الانقسام وشركة الكهرباء يغتالان ابن شقيقتي وزوجته/د.ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

 


عبد الحميد الحداد ، هذا الرجل العجوز الذي هاجر مع أبيه من يافا ، إلى مخيم خان يونس ليعاني شظف العيش ، ومرارة اللجوء ، ولاطم أمواج الدنيا العاتية ، حتى منّ الله عليه بابنه (محمد)  الذي شاركه رحلة الشقاء ، محمد ابنه الأكبر كان  ذو ميول فنية ، واستطاع رغم فقر أبيه المدقع أن يلتحق بجامعة الأقصى كليه الفنون الجميلة ، وحصل على بكالوريوس تربية فنية ، وفي عام 2000 التحق بوزارة التربية والتعليم للعمل كمدرس للفنون في مدارس بني سهلية شرق خان يونس ..


 


وبمساعدة أبيه الذي لم يفارق الفخر محياه ،  لأن زهرته قد انبتت معلمًا ،  تزوج محمد من (تحرير أبو دان) وأنجبا طفلين (عبد الحميد8 سنوات  وسلوى9سنوات  ) وبسبب ضيق البيت الكائن في مخيم خان يونس ، ورغم الموت والخطر، صمم المدرس محمد ،  أن يسكن في أبراج حي  النمساوي غرب خان يونس ، وتحمل صوت وخطر زخات الرصاص ،  ليرسم هو ومن رافقه من شباب المخيم أجمل صورة من صور الصمود والتحدي لثكنات الجيش الصهيوني ، وقطعان المستوطنين المتاخمين لأبراج حي النمساوي ، وبعد انسحاب قطعان الكيان من غزة ،  شرع محمد عبد الحميد الحداد وزوجته يرسمان مستقبل أفضل لطفليهما ، ولم يضعا في حسبانهما  ما يخفى لهم الزمن من   انقسام بغيض وتوابعه ، اغتال الزوجين واغتال حلمهما ، وسرق عنوةً البسمة ومعاني الطفولة من طفليهما عبد الحمد وسلوى..


 


محمد كان يحلم ويصرح لي بحلمه ، أن  صفحات الانقسام  ستطوي قريباً ، وستطوى معه تبعاته الثقيلة الأخرى ، وعلى رأسها صفحة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ،  والتي أصبحت مقززة تشمئز منها النفوس ، وتدهورت القيم الإنسانية ، وتحطمت المعنويات والتواصل  والنسيج الاجتماعي في غزة ، بل وتسببت في العديد من الحالات النفسية لدى الأطفال والزهرات ..!


 


 


وفى مساء ليلة الخميس 18-1-2012 تبدأ رحلة ابن شقيقتي محمد وزوجته مع الموت ، زوجته تحرير التي أيضا فجعت قبل أكثر من عام بخطف أنفاق الموت في رفح لشقيقها العريس ، وكان الموت القاهر أصبح ملازما لها ولمن تحب ، فلا بأس  من موتها وموت كل الشعب ليحيا تجار الموت ..!  وفى مساء هذه الليلة المشئومة المصاحبة لانخفاض جوى قبرصي بارد ، ابرد من وجوه الانتهازيين وتجار الموت في بلادنا وعالمنا العربي ، انقطع تيار الكهرباء كالعادة لتنتشر غربان الموت في سماء  خان يونس بلد اللجوء ، وأطفال محمد يرتجفون بردا وخوفًا من الظلام ، فما كان من الأبوين إلا البديل الشعبي ،  وأشعلا موقد المنزل المتواضع،  ووضعوا عليه بضع حطيبات وقليل من الفحم ، وشرع الأبوان ينسجان قصص لإلهاء أطفالهم ، اللذان غالبهم  النعاس في شقتهم الصغيرة المغلقة ، ونام الطفلان ، وغطوا في سبات عميق ، وفى الركن الثاني من البيت الصغير ، غلب على محمد وتحرير النعاس ،  بعد أن أزاحا الموقد من جوار الأطفال ، وقرباه باتجاههما بعد انتظارهم  الطويل ، عسى أن يحن عليهم موزعي شركة الكهرباء في غزة ، ويتجملوا على الفقراء ، بسويعات إضاءة ، لا تغنى ولا تسمن من كهرباء عرجاء لا تسر المنتظرين ..


 


وكانت الفاجعة ، نام محمد وتحرير، لا يعرفان ماذا يخبئ القدر لهم ،وفى الساعة السادسة والنصف  صباحًا – كالعادة – استيقظ العصفوران من نومها ليوقظا أبويهما لإعداد وجبه الفطور ، صرخت الطفلة سلوى ( أمي – أمي ردى عليّ يا أمي ، ثم تحولت إلى الأب وكررت النداء ، ولكن لاحياه لمن تنادى ، لان الموت قد سبقهما ومات الأبوين اختناقاً من غاز أول أكسيد الكربون المنبعث من الفحم ..


 


وبعد إجراءات وترتيبات دفن المغتالين  قصرًا (محمد وزوجته تحرير)  ، في مقبرة لا تبعد عن بيته أمتار ، ليسهل على الأطفال أن يسقوا الورد المغروس على قبر أبويهما . وأمطرت سماء خان يونس بعد انحباس الأمطار عنها حزنًا ليس على محمد وزوجته ، ولا على يتم أطفالهما ، بل على ما آلت إليه أحوال ارض فلسطين الطيبة ، حزنا وغضبا على الانتهازيين الباحثين عن مناصب ورقية وهمية ، والشعب يموت ..!!


 


حزنا على شركة الكهرباء التي تذيل وراء اسمهما كلمة وطنية ، والوطن منها براء ..!!


 


عشرات الحالات قتلت بسبب الانقطاع غير المبرر للكهرباء ، إما خنقا من  الغازات المنبعثة من مولدات  الكهرباء أو موتاً وتشويهاً من  انفجاراتها ، أو بسبب إشعال شمعة لإنارة بيت أو مطبخ ، وما مأساة عائلة برغوث في دير البلح ، وموت الصيدلي والطبيب في النصيرات وخان يونس ، وانفجار المولدات الكهربائية اليومية ،  وحالات الاحتراق للبيوت والمناجر والمتاجر،  إلا صورة بشعة وحية لتلك الجريمة المنظمة التي خلفها الانقسام ، وتبعاته من انقطاع الكهرباء وانعدام الغاز وأخواتها ..!


 


 


والسؤال المطروح لكافة المستوزرين والباحثين عن الحقائب الخاوية لإملاء كروشهم ، ألم تنزلوا للشارع يومًا ، وتسالوا المعوزين الكادحين اللاجئين الصابرين ،  ما رأيهم في انقطاع الكهرباء ؟،  ألم تدركوا أن حججكم الواهية باتت لا تطلى على العوام والطفل والشيخ والمرأة ؟ ، ألم تشعروا أن أكاذيبكم قد انكشفت ، عن أي أسباب سياسية تتحدون ؟  وهذا يحمل ذاك المسئولية  ، وآخر يدوس على جماجم وجثث الثكلى ،  وليموت الشعب ولتبقى أصنامه من اللات والعزي  شامخين ..! ، ويهتف  كما هتف فرسان الجاهلية الأولى ( اعلوا هبل ومناة )


 


تأسيسا لما سبق ، ومن واقع مسئوليتي ككاتب ،  أطالب بدم ابن شقيقتي وزوجته  ، وباسم الآلاف من  الحناجر الغاضبة  من فخامة شركة الكهرباء، ومن يقف ورائها ، بالتعويض عن دم ابن اختى وتيتم أطفاله ، وباسمكم جميعا ابدأ برفع الدعوة فهل انتم معي يا قوم – الكاتب د.ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي  - الأمين العام لمبادرة وفاق لشئون غزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت