قرأت لكم/سعيد المسحال

كتابان قرأتهما مؤخراً يكملان بعضهما، ويرسمان صورة جلية للحالة الكارثية التي تجتاح العالم بشكل عام والوطن العربي بوجه خاص، كما يوضحان بجلاء النوايا الشريرة التي بُنيت عليها سياسات الغرب تجاه الوطن العربي بشكل عام والدول المحيطة أو القريبة من فلسطين بشكل خاص، تلك السياسات التي نمت عبر السنين منذ بداية القرن الماضي وبرسمها لكل الغرب خمسة قوى متشابكة هي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والصهيونية العالمية والماسونية العالمية, وطبعاً تجر خلفها قافلة الدول الغربية، أو التي من أصول غربيه مثل: كندا و أستراليا وغيرهما.   


 


 


 


ومما يسهل المؤامرات على هذه المنطقة ويجعلها في معظم الأحيان تنجح وتتمادى هو الاشتباك المستمر بين أهل هذه المنطقة على مستوى الدول والقبائل والملوك والرؤساء وأصحاب المطامح الدنيئة وأصحاب العقول المنحرفة نحو الشرق أو نحو الغرب أو نحو الكراسي والجيوب والمظاهر الزائفة مما جعل من هذه المنطقة لقمة بل لقماً سائغة لكل من يطلبها!! ويتلذذ بأكلها!!


 


 


 


الكتاب الأول ألفه الصحافي الأمريكي "Craig unger"(جريج أنغر) وصدر عام 2007 باسم "سقوط آل بوش" أو" أوهام المحافظين الجدد وحرب مَجِدُّو الأمريكية"


 


 The fall of the House of Bush


 


The delusions ofthe Neo_ Conservatives


 


And war of The American Armageddon


 


لا يعنينا سقوط بوش ولا أوهام المحافظين الجدد المتهودين من أصول بروتستانتية، ولكن يهمنا ويجب أن تهمنا اللعبة الدولية التي ينجم عنها ضياع حقوقنا في فلسطين وفي الخليج العربي وفي العراق وسوريا والأردن ومصر ولبنان فحقوق أهل هذه المنطقة الضائعة أو المضيعة كثيرة ومتشعبة وخطيرة على شعوبها وعلى بقاءها.  


 


منها الحق في العيش الكريم, ومنها الحق في حرية الفكر والاستقلال وحرية الحياة، ومنها حق المواطن في أموال بلاده الضائعة والمبعثرة، ومنها حقه في التعليم الحديث، وكذلك حقه في العمل والصحة والكرامة والرفاهية والأمن، عداك عن الحقوق الفلسطينية في الأرض والوطن والعودة وتقرير المصير والأمن والحرية والعدالة والبقاء على أرضه.  


 


 


 


الزمرة الغربية وخاصة على مستوى الحكومات والأحزاب المسيطرة والجماعات الدينية يستنكرون كل هذه المطالب والحقوق ويعتقدون أن اللعب والعبث بنا شعوباً وحقوقاً وأرضاً هو حق لهم وجزء من استراتيجيتهم لاستمرار رفاهيتهم هم وأمنهم هم ورفاهية شملت إسرائيل وأمنها المطلق داخل أية حدود تقررها من آن لأخر حتى لو ضمت كل ما بين النيل والفرات وبين الأناضول وتركيا إلى خيبر والمدينة المنورة.


 


 


 


 والكتاب الثاني من تأليف الصحفي البريطاني الشهير "ديفدغاردنر David Gardner" المتخصص في شئون الشرق الأوسط بعنوان "الفرصة الأخيرة - الشرق الأوسط في الميزان" صدر عام 2009م.


 


الكتابان ليسا موجهان للقارئ العربي، فالكاتبان بلا شك لا يعتقدان أن العرب يقرأون مثل هذه الكتب، وقد علق "جون سنو" وهو صحفي أيضاً على كتاب غاردنر قائلاً "هذا الكتاب يجب أن يقرأه ويحمله في حقيبته كل أمريكي مرتبط بقضايا الشرق الأوسط"  


 


وكتب باتريك سيل الصحفي الشهير أيضاً يقول "هذا الكتاب يجب على كل مهتم بهذه المنطقة المشتعلة والعكرة المياه أن يقرأه بإمعان"


 


أما "جاراث إفانز" وزير خارجية أستراليا السابق فقد قال " هذا الكتاب يريد أن يقول "يكفي عبثاً في الشرق الأوسط، ويكفي إهمالاً للشعوب والتعامل فقط مع الحكام الدكتاتوريين الذين نحن عيناهم في مناصبهم".


 


 


 


طبعاً أنا لن استطيع تلخيص الكتابين في مقال قصير مهما طال ولكنني فقط أريد أن أذكر أخوتي وأبنائي ببعض حقائق "الوكسة" التي نعيشها خلف جدران هذا الزمن الذي نعيش في جواره (وراء جدران عالية من الجهل والتجهيل) ولكننا في الحقيقة لا نعيش فيه؟!


 


 


 


وبدون ترتيب سأنوه إلى أهم ما قرأته في هذين الكتابين:


 


1.القسيس الإنجيلي ديفيد جيمز كندي يقول "إن المسيح قد أوكل لنا فتح العالم ونحن لن نرضى بأي شيء أقل من ذلك".


 


2.عندما قرر جورج بوش (الابن) غزو العراق سأله أحد مستشاريه لماذا لا تستشير والدك قبل الأقدام على هذه المغامرة فقال بوش "لماذا تريدني أن أستشير إنساناً مثلي وأنا قد استشرت الرب".


 


3.  اليهود الأرثوذكسيين والمسيحيون الانجيليين البروتستانت يرون قيام إسرائيل على كامل أرض الميعاد الإبراهيمي (يعني وعد الله لإبراهيم) شيء لا يمكن التهاون فيه ويجب عدم عودة أي شبر من الأراضي التي احتلتها إسرائيل حتى الآن أو في المستقبل, ومن ثم فإن محاربة وعرقلة أوسلو وكل المحاولات القائمة على مبدأ "الأرض مقابل السلام" هو أمر محتوم ولا رجعة فيه ولا مكان للتهاون في رفضه.  


 


 


 


4.  الذين يعرفون قصة نيكسون (الرئيس الأمريكي الذي كان في البيت الأبيض أثناء حرب 1973م)... وقصة "ووتر جيت""Water Gate التي أدت إلى استقالته لا يعرفون أن الصهيونية كانت وراء ذلك.  لا لأن نيكسون كان معادياً لإسرائيل! ولكن لأنه استمع لأحد معاونيه وهو ينصحه أن يحاول لجم النفوذ الصهيوني في أمريكا، فمجرد السماع لهذه الأمور ممنوع ويستحق العقاب!!


 


 


 


5.  أحد الزعماء البريطانيين ويسمى وليم بلاكستون وهو ليس يهوديا،ً سافر في أغسطس عام 1897م إلى "فينا" ليقنع هرتزل بتبني مسألة إقامة دولة لليهود في فلسطين وقال له ابدأوا وستجدون بريطانيا وأمريكا وكل الدول المسيحية مساندة لكم, وبعد ذلك قام ديفيد لويد جونز رئيس وزراء بريطانيا بالتنسيق مع الرئيس الأمريكي ويلسون بالإيعاز للورد بلفور (وزير خارجية بريطانيا آنذاك) أن يصدر الوعد المشئوم المسمى (وعد بلفور) عام 1917م, ومن ثم فإن بلاكستون وزمرته هم الآباء الأوائل المؤسسون للمحافظين الجدد في أمريكا وبريطانيا.


 


 


 


6.  قبل ذلك بعام (في عام 1916م) قام مارك سايكس وفرنسوا بيكو بوضع خطة سايكس/بيكو وكلاهما يتبعان لنفس المدرسة الصهيونية المسيحية الاستعمارية.  


 


 


 


7.في عام 1919م وعلى أطراف مؤتمر فرساي وفي خطاب لبلفور قال ما معناه "لا يهمني بشيء أن أستشير سكان فلسطين, ما يهمني هو نجاح الصهيونية بغض النظر عما سيحيق بالسبعمائة ألف فلسطيني الموجودين هناك"!.  


 


 


 


8.  إنجيلي آخر يدعى " جيمس فالويل " ذُكر كثيراً في خضم مسيرة التاريخ الفلسطيني الحديث قال في خطاب له "إن إرادة الرب قد تحققت عام 1948م و اكتملت عام 1967م".  


 


 


 


9.  عندما قرر الصهاينة والمحافظون الجدد دعم بوش للرئاسة قالوا عنه أنه كاللوح الممسوح نستطيع أن نكتب عليه ما نشاء... وقد حدث فكتبوا عليه كل القرارات التي تم اتخاذها فيما يختص بمنطقة الشرق الأوسط وفيما يختص بأسعار البترول للصرف على مخططاتهم وحروبهم وكذلك لمليء جيوبهم من الأموال المجمعة من رفع سعر برميل البترول من 18 دولاراً إلى أكثر من مائة دولار، وبحسبه بسيطة نرى أنه في العشرة سنوات الماضية تجمع لدول الخليج ما لا يقل عن 2 تريليون دولار أي ألفي مليار دولار كلها ذهبت لجيوب الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين وغيرهم, وكذلك لجيوب أمراء ومشايخ النفط لكي يبعثروا وينشروا الفساد في الأرض (بما كسبت أيدي الناس)!! وأي ناس!


 


 


 


10.             عندما قرر بوش الابن ترشيح نفسه للرئاسة لم يكن بوش الأب راض عن ذلك لأنه يعرف قدرات ابنه, وإنه سيصبح ألعوبة في أيدي الآخرين فأرسل له سراً "صديقه العزيز"! الأمير بندر بن سلطان (سفير السعودية في أمريكا في ذلك الوقت) ليحاول إقناعه بعدم الترشح فذهب بندر وبدل أن يقنعه بعدم الترشيح قال له "إن كنت تريد أن تصبح رئيساً في البيت الأبيض فعليك مصاحبة كل أعداء الديمقراطية في أمريكا وخاصة اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد والواعظين المسيحيين, وأن تخلط القداسة الدينية بالقذارة السياسية هكذا فعل كل السياسيون ولا زالوا كذلك في كل مكان، وطبعاً بندر خبير في مثل هذه الخلطة" وقد أخذ بوش بنصيحة بندر بن سلطان!! وبهذه المناسبة لابد من التنويه عن العلاقات الحميمية والمالية التي كانت متنامية جداً جداً بين بندر وعائلة بوش, وكذلك بين بوش وعائلة بن لادن.


 


 


 


11.             في عام 1998م كانت المعركة محتدمة بين الرئيس كلينتون وبين كل من بنيامين نتنياهو وياسر عرفات! كان كلينتون قد قرر أن ينهي عهده بتحقيق إنهاء للقضية الفلسطينية بتثبيت إسرائيل وخلق دولة ما للفلسطينيين(أي كلام!), فذهب ياسر عرفات ومعه قائمة من المطالب... وذهب نتنياهو وهو مصر على عدم تلبية أي شيء من مطالب عرفات ولا مطالب كلينتون! عرفات ذهب بورقة ... ونتنياهو ذهب  بمخطط رسمه مع اللوبي الصهيوني ومع "فالويل" الواعظ الديني ومع "وليم كريستول" الذي كان يقدم برنامج باسم (هذا الأسبوع) على تلفزيون ABC. فقام فالويل بحملة وعظ ضد الانسحاب من أرض الميعاد وتكفير كل من يدعو لذلك, بينما قام كريستول بنشر فضيحة "مونيكا لوينسكي" التي كان كلينتون يمارس معها كل أنواع النشاطات الجنسية داخل البيت الأبيض, وهكذا انقلبت نوايا كلينتون إلي شر مستطير يحيط به فترك القضية الفلسطينية ليتفرغ للدفاع عن نفسه ورجع ياسر عرفات بورقته وبخفي حنين!! ورجع نتنياهو منتصراً على عرفات وعلى كلينتون!!


 


 


 


12.            عندما نذكر نتنياهو لا يجب أن ننسى الراباي يهودا كوك زعيم "عصبة الأوفياء" أو "غوش إمونيم" التي تتزعم المستوطنين وكذلك مئير كاهانا وحزب كاخ, ومن ثم يجب أن لا ننسى هول النمو الاستيطاني وإعلانهم علانية أن الانسحاب من الضفة أو أي جزء منها هو مجلبه لغضب الرب "يهوه".  وهذا الذي يسميه "البعض منا" مجرد تعصب هو في الواقع السياسة الحقيقية لكل زعماء إسرائيل بلا استثناء منذ بداية الحركة الصهيونية وحتى هذه اللحظة وكذلك في المستقبل وأُذكِّر بمقولة عبد الناصر "ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، وبمقولة اسحق رابين في حديث له مع اللوبي الصهيوني في أمريكا "أنا أريد أن أضعهم تحت يدي (يعني زعماء الثورة الفلسطينية) ولكنني لن أتنازل لهم عن شيء".  


 


 


 


13.             على جناح الأحداث في سوريا وعندما يتردد اسم "برهان غليون" علينا أن نتذكر "أحمد الجلبي"، سُئل أحد زعماء المحافظين الجدد واسمه "ريتشارد بيرل" ذات مرة من هو أحمد الجلبي؟ فقال: هو رجل له ثمن رخيص ومعه في لندن أربعة أو خمسة أصدقاء يلبسون بُدلاً أنيقة ولديهم جهار فاكس وكمبيوتر سنستخدمهم لتدمير صدام حسين وسنسميهم " المجلس الوطني العراقي"! وها نحن نسمع الآن ببرهان غليون والمجلس الوطني السوري!!!.  


 


 


 


14.             بالنسبة للسياسات الأمريكية والألمانية والفرنسية والبريطانية ليس لديهم فيما يختص بإسرائيل أية خيارات سوى تأييد ما تريده إسرائيل والصهيونية العالمية كونها صُنعت لتكون حليفة استراتيجية لهم وملاذ لليهود الذين اضطهدوا على مر الزمن على أيديهم وتلبية للوعد الإلهي.  هذه هي عقيدتهم  واستراتيجيتهم ولن تتغير.  


 


 


 


15.             الثمن الذي يدفعونه في المقابل ثمن زهيد والثمن الذي يقبضونه لا حدود له, فدول الخليج كلها مقتنعة بأن الغرب هو حليفها الاستراتيجي وحكامها مستعدون لدفع كل غال ونفيس للحصول على هذه الحماية ولا يهمهم دين أو عروبة أو جوار.  ومصر أصبحت (على يد السادات ثم مبارك ثم ما يحدث الآن) دولة لا يُهاب جانبها فالغرب ينفذ ما يريد في المنطقة ويدفع لمصر لقمة صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة للشعب، ولكنها تشبع من يحكم ذلك الشعب.       


 


                                


 


16.             القضية الفلسطينية منذ أوسلو وهي في أيدٍ غير أمينة وغير كفؤة ولا تملك رؤية لكيفية إدارة الصراع المحتدم بيننا وبين الصهيونية والاستعمار الغربي من جهة... وبيننا وبين أنفسنا من جهة أخرى... وبين العرب والعرب من جهة ثالثة، وبين المسلمين والعرب من جهة رابعة، وبين المسلمين والمسلمين  من جهة خامسة!!


 


 


 


17.             المعركة الناشبة بين فتح وأعوانها، وبين حماس وأعوانها لا تؤدي إلا إلى الضياع والاهتراء للشعب والقضية وأحقر ما فيها هو اضطرار الأسرى في سجونهم للتدخل وتقديم وثيقة إن دلت على شيء فإنما تدل على نجاح إسرائيل في جرنا إلى أقصى درجات التدني في مطالبنا وهي تعلم مسبقاً أنها لا ترغب في تنفيذ شيء لا مبادرة أوسلو ولا مبادرات عرفات وعباس ولا المبادرات العربية من فاس إلي بيروت، ولا مبادرة الأسرى ولا شيء، فقط هي تقدم لنا "صفراً", صفراً من الأرض وصفراً من الحقوق وصفراً من الاحترام من منطلق بسيط نحن لم ننجح في أي امتحان بل ونُصِرُّ على السقوط, إذن لماذا لا نأخذ صفراً؟!


 


 


 


        ما دامت الورديات لا زالت تتغير من حين إلى حين وما دامت هذه السياسات هي السائدة فإن طريق المستقبل ملئ بالويلات والمآسي والحروب وضياع الحقوق.


 


 


 


وللحديث بقيه لأنني لا أريد أن أصدق أن أمتنا ماتت ولا أريد أن أصدق أن شبابنا لا يقرأون, ولا أريد أن أصدق أن رجالنا سادرون في غيهم تحزموا بدولاراتهم أو بفقرهم وأغلقوا آذانهم وعيونهم وغيبوا عقولهم وخلعوا براقع الحياء وتخلصوا من الضمائر وأصروا واستكبروا استكباراً!!!  


 


 


 


 


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت