عرف الفلسطينيون الثورات ومساراتها وأهدافها ووسائلها وسبلها وما يسمى برياح الربيع العربي من أجل الحرية قبل غيرهم بأكثر من أربعين عام ونيف ، ففي حين تحوم الشبهات حول الكثير من الثورات العالمية من حيث الوسائل والأساليب والأهداف والغايات ، كانت الثورة الفلسطينية المجلجلة المظفرة المباركة كما وصفها الكثير من الزعماء العرب والعالميين الخالدين ، ثورة نظيفة وسامية الأهداف ، لارتكازها على قاعدة ( كنا لاجئين وأصبحنا مناضلين من أجل الحرية ) ، وعلى مجموعة من الثوابت الفلسطينية التي تشكل مجمل الحقوق الفلسطينية المشروعة ، مما أكسبها دعما كبيرا واحتراما لا مثيل له من كافة الشعوب العربية والإسلامية والحرة الصديقة ، وكانت ثورة قوية نبيلة الغايات لتبنيها الفكر الفلسطيني الخاص ولمحافظتها على خصوصيتها واستقلاليتها رغم محاولات الكثيرين من داخل البيت الفلسطيني ومن خارجه المحمومة لاختراقها، ولمحاولة مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل كما أردته الثورة الفلسطينية التي انطلقت من الرحم الفلسطيني ، وكانت ثورة شعبية رائدة لرفضها التدخل بشؤون غيرها مما جعلها بموضع احترام قادة العالم وشعوبه .
والفلسطينيون اللذين قاوموا كل محاولات إسرائيل لطمس حقوقهم وتقزيم ثم تصفية قضيتهم واجتثاث ثورتهم وإلغاء حلمهم بالدولة المستقلة بحدودها الثابتة وعاصمتها القدس ، انتبهوا دائما لما يريده العالم ويتوقعه منهم والتفتوا إلى بنيانهم الذي دائما حافظوا عليه قويا مرصوصا لمجابهة كل التدخلات والمعطيات الدولية والإسرائيلية ، فهم لذلك أملوا من قادتهم وقواهم الوطنية تجاوز كل الخلافات التي قد تلحق الأذى بمشروعهم الوطني التحرري ، وعملوا دائما على تمتين وترتيب بيتهم الفلسطيني وتقوية وتحصين صفهم الوطني .
ومن أوائل من التفتوا واستجابوا دائما لمتطلبات الربيع الفلسطيني الدائم الاخضرار والعطاء الوطني الناضج ، ولصوت الشعب الفلسطيني المردد ( الشعب يريد الحرية ) ( والشعب يريد إنهاء الانقسام ) ، هو الرئيس الفلسطيني نفسه وجميع القيادة الفلسطينية اللذين عملوا دائما بجد ومصداقية لترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء خلافاته ولإعادة تأهيله لمقاومة كل المحاولات الإسرائيلية للاستفادة من الشرخ الذي قد يصيب البيت الفلسطيني الواحد لمصلحتهم التوسعية الاستيطانية .
فمقاومة الإرهاب والصلف والتوسع والفكر الاستيطاني الإسرائيلي الذي يشكل المخرز في المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية ، لا يحطمه وبثنيه عن همجيته ودمويته إلا الكف الفلسطينية القوية التي لا تشوبها الأخطاء ولا تغطيها العيوب ولا تلفها الخطايا ، وهو ما تحقق بعد تحقيق المصالحة الفلسطينية التي ينتظر أن تتحقق بنودها كاملة وأن تتحمل كافة القوى مسؤولياتها أمام التاريخ وشعبنا ، ليقوى الموقف الفلسطيني بثوابته وينجح الحراك بأهدافه ، حتى ينكسر ويتحطم المخرز الإسرائيلي بأساليبه الملتوية وقناعته الرافضة للحق الفلسطيني .
وقد جاءت لقاءات الرباعية في عمان مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بمحاولة جادة من قبل الشرعية الدولية والطرف الفلسطيني لتذليل الصعاب وللخروج من المأزق التفاوضي الذي صنعته إسرائيل برفضها وقف الاستيطان والاعتراف العملي بمبدأ الدولتين والإذعان للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، والمرافقة وحتى يتحقق السلام العادل المنشود على المرجعية التفاوضية القائمة على جميع القرارات الدولية ذات الصلة .
أما القيادة الفلسطينية التي وافقت على اللقاء رغم الإرهاب الإسرائيلي المتواصل ضد شعبنا ، ورغم المواقف العدائية وغير المسئولة ضد قيادتنا ، ورغم استمرار الركون الإسرائيلي للاستيطان بدل الجنوح للسلام ، فقد جاء موقفها العملي استجابة لنداء وصوت شعبنا التواق للحرية والرافض للعنجهية والإرهاب الإسرائيلي ولسياسة قضم الأرض الإسرائيلية ، واستجابة للرغبة الدولية بتحقيق السلام ولعودة روح التفاوض للعملية السلمية القائمة على الاعتراف بالحقوق المشروعة الكاملة لشعبنا الفلسطيني ، والأهم استجابة لموقف الأشقاء في الأردن ورؤيتهم الحكيمة بضرورة إعطاء الرباعية والعالم الحر فرصة أخرى جديدة لإقناعه بجدية الموقف الفلسطيني الساعي للسلام العادل وبحق شعب فلسطين بإعلان دولته والاعتراف الدولي بها لإشغال مقعدها الفارغ بالأمم المتحدة ، وبعبثية الموقف الإسرائيلي وخطره على الأمن والسلم الدوليين الذي اختار جنون الاستيطان والجدر والأسلاك الشائكة للنجاة كما يعتقد وللتمكن من الأرض الفلسطينية وللاستمرار برفض الحقوق الفلسطينية المشروعة كما يتواقح ويتخيل .
18 / 1 / 2012م
بقلم:عطا الله خيري / السفير الفلسطيني في عمان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت