فشلت الجبهتان فهل تنجح الحركتان ؟/ د.امديرس القادري

 


سيظل التاريخ شاهدا وحكما على كل ما تم تسطيره في صفحاته الماضية التي يتكون منها ، فهذا هو الفارق الأساسي الذي يفصل بينه وبين ما يجري في الحاضر والزمن الراهن ، فوقائع التاريخ تبقى دامغة وراسخة و لا مجال أبدا لتغييرها ،، وكل المحاولات الرامية إلى تزويرها لا تحصد سوى الفشل ،  و هذا ما جعل  المؤرخين يجمعون على حقيقة أن التاريخ لا يرحم ، فغالبية الأحداث الجسام تصبح ملكا لهذا التاريخ بمجرد اجتيازها لبواباته الواسعة والعريضة ، وهذا ما يجب الإقرار به والتسليم له لمن يبحث عن الدروس والعبر التي يمتاز بها التاريخ وحده عندما يقارن بينه وبين الأحداث الجارية داخل عوامل الزمن الأخرى .


 


التاريخ الفلسطيني حافل بطبيعة الحال ، وحتى لا نغرق في بحوره الواسعة فإن ما نريد استرجاعه والتوقف أمامه له علاقة بذلك الفشل المزمن الذي وقعت به الثورة الفلسطينية المعاصرة ومن خلال ممثلها الشرعي والوحيد منظمة التحرير على صعيد تحقيق الوحدة الوطنية بين مختلف فصائلها التي انضوت تحت لوائها ورايتها ، ومن هنا ننطلق إلى الجزئية المتفرعة من هذه الوحدة والمتعلقة بتجارب الإندماج و التوحد بين الفصائل التي كانت تتطابق وتلاقى في الخلفية الأيديولوجية والفكرية وهذا ما نسعى للبناء عليه من خلال الفكرة التي نريد تقديمها عبر هذا المقال .


 


ما هو مدون في بطون التاريخ يؤكد على أن الجبهتان الشعبية والديمقراطية وهما الفصيلان الأصيلان في هذه الثورة ومنظمتها قد تقاطعا واشتركا كثيرا في تبني الفكر الماركسي - اللينيني كأساس ومرجعية لكل الشؤون الداخلية والخارجية التي كانت تقوم عليها نضالاتهم وسياساتهم ومواقفهم إزاء كل صغيرة وكبيرة ، ومن هنا وعلى هذه الأرضية ، وخصوصا عند الذين عايشوا هذه التنظيمات فإن العديد منهم لا يزال يتذكر عدد المحاولات التي أثارت غبارها و عجيجها هاتان الجبهتان من أجل هذه الغاية ، والتي وللأسف كانت كلها وبلا إستثناء  تنتهي بالفشل الذريع .


 


لقد حاول الأمناء العامون في هذين التنظيمين ، والمكاتب السياسية ، واللجان المركزية ، ومن خلال اللجان الثنائية التوصل إلى صيغة مشتركة تجمع بينهما ولكن هيهات أن يتحقق هذا الهدف ، فالإصطدام بصخرة التقاسم و المحاصصة والتوزيع كان دائما يعيق ويؤجل رؤية راية الوحدة مرتفعة فوق أسطح مقرات و مكاتب الطرفين ، وظلت  الأعذار والمبررات تملأ صفحات البيانات حتى ماتت الفكرة ، ويبست جذورها وتحولت إلى قصة يملكها التاريخ لمن يريد الإطلاع على المزيد من حواديثها وتفاصيلها ، وهكذا ظل الفصيلان كل في حال سبيله وسائرا على الدرب الذي يراه مناسبا لبرنامجه .


 


الأخبار القادمة من الوطن الفلسطيني حملت لنا بالأمس تصريحات ساخنة وطازجة صادرة عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي وعلى لسان مسؤولين كبار في هاتين الحركتين ، مفادها أن الحركتين قررتا الدخول في حوار معمق لتحقيق الوحدة الإندماجية التي يرى الطرفان أنها واجب شرعي وضرورة وطنية ، وبالتالي ، فإن وحدةالحركات الإسلامية باتت ضرورة لإستقبال نهضة الشعوب الثائرة في إطار هذا الربيع العربي والذي لا بد أن يصل قطاره في يوم من الأيام إلى فلسطين المحتلة ، وهذا يتطلب أن تستعد هذه الحركات الإسلامية لاستقباله وهي موحدة وجامعة لكلمتها وقلبها وعقلها ، وخير ما يمكن تقديمه للشعب الفلسطيني هو الوحدة التي تبقى هدفا ساميا يتمنى ويطمح الجميع في الوصول إليه .


 


وعليه ، فإذا كانت قد فشلت في الماضي الجبهتان الشعبية والديمقراطية ، فهل ستنجح اليوم حركتي حماس والجهاد الإسلامي ؟ نرجو ذلك ، وسنعتبر ولادة هذه الوحدة إن كتب لها أن ترى النور بمثابة شمعة تضيء الطريق أمام وحدة كل الفصائل ، والحركات ، والأحزاب الفلسطينية ، فهذا كفيل بأن يفتح أوسع الأبواب أمام ولادة وحدة وطنية فلسطينية شاملة وقائمة على أساس النضال المشترك والذي لا بد أن تحميه وتصونه الأداة الواحدة القائمة على برنامج فيه من الحد الأدنى ما يمكنه من المحافظة على ثوابت ومقدسات هذه القضية من كل المخاطر التي تتهددها .


 


و إذا كانت الماركسية اللينينية لم تنجح في الجمع بين الجبهتين ، فهل سينجح الإسلام الذي يجمع ما بين حماس و الجهاد في إزالة الخطوط الحمراء ، والحواجز ، والعوائق ، والتباينات ، والتعدد في الرؤية والموقف ؟ أعتقد إن حصل ذلك فإن التاريخ سوف يسامح الذين فشلوا في الماضي وسيفتح ذراعيه لإحتضان المحاولات التي قد تنجح في الوقت الراهن ، فلكل الداعين للوحدة بإخلاص لهم منا خالص الدعاء بالتوفيق في ما هم ماضون إليه ، فسعادة فلسطين لا يمكن وصفها وهي ترى فصائلها تتوحد مع بعضها البعض ، اللهم فرجك يا كريم !.


د.امديرس القادري

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت