طبل الإعلام الفلسطيني لاتفاقية المعابر الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل سنة 2005، بل وعدها البعض من الانجازات التاريخية التي حققها الشعب الفلسطيني، ولاسيما أنها جاءت بعد سنوات من التحكم الإسرائيلي المطلق بمعبر رفح، والتي امتدت من سنة 2000 حتى سنة 2005، فترة انتفاضة الأقصى التي تعمد فيها قادة الكيان الصهيوني معاقبة الفلسطينيين في سفرهم ورحيلهم، حتى بلغت الوقاحة بالضابط الإسرائيلي أن يأمر بقدوم حافلة المسافرين من الجانب المصري، وعندما تصل إلى نقطة التفتيش، يأمر برجوعها ثانية دون إبداء الأسباب، ليبات الفلسطينيون لياليهم الطويلة تحت لسع البعوض ولفح البرد القارص، لقد خضع الضابط الفلسطيني والضابط المصري لإرادة المجندة الإسرائيلية التي كانت تحدد زمن فتح المعبر، وعدد الساعات التي يفتح فيها، وتقرر من يسافر، ومن يتم اعتقاله في المعبر!.
جاءت اتفاقية المعابر الموقعة سنة 2005، بمثابة المطر الذي ارتوت منه الأرض العطشى، ولاسيما بعد أن فتحت الطريق للمسافرين من غزة إلى مصر بلا قيود، وبلا إعاقة إسرائيلية مباشرة، وبلا زمن محدد، لقد اختفى الضابط الإسرائيلي نهائياً عن المشهد، واستعاض بالمراقبين الدوليين، وبالكاميرا التي رصدت، ونقلت له دقائق الأحداث على المعبر.
اتفاقية المعابر لسنة 2005 كانت أحقر عمل سياسي فلسطيني؛ لأن التوقيع عليها تم بعد انهزام الجيش الإسرائيلي أمام المقاومين، وبعد تراجعه عن السيطرة على الشريط الحدودي، بما في ذلك معبر رفح! فكيف يجيز لنفسه الفلسطيني أن يوقع على اتفاقية معابر تحفظ بقاء السيطرة الإسرائيلية غير المباشرة، بعد أن عجز الجيش الإسرائيلي عن الوجود المباشرَ!؟
فرح الناس لاتفاقية المعابر الموقعة سنة 2005، ولم ينتبهوا لأجهزة المراقبة الإسرائيلية غير المرئية، ولم يهتموا لوجود المراقبين الدوليين، ولم يتأثروا من دوام سيطرة الإسرائيليين على المعبر إلا بعد أن وقع الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في أسر المقاومة، وقتها صدرت الأوامر الإسرائيلية للمراقبين الدوليين بالانسحاب، وإيقاف عمل المعبر، وربط سفر الفلسطينيين بالأمن الإسرائيلي، ليكتمل مشهد التضييق على حركة المسافرين عبر معبر رفح مع انتهاء التنسيق الأمني في قطاع غزة مع سيطرة حركة حماس سنة 2007.
على مضضٍ تقبل الفلسطينيون في قطاع غزة أن يفتح المصريون لهم المعبر أياماً معدودات، على مضض تقبل الفلسطينيون الإجراءات المصرية، وهم يبدون ارتياحهم لعدم الوجود الإسرائيلي على المعابر سواء أكان مباشراً أو غير مباشر.
اليوم لا يقبل الفلسطينيون من المصريين ما كان سائداً في زمن حسني مبارك، اليوم ينظر الفلسطينيون إلى المصريين بعيون ثوار ميدان التحرير، ويسمعونهم مع صوت المؤذن لصلاة الفجر، اليوم يقيس الفلسطينيون المسافة الفاصلة بين قطاع غزة ومصر العربية بمقاييس صناديق الاقتراع التي عانقت صناديق اقتراع فلسطين.
اليوم لا يقبل الفلسطيني من المصري أن يحدد له ساعات عمل المعبر الوحيد الواصل بين قطاع غزة ومصر، ويطالب أن يظل المعبر مفتوحاً على مدار الساعة مثلما جرى العمل فيه قبل انتفاضة الأقصى، وبعد التوقيع على اتفاقية المعابر، اليوم لا يصح أن ينتظر الفلسطيني أياماً كي يحجز له دوراً للسفر إلى مصر، ولا يصير أن يسجل الفلسطيني اسمه في إحدى الصالات، كي تقله الحافلات مع الفجر من وسط قطاع غزة إلى المعبر الوحيد الواصل بين حياة مليوني فلسطيني وبين العالم الخارجي!.
ما يطلبه الفلسطينيون في زمن الثورة هو أضعاف ما قبلوا فيه في زمن حسني مبارك، وما يطلبه المصريون في زمن الديمقراطية هو قياس مصداقية أي حكومة بمدى اقترابها من قطاع غزة، وأن معبر رفح هو نقطة الوصل بين الثورة المصرية والكرامة العربية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت