يؤسفنا كثيراً أن يصدر حكماً بالقتل على إنسان، لا لشيء سوى أنه وجد نفسه ملزماً من الناحية الأخلاقية على الأقل أن يبدي رأيه في قضية يعتقد أنها من وجهة نظره مهمة لحفظ حقوق الفلسطينيين وحماية أرواحهم، فما كان منه إلا أن عبر عن هذا الرأي في مقال كان قد نشره بعنوان ”الحقيقة الغائبة بين المواطن، المقاومة والحكومة“، كاتب المقال هو محمود أبو رحمة منسق وحدة الاتصال والعلاقات الدولية في مركز الميزان لحقوق الإنسان، الذي تعرض لاعتداء آثم أدى لإصابته بجراح مختلفة في أنحاء جسده على يد ثلاثة أشخاص مسلحين بأدوات حادة.
أبو رحمة وهو يخط سطور المقال اعتقد نفسه أنه يمارس حقاً كفله القانون المحلي والدولي بل وكفلته الشرائع السماوية بما فيها ديننا الإسلامي الحنيف، فهو يعلم كالجميع أن حرية الرأي والتعبير في بعدها الإسلامي كوننا في مجتمع إسلامي تشمل "تمتع الإنسان بكامل حريته في الجهر بالحق، وإسداء النصيحة في كل أمور الدين والدنيا، فيما يحقق نفع المسلمين، ويصون مصالح كل من الفرد والمجتمع، ويحفظ النظام العام، وذلك في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". ولا نعتقد أن أبو رحمة في هذا المقال - لو رجعتم له وتفحصتموه- تجاوز ماهية هذا التعريف ومقاصده، وإن رأي من حاول قتله غير ذلك فهم مخطئون، والإشكالية بهم وفي عقولهم التي تعودت أن تتلقى دون أن تناقش وأن تسلم بالأشياء على إطلاقها ولا يعلمون أن نظرية المعرفة بمجملها نسبية.
يراودنا تساؤل لمن دفعتهم العصبية اللامسؤولة للقيام بهذا الفعل الإجرامي، هل كان ذلك بدافع حرصهم على المواطنين لأنهم يجدون أنفسهم هم فقط الناطقين باسم الشعب الفلسطيني والقيمين عليه لكونهم مثلاً محرريه من نير الاحتلال ومخلصيه من البطالة والفقر والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ووفروا له خدمات صحية وتعليمية وسكنية مناسبة بالإضافة للمياه الكافية والآمنة صحياً وغيره من رغد العيش الذي يحياه المواطنين؟!. أمن هاجم أبو رحمة يجد نفسه أفضل من الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي كان يتيح حرية الرأي والتعبير لأصحابه وينزل عند رأيهم، بل قد يجدوا بأنفسهم أكثر إيماناً وتقوى وأشد حرصاً على المسلمين من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال له رجل "اتق الله يا أمير المؤمنين، فقام له رجل من القوم: فقال له أتقول لأمير المؤمنين اتق الله، فيقول عمر رضي الله عنه: دعه فليقلها لي، نعم ما قال، ثم قال: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم".
إن هذه الفعلة الإجرامية أقل ما يقال عنها أنها آثمة وأن فاعليها استحلوا دم إنسان مسلم بغير حق يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، متفقاً عليه، وما نعتقده أن أبو رحمة ليس من يشملهم هذا الحديث بجواز القتل!!. ولنقل جدلاً - ووفقاً لمفاهيمنا الإسلامية التي تعلمنها من مدرسة إمامنا وقدوتنا رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم - أن أبو رحمة أخطأ هل يكون جزاء ذلك القتل أم الأجر، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر" متفقاً عليه، وهذا ما نعتقده يسري على كل مسلم يجتهد في منفعة المسلمين وفي هذا الإطار يا سادة اعتبروا أبو رحمة أخطأ فله أجر إنشاء الله وإلا كيف تفسروا الأمور؟!. فلا يمكن أن يتفق الناس في كل شيء لأنهم يختلفون في الفهم والثقافة ويختلفون حتى في درجة الإيمان وكل هذه الوجوه تستدعي الاختلاف في الرأي وطريقة التعبير، فالاختلاف في هذه الدنيا من سنة الله في كونه "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (سورة هود آية 118).
ما حملنا على الكتابة هو تلمس الخطر الشديد التي تؤخذ إليه فلسطين، فكفى العبث بها بدواعي الحرص على مصالحها، فهي ليست حكراً على أحد فالكل ضحى من أجلها، ولن ترتقي التضحيات في يوم لدرجة يسمح البعض لنفسه أن يكون أكبر من فلسطين ذاتها ويحلل ويحرّم ويشرّف ويخوّن ويكرّم ويحقّر من يشاء بدواعي المصلحة. ففلسطين الحاضنة للجميع وإن أردنا أن نوفيها جزء ولو بسيط من حقها علينا، يجب أن نحرص بشدة على إعلاء شأنها على ما سواها من الحزبية والفصائلية والسلطوية وبعدها من الممكن أن ننال رضاها. كما نود أن نؤكد أن هذا المقال لايتهم أحداً بقدر ما هو دعوة لأطياف الشعب الفلسطيني كافة إلى لفظ مثل هذه الفئات الإجرامية العابثة بمصلحة الوطن والمواطن، وندعو الفصائل والأحزاب كافة إلى إدانة وشجب مثل هذا العمل الخارج عن أخلاقيات الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، كما ندعو الحكومة إلى ذلك أيضاً وإلى سرعة التحقيق في الحادث والقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت