قيادة تدعي الألوهية /صلاح حسن الوالي

ظاهرة تأليه الرؤساء وقيادات الأحزاب والمنظمات والجماعات والحركات سواء الدينية أو العلمانية وكذلك الوطنية ، ليس وليد واقعنا السياسي والاجتماعي المرير المفتقر إلى القيادة البشرية الحكيمة فقط ، إنما أيضا نتاج ثقافة وتنشئة غُرست في العقل العربي منذ الصغر ، حيث تتلمذوا عليها من خلال مناهج التعليم وبخاصة كتب التاريخ والإعلام المضلل والقوانين المقولبة وغيرها من وسائل الضغط أو القسر أو التأثير الذي تمارسه الدولة على عقل الأفراد والجماعات من أجل التواطؤ معهم.


 وهذه الظاهرة انتشرت عبر تاريخنا القديم والمعاصر ، حيث في القديم البعيد منذ ألاف السنين يذكر القران الكريم قصة فرعون حين ادعى الألوهية وأعلن أمام الملأ وبصريح العبارة مخاطبا قومه :  " ما علمت لكم من إله غيري" . وتلاه عبر السنين عشرات القادة والسياسيين في مختلف الأقطار العالمية والعربية . ما يذكر القران قصة الفرعون للتسلية حاش لله . إنما ليعلمنا أن النفس البشرية تأمر صاحبها بسوء التفكير سواء زمن فرعون أو الزمن الحاضر فالمرض نفسي جاء القران ليعالجه.


فمن هؤلاء المتألهين ؟ و أين هم؟


أجل إنها الوهلة الأولى التي تتلفت فيها بفكرك يمنة ويسرة باحثا عنهم .


وأدرك تماما انه من غير الممكن ظهور من يدعي الألوهية  بصريحة العبارة ، ولكن من خلال التعرف على سياساتهم وصفاتهم الدكتاتورية الفرعونية ستظهر أمام ذاكرتك عشرات بل مئات القيادات على كافة المستويات بدءا من رؤساء الدول و انتهاءً بقادة الأحزاب والأمناء العاميين ،الذين نتمنى أن يكونوا أمناء على حركاتهم بحق .


وتتصف الدكتاتورية الفرعونية ،بتفرد الحاكم برأيه ، وادعائه امتلاك الحقيقة المطلقة ، وانه يدعو الناس للهداية وسبيل الرشاد ، حيث يقول القران الكريم على لسان فرعون : " مَآ أُرِيكُمْ إِلاّ مَآ أَرَىَ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرّشَادِ" ويمارسوا قادتنا المتفرعنين ، هذه السياسة باستمرار حتى تقع في النفوس موقع الحقيقة والأمر الطبيعي (كذبوا الكذبة وصدقوها و صدقناهم ) وقتها يرى الحكام أن تلك الأكاذيب التي يمارسوها علينا من البديهيات من وجهة نظره ، والغريب المتوقع أن المواطنين يصبحوا بعد فترة من الزمن أقلاما وألسنة ووسائل مسلمة ببديهيات كل إله جديد ، وهذا كله بالطبع نتاج التعليم والتلفزيون الرسمي الممنهج بالدرجة الأولى والمصالح والمكاسب المالية بالدرجة الثانية.


وبذلك يكون المواطنين وبخاصة أبناء الحركات والأحزاب آلات تسجيل أشبه بالببغاوات ، تتكلم بما تسمع ولا تسمع إلا من مصادرها الخاص سواء اله الدولة أو راديو الدولة أو فضائية الدولة وقس على ذلك الأحزاب والجماعات والحركات في هذه الدول.


وقتها يصبح القائد مقدسًا قولًا وفعلًا حتى لو اعتقل وعذب وقتل وذبح أبناء شعبه ،يبقى مبرر الفعل ويقوم بواجبه اتجاه دينه ووطنه من وجه نظره ونظر مواليه.


ولا يقف الأمر عند الحاكم الفردي إنما كذلك الحزب يصبح مقدسًا والانتماء إليه فرض وواجب ،ومنْ خارج القدسية الحزبية ينعت بأبشع النعوت فإما كافرا أو فاسقا أو مرتدا ، في حالة الأحزاب الدينية و خائناً جاهلاً في حالة الأحزاب الأخرى ، فلا مجال للاختلاف ولا فرصة لوجهة نظر هنا أو هناك داخل الأحزاب الدكتاتورية الفرعونية إنما سمعاً وطاعةً عمياء تغيب منها التفكير والبصيرة.


وتمتاز الدكتاتورية الفرعونية أيضًا بممارستها لسياسة فرق تسد ، كيف لا والقران يحدثنا عن نموذج الدكتاتورية فرعون :"وجعل أهلها شيعا". أي متفرقين. إنه وغيره يحبوا أن يروا كل واحد اثنين.  لقد أصبحت هذه السياسة من طباعهم  تلك السياسة التي تسهل عليهم التهام المتفرقين واحدا تلو الأخر.


والغريب أن سياسة الدكتاتورية الفرعونية يحذر من عواقبها القران وتجدها  تمارس على امة القران ، وبأيدي حاملي القران ، فلا عدلا ولا إنصافا ولا شورى ولا مشاركة سياسية ولا اجتماعية ، بل تعذيب وإكراه واضطهاد وغاية تبرر وسيلة وأسماء حكومات إسلامية ربانية شكلية دون جوهر رباني . وبتلك السياسة الدكتاتورية الفرعونية جنينا ثمار المر فسلط الله علينا عدو لا يرحمنا.


وقتها اغتصبت ارض فلسطين واحتلت العراق وأفغانستان واستبيحت ديار العرب ودماء المسلمين ، وقتل البشر ، ودمر الحجر ، واقتلع الشجر ، وما عاد لنا هامة ترفع.


أمام هذه المقاربة التي جمعت بين نموذج المتفرعنين ونموج واقعنا العربي والإسلامي المرير، لا يسعني في هذا المقام إلا أن نبحث عن مخلص يخلصنا من نير الظلم المحمول على أكتافنا.


فإن جاء النبي موسى عليه السلام ليخلص بني إسرائيل من الإله فرعون وإن جاء النبي محمد عليه الصلاة والسلام ليخلص العرب من عبادة الأصنام التي يتقربوا بها إلى الله ، فمن ذا الذي سيحرر عقولنا من إعلامنا المضلل وقيادتنا المتأهلة التي تفتقر إلى معنى القيادة الحقيقي ؟؟؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت