤولية اتجاههم، ويجب أن تُسارع لإعادة الإحساس لكل مواطن فلسطيني بأنه يعيش في مجتمع يحفظ له حقوقه وكرامته الإنسانية والعمل على وضع توصياتها بسن قوانين تحُرم على أي إنسان أو سلطة الاعتداء على حق أي مواطن فلسطيني مهما كانت ظروف الخلاف أو التنازع السياسي، ولتبقى كرامة الإنسان الفلسطيني وحُقوقه وحريته بالحياة أغلى ما يُحقق له في وجوده، لأن الإنسان أغلى ما نملك.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت