هل سمعت أيها العربي عن المشروع الوطني؟ وهل تعلم أن القضية الفلسطينية قد صارت مشروعاً، نعم؛ هكذا، وبكل وعي وإدراك لخطورة التسمية، يصر بعض المسئولين الفلسطينيين على وصف ضياع فلسطين بأنه مشروع، ولكنهم أضفوا عليه بريقاً لفظياً، حين ألحقوا بالمشروع لفظة "وطني" فصار اغتصاب أرض فلسطين، وتشريد الملايين لاجئين، وصارت القضية الفلسطينية المقدسة: تندرج تحت مسمى "المشروع الوطني".
مشروع! يا للعجب، يتفاخر المسئولون الفلسطينيون بأنهم أصحاب مشروع، وأنهم يعملون لإنجاح المشروع، وأنه يتفاوضون من أجل ضمان سلامة المشروع، حتى صارت دماء ألاف الشهداء، وعذابات عشرات آلاف الأسرى والجرحى؛ صار كل ذلك زيتاً لتشحيم عجلات المشروع، ليقف القائد الفلسطيني الملهم يقول: سحقاً للمقاومة المسلحة لأنها ضد مشروعنا، وبقاء الانقسام يضعف مشروعنا، والتعنت الإسرائيلي أضر بمشروعنا، والربيع العربي لا يخدم مشروعنا، وسقوط حزب "كايدما" في الانتخابات الإسرائيلية لم يكن في صالح مشروعنا!.
مشروع! لم يعد الحديث السياسي الفلسطيني يدور عن تحرير فلسطين، ولا عن تدمير دولة الغاصبين، ولا عن استرداد الأرض المحتلة، واختصر السياسيون الفلسطينيون طموحات شعب وتضحياته في لفظة "المشروع" الذي قد يكتب له النجاح، وقد يتبعثر هباء منثوراً.
لا تنسى أيها الفلسطيني أن لكل مشروع مستثمراً، ومجلس إدارة، ورئيساً، ولكل مشروع مقاولاً؛ يقوم بالعمل وفق حسابات الربح والخسارة، ولكل مشروع فنيين ومهندسين وعمال تنفيذيين، ومثلما لكل مشروع بداية، فإن له نهاية، سيتم بموجبها تسليم المشروع إلى الجهة الممولة والمانحة، ليبدأ طاقم العمل في البحث عن مشروع آخر، أكان وطنياً أو ربحياً.
سارع أيها الفلسطيني إلى تأسيس مشروعك الوطني، فهو أكثر المشاريع إدراراً للمال، واحرص يا صاح على أن يظل مشروعك الوطني قائماً، ولا ينتهي، كي تضمن تواصل تدفق المال إلى رصيدك، وأكثر من الشعارات البراقة الخلابة، وتجمد عن فعل أي شيء، واترك حسابك يتوسع في البنوك بمقدار توسع المستوطنات الإسرائيلية، ولا تنس أن تلقي قصيدة مديح وافتخار للأسرى خلف القضبان، كي تضمن حرية التنقل على الحواجز الإسرائيلية، وانتبه إلى أهمية الدمعة، وحاول جاهداً أن تذرفها على روح الشهيد، كي تضمن المزيد من التصفيق والتأييد، وفي النهاية، تعلم فن الاستثمار في صناعة الشعار.
إليك أيها الفلسطيني فقرة من مقال الوزير السابق الدكتور سفيان أبو زايدة، المنشور في يناير 2012، تحت عنوان "استعداد فتح للانتخابات واختبار دحلان" يقول: "لو تم فحص حسابات البعض من قيادات السلطة، والوصول إلى ما لديهم من أموال وعقار ربما سيحدث اهتزاز في سعر الدولار؟
فمن أين لهم كل هذا؟ وكيف جمعوه؟ وأي مشروع استثماري أو احتكاري أو استعماري يمكن أن يصب مالاً في جيوب المسئولين مثل المشروع الوطني؟ ويا ألف سلامة على الدولار الأمريكي من الاهتزاز، ليته يبقى قوياً كي يهنأ أصحاب المشروع، طالما اختار البعض من الشعب الفلسطيني طريق الصمت حتى فضلة الراتب في آخر الشهر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت