أحيانا كثيرة يذهب المرء لحذفه مستسلما لهجوم كاسح من الأمراض العضلة( العضال ) متمنيا الراحة الأبدية فيموت، ويواصل الناس حياتهم على الأرض، وقد يتذكره أولاده وبعض الأصدقاء قليلا ثم يصبح ذكرى تمر بلا ذاكرين.
الأحزاب والحركات السياسية تشبه الإنسان كثيرا عندما تستسلم لهجوم كاسح من الأمراض العضال فتموت، بعد أن يصبح أعضاؤها وقياداييها في حالة شلل، يتفرجون عليها دون ارادة، ودون حراك، حيث أفقدهم تراكم هذه الأمراض الشجاعة والقدرة على المقاومة والدفاع عن حياة حركتهم .
بدأت الأمراض المستعصية تنهش في جسم حركة فتح مبكرا ولكن الجسم كان مازال قويا، وبمرور الوقت دون علاج أصبحت الأمراض مزمنة، وكان بالامكان التعامل معها وتأجيل مضاعفاتها زمنا آخر قد يكون فيه شفاء، ولكن لم يحدث العلاج وأخذ الجسم يشيخ، وضعفت مناعته بتقدم العمر، ووصل الحال إلى تمكن المرض وتقلص فرص امكانية العلاج، وانتقل هذا المرض الأكبر " مرض تحول الحركة لما يشبه الشركة " لكل مكان في جسم الحركة.
المرض الأول: الشركة
قبل سبع سنوات بالتمام حين أصبح عمر الحركة في الأربعين كانت الحركة تطفح بأعراض مرض التحول لشركة، وكانت تظهر بعض أعراضه وتختفي تحت وطأة الأمراض الأخرى التي أخذت تهاجم جسم الحركة من داخلها وخارجها لاحقا.
أول من اكتشف هذا المرض اللعين هو ياسر عرفات ولكن كان المرض أقوى من امكانياته وأولئك القلائل ممن إستشعروا المرض المدمر مبكرا غادروا الحالة حاملين ما خف وزنه من اللقاحات الكاسبة للمناعة.
كان أبو عمار قد اكتشف أن الفتحاويين قد حولوا فتح إلى شركة، وأخذوا يتصارعون لاقتسام رأس مالها دون الالتفات لإصلاح الاعطاب، وحسب قوانين علم إدارة الشركات فإن أي شركة بشكل عام ينتهي عمرها الافتراضي عند سن الأربعين لو لم يقم القائمين عليها يتغيير جذري في أساساتها(حلقاتها) الثلاث، أهدافها، وهيكلياتها، ومنتوجها، مرة واحدة ولا يجوز تغيير حلقة واحدة أو حلقتين فقط، هذا الاصلاح الجدري في الشركات يقابله في علم السياسة والأحزاب، "الثورة الثانية"، وهي ثورة التصحيح.
حاول بعض الصاعدين أن يأخذوا دورهم فى هذه الشركة، ولكن تصدى لهم الخبراء الأوائل والمؤسسين والقدامى ومراكز القوى والمتشاركين دون فهم لتدافع الأجيال والظروف الموضوعية الجديدة التي تحتاج تغيير ولم يرق لهم هذا التغيير المؤلم في مراكز القوة، فتطاحنوا، واختلفوا، فتشللوا، وانعكست تصرفاتهم المتباينة والمتصارعة على ادارتهم ، فذهبت ريحهم، وبدأ الجمهور في مدرجات الحركة يشعر بالاستياء كل حسب فهمه وانحيازه ومصالحه، وكان في ظاهر الأمر أن الخلافات هي على النفوذ، ولكنها حقيقة كانت في العقل الباطن هي ملامح للثورة الثانية ومن يأخذ فتح بطريقته للمستقبل.
المصطلح السياسي المسمى بالثورة الثانية"ثورة التصحيح" لم يكن واضحا في ذهن أحد من المتمردين أو المحافظين ، فنتج المرض العضال الثاني وهو "الصراع على النفوذ" لأخذ الحركة في اتجاه ما.
المرض الثاني: الشللية والصراع على النفود
الصراع على الطريق المبهم الجديد لفتح احتوي كل عناصر الفرقة ومعفناتها، وارتبكت الحالة الفتحاوية، وضاعت ملامح الثورة الثانية وعلاماتها تحت اشتداد الشللية وتناقض قواعد صراعاتها، وهنا ظهرت المعفنات وكشفت بواطنها، بدءا بالعنصرية ومرورا بمصالح الامكانيات والمال، التي تقوي النفوذ ولا تنتهي بالمناطقية بين السادة سكان القمر وسكان الشمس، وحقوق الموظفين القدامى والجدد بالشركة، فتشلل من تشلل وأصبحت الشركة شركات وفروع، وانقسمت فعلا الحركة بعمق يوم أطلقت أول رصاصة من فتحاوي على فتحاوي بعد موت الرئيس عرفات.
المرض الثالث: النكاوة (النكاية)
وفي الأثناء كان المرض الثالث يتشكل في الجسم الفتحاوي وهو "النكاوة" المبني على تصاعد الاحساس بالظلم من بعضهم مقارنة بما حصل عليه الآخرون من أسهم الشركة فحاولوا لفت النظر لحالهم المتذمر بالذهاب بعيدا عن استراتيجية السلام والعودة للحرب نكاية في أصحاب مشروع السلام ومكاسبهم الموقعية التي جلبت لهم امتلاك جزء كبير من القرار وتسابقوا جميعهم في هذه المرحلة للعمل العسكري والانتفاضة لاكتساب الشعبية والاستقواء على بعضهم، والأخطر من ذلك، هو مناظرة ومنافسة حما س التي كانت كامنة كمرض عضال أكبر انتظرت لحظة الانقضاض، وكثفت حماس العمل المسلح النوعي الذي أخذ الجمهور نحوه فأصبح المناصرين من الجمهور يزداد عددهم باطراد لصالح حماس، وتشابه السلاميون مع العسكريين في فتح أو اختلفوا، لا فرق، على ممارسة العنف من جديد خلافا لاستراتيجيتهم التي بنيت عليها السلطة أصلا، ولكن النتيجة كانت واحدة أن المرض الحمساوي في جسم فتح بدأ النخر المكثف باستمرار تصاعد ظاهرة مرض النكاوة الفتحاوية الفتحاوية فخسر الفتحاويون الانتخابات بثلث أصوات النكاية في بعضهم التي ذهبت من الفتحاويين لحماس، كانت الحالة مبنية في ذاك الأوان على خلفية مرضين أكثر معضلة من مرض الشركة الأول كما ذكرنا، وهما المرض الثاني وهو مرض الشللية ليلتحم في لحظة الانتخابات بالمرض الثالث وهو النكاية الفتحاوية الفتحاوية وسرعة انتشار المرض الرابع الحمساوي في جسم فتح الذي توج بالانقسام .
المرض الرابع: البعبع الحمساوي
تواصلت الامراض الأربعة تعمل في الجسم الفتحاوي حتى بعد الانقلاب ليضاف هنا مرض جديد هو البعبع الحمساوي في الضفة الغربية الذي دفع الى تحول أصحاب الشركة الفتحاوية "للدكتاتورية والقمع" الذي واكبه مرض "القمع والسحل" الحمساوي في قطاع غزة للفتحاويين، فكان المرض الخامس الذي مس النسيج المجتمعي بكامله وهو "مرض الكراهية" فارتبكت فتح داخليا وخارجيا وفتح البعض الدفاتر القديمة للتملص من مسئوليات الهزيمة الغزاوية بعد التشلل الجديد القديم، "انتا ابن مين في مصر".
المرض الخامس: الكراهية
كان المؤتمر السادس واضحا فيه الكراهية وكيف أدت الأمراض الخمسة للتحولات غير المنطقية في التعامل الفتحاوي الفتحاوي وبرزت بعده "معضلة الخلافة" التي فاقت الأمراض الخمسة الأولى، رغم أن تلك الأمراض كانت مسببات حقيقية لمعضلة الخلافة وتغيرت فتح كثيرا عن العقد الماضي فأصبح اللعب عالمكشوف، ما شكل فتح الكراهية الجديدة على عقول الفتحاويين الطيبين الذين كانوا يتنازلون لبعضهم من أجل فتح واستشرست الحالة في الوقت الذي لازالت كل الأمراض السابقة تنهش في جسم فتح ولكن الواقع تغير اقليميا وفقدت فتح عناصر هامة في تماسكها وهي مشرفة على معركة انتخابات كما يقال هي معركة كسر عظم.
كل هذا ولم تقم الثورة الثانية في فتح، ولازالوا يستخدمون الطب البديل الذي لا ينفع في حالة فتح بالمطلق وتكاد الظروف تشير الى صعوبة أو انعدام فرصة الثورة الثانية التي دعا اليها تروتسكي قبل ثمانية قرون حين طارده ستالين حتى دبر اغتياله في أمريكا اللاتينية لأنه كان يدعو للثورة الثانية لتصحيح الثورة الأولى.
ملاحظة:الثورة الثانية لتروتسكي كانت للاصلاح وتصحيح مسار الثورة الشيوعية الكبرى التي انتهت وانهارت بالمؤكد لعدم القيام بالثورة الثانية رغم ما حققه ستالين من انجازات حتى جاء جورباتشيف ويلتسين لمحاولة الاصلاح ولكن وقت الاصلاح كان قد فات وتكاثرت الأمراض، وانهارت الثورة عند أول محاولة للاصلاح حيث مر زمنا طويلا شاخت فيه الثورة، وتصارع قادتها على الخلافة وتغيرت مفاهيم كثيرة، وحلت بالعالم تغيرات أكبر وأوسع من ثورة تآكلت فيها إمكانية النهوض والتصحيح وانحرف قادتها.
ملاحظة هامة: الثورة الثانية المطلوبة لفتح هي للعلاج الشافي من الأمراض الخمسة ومعضلة الخلافة/ فهل باستطاعة الفتحاويين ذلك؟ والجواب موجه لستالين طبعا. هناك شك كبير في النجاح.
20/1/2012م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت