وجهة نظر .. واقع المرأة الراهن/ عباس الجمعة

 


تعيش المرأة العربية والفلسطينية حالة اغتراب وجودي يتسم بطابع العمق والشمول، ويأخذ هذا الاغتراب أنماطا استلابية متعددة في مختلف تجلياته الاجتماعية ويرتسم في صورة إكراهات رمزية تتصف بطابع الديمومة والاستمرار.


فعلى الرغم من التقدم الكبير في تعليم المرأة ووصولها إلى مواقع متقدمة في العمل وإدارة المجتمع ، فإن ذلك لا يعبر في جوهره عن تحرر حقيقي لأن المرأة العربية ما زالت سجينة منظومات مغلقة من القيم والعقليات والذهنيات والعادات والتقاليد والفتاوى والممارسات التي تضعها في أقفاص القهر والعبودية.


إن وصول طليعة من النساء إلى قبة البرلمان وإلى حقائب وزارية وإلى مقاعد الجامعة لا يعني أن المرأة قد حققت بعض تقدمها الإنساني وأنها أصبحت على قدم المساواة مع الرجل.


برزت إمكانية أمام المرأة للحصول على الكثير من حقوقها وتحسين دورها ومساواتها بالرجل , بعد ان عانت من مرارة الحرمان باعتبارها نصف المجتمع من حيث القيمة الحقيقية للمجتمع , فالمجتمع من دون دور المرأة وفعلها وفكرها وعملها ومكانتها وتأثيرها يفقد  نصف قيمته الأساسية والحقيقية وتتوقف عملية إعادة الإنتاج.


 فالمجتمع من دون دور المرأة يصبح بائساً ً بكل معنى الكلمة ,  وحتى في تلك الدول التي منحت المرأة بعض حقوقها , لا تزال المرأة مسلوبة الإرادة وخاضعة للتقاليد والعادات البالية المناهضة للمرأة ودورها في الحياة العامة.


إن ما رأيته من خلال بعض البرامج التي تبثها القنوات الفضائية عن عمل المرأة انما يؤكد ان المرأة تواجه عقلية مستحكمة من مخلفات الماضي البعيد ، فكيف نتحدث عن دور المرأة في المجتمع ونرى ان البعض من الرجال ما زال يحمل ترسبات الماضي القديم والراهن أيضاً والتي تتواطأ على حقوق وحريات المرأة بشكل مباشر وغير مباشر.


نحن بحاجة إلى أن تلعب المرأة العربية والفلسطينية دوراً أكبر مما لعبته حتى الآن من أجل أن تأخذ مكانتها  وتتجاوز حدود الحزبية الضيقة بحيث تشترك في النضال السياسي والاجتماعي والانتاجي وان تأخذ حريتها.


ومن هنا نحن بحاجة إلى مبادرة تتكون  اتجاهات فكرية متعددة , يفترض فيها أن تتفق في ما بينها على وحدة النضال المشترك في سبيل حقوق المرأة ومساواتها التامة بالرجل, وبذلك يمكن للمرأة أن تلعب دورها على كافة المستويات وليس فقط على مستوى الاتحاد العام للمرأة , إذ أن حقوق المرأة لا تعطى من جانب الرجل بأي حال , بل سيبقى الرجل يتشبث بحقوقه الإضافية على المرأة ومصادرة حقوقها وفرض هيمنته التامة عليها ويرفض القبول بها على قدم المساواة معه , ان هذا الواقع المُر الذي تعاني منه المرأة من ممارسة أساليب العنف والقسوة، ولهذا , لا بد للمرأة أن تنتزع تلك الحقوق من اجل حريتها ومساواتها بالرجل تشريعاً وممارسة في  الثورة الاجتماعية التي نحتاجها في ظل حركة التغيير الحاصلة وخاصة بعد قيام الثورات العربية التي كان للمرأة دورها الاساسي  , إذ لا يمكن أن يتقدم المجتمع ويتطور حضارياً اذ لم يتم مساواة الرجل بالمرأة  .


 ان دور المرأة الفلسطينية على مدى قرن من الزمن ودورها في صنع جيل قادر على أن يؤدي رسالة عظيمة في بلدنا فلسطين رغم ظروف القهر والاحتلال الذي لا زال يربض على أرضنا ويمعن في الاستيلاء على هذه الأرض بكل الوسائل غير الشرعية.


 


ولهذا نرى  إن حال المرأة الفلسطينية كحال المرأة العربية إلى حد ما، إلا أن مسألة تحررها من رواسب وموروثات المجتمع القديم لا تزال في بداياتها، والنظرة التي تتكرس حولها هي النظرة التقليدية وملحقة بالرجال ،وان وظيفتها الأساسية هي القيام بواجبات الزوج في البيت والقليل جداً من استطعن تخطي مثل هذه الخطوط خاصة في الفترة التي سبقت الثورة الفلسطينية، وانه حتى يتم تحرير المرأة لا بد من تحرير معتقدات الرجل حتى يتاح لها الحيز الكافي لتتحرك عبر تقاليد المجتمع وتكسرها . لكن تحرر المجتمع من ألوان الاضطهاد و الاستغلال ليس بالأمر السهل، ولن يكون إلا بثورة اجتماعية شاملة، ولتحقيق ذلك لابد من شوط نضالي تشارك به المرأة والرجل، جنباً إلى جنب.


ومن هنا علينا عدم الاستهتار بالافعال  المشينة التي تحصل خارج عن قيم الانسانية والعدالة، بحق المرأة على خلفية ما يسمى (قضايا الشرف) وهذا يتطلب إنزال اشد العقوبات بحق مرتكبي الجرم، ليكونوا عبرة لكل من يحاول الاعتداء على حق المرأة في الحياة.


إن انتهاك حقوق الانسان ضد المرأة الفلسطينية واستباحتها، وانتهاك سيادة القانون يهدد النسيج الاجتماعي المجتمعات  ويلقي به نحو الجهل والانغلاق، وخاصة إن المجتمع الفلسطيني الذي لعبت فيه المرأة دوراً تاريخياً وحيوياً لا يتخذ نموذجاً تلك المجتمعات المتخلفة التي تقصي النساء وتنظر إليهن بفوقية واستحواذ،وهذا يتطلب من كافة المعنيين اصدار القوانين اللازمة حول قتل النساء على خلفية ما يسمى بشرف العائلة ، واتخاذ اجراءات حاسمة لمنع الحماية التي يتمتع بها مرتكبي جرائم العنف ضد النساء، وضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب.


 


إن مسالة تحرير المرأة ليست مسألة فردية نسوية محضة بل تشير إلى مسألة هامة متعلقة بأهمية الثورة التي اشتركت بها المرأة سواء كانت فلاحة، عاملة أو برجوازية ، ومشاركة المرأة في النضال والمساهمة في الخلاص من الاضطهاد، حيث تثير المسالة في ذات المرأة على أنها تسعى إلى الخلاص من اضطهاد المجتمع في خضم المقاومة، بالإضافة إلى مساعيها للخلاص من الاضطهاد الاقتصادي والعمل المأجور، وحيث أن النضال تزداد قيمته إذا كان نضالاً مشتركاً مع الرجل رفيقها في المقاومة والذي بدوره هو الآخر مضطهد من الاحتلال والاقتصاد والعمل المأجور.


وعلى هذه الأرضية ضربت المرأة الفلسطينية أروع الأمثلة في البطولة والصمود ومعاني المقاومة في لوحة صبر غير عادية استمدتها من إيمانها بحقها والقيام بواجبها الذي تراجع عنه حتى بعض من تسموا بالرجال، حيث قدمت الاخ والاخت والزوج والاب شهداء فداء لفلسطين. 


 


تكتسب تجربة الحركة النسوية الأسيرة صفة مميزة وإن تشابكت في تجربتها مع مجمل التجربة الجماعية للأسرى، فهي أكثر ألماً ومعاناة وتحمل في خصوصيتها مدى النضج الوطني في المجتمع الفلسطيني حيث تشارك المرأة بدورها النضالي إلى جانب الرجل في مقاومة الاحتلال.


 


إن تغييب حرية وحقوق المرأة هو تغييب لحرية وحقوق المجتمع بكل معنى الكلمة , وهو تجاوز على حقوق الإنسان، وبكلمة صريحة لا يمكن اعتبار أي مجتمع حر ومتحرر حين يضطهد ويصادر حقوق المرأة،  وكم كان صحيحاً ذلك القول الجميل المنسوب إلى الصحابي والخليفة الثاني عمر بن الخطاب حين قال متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارا, والناس هنا لا تعني الرجال فقط , بل تعني النساء والرجال معاً،  فهل يعي المؤمنون مضمون هذا القول ويتخلون عن الفتاوى التي تقود إلى خنق المرأة في البيت والمطبخ وتحت العباءة.


 


ان المناهض لحرية وحقوق المرأة كاملة غير منقوصة , يستحيل تحقيق اهداف اي شعب يناضل من اجل حريته ، وهذا يتطلب من كافة  القوى الديمقراطية والتقدمية إلى تعبئة المزيد من النساء للمطالبة بحقوقهن وتقديم الاحتجاجات ضد معاناتهن , كما يفترض أن تجري تعبئة الرأي العام او المنظمات النسائية بالوقوف الى جانب حقوق المرأة وحل مشكلاتها وانتزاع حقوقها وتأمين مساواتها بالرجل.


 


اما بخصوص تعلق المرأة  في المسلسلات التركية المدبلجة ، إلى درجة تقليد طريقتهم بالكلام الآن أصبح كل شاب يشبه نفسه بشخص يمثل في المسلسل حتى ينال إعجاب الفتيات وأصبح الجميع بقصة الشعر نفسها و نمط الملابس نفسه و بدأنا نسمع بحوادث الطلاق و الخلافات بين الأزواج .


 


ومن هنا وللاسف نجد التعاطف الكبير من قبل شارعنا على بعض المسلسلات التركية ،والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، لما تعاطف مشاهدنا مع هذه المسلسلات  على الرغم من كل الأصوات التي تنادي في الآونة الأخيرة لإعادة النظر في ذلك  ولكن لا نلحظ آذاناً صاغية لها ، ولكن بكل تأكيد كل ذلك يجري ضمن رؤية الواقع المنزلي ، إذا كان الفن ينتمي الى ثقافة الواعي الذي يحاول بواسطته الإنسان أن يسيطر على الواقع المحيط به وليس إلى مجرد وسيلة لأي شيء آخر.


 


لذلك كل واحد فينا له نفس تواقة لأعمال فنية راقية ومتكاملة من حيث الكلمة الهادفة والصور النابعة من الواقع،  والأكيد ان المسلسلات الايجابية سيكون لها تأثيرا مهما  في حياة الأسرة ، وأنا ضد كل الأصوات  الانتهازية التي تسيئ لدور المرأة والذين سعوا للركوب من اجل تغيير نظرة المجتمع اتجاه المرأة ، هذه المرأة التي سجلت أسمها بحروف من ذهب على صفحات التاريخ لتبقى بصماتها حاضرةً في كل الأزمنة، وشاركت بفعالية في العمل النضالي، وقدمت صوراً مختلفة للمرأة، فهي ليست المرأة الأم والزوجة وأسرة الشهيد  ، إنما هي إلى جانب ذلك "المرأة الثورية بذاتها" التي تمارس العمل النضالي بكافة أشكاله، وفي عمليات عسكرية ضد العدو الصهيوني، جسدت في عطائها وتضحياتها ان ترتقي بالبطولة النسائية إلى مرتبة رفيعة، إذ لم يقصر النضال، أو البطولة على الرجل دون المرأة، وتأكيد الانتماء للأرض وللقضية ، وإنما جعل من الخندق المسافة المتساوية التي يقف فيها الرجل المناضل، والمرأة الفلسطينية والعربية المناضلة خارج الدائرة الوهمية في مواجهة الواقع، وإذا قلَبنا صفحات التاريخ وجدنا الكثير من النساء  لم نسمع بأسمائهن من قَبل قد رويت دمائهم في العطاء والتضحية وفي مقدمتهن الشهيدة دلال المغربي ، الشهيدة غادة الحلبي ، الشهيدة تحرير منصور الشهيدة وفاء إدريس الشهيدة آيات الأخرس الشهيدة زينب علي عيسى أبو سال ، الشهيدة دارين ابو عيشة ، الشهيدة ريم الرياشيم،  الشهيدة سميحة خليل،  الشهيدة شادية ابو غزالة ، الشهيدة لينا النابلسي ، الشهيدة رجاء أبو عماشة ، وجواهر ابو رحمة،  وعروس الجنوب سناء محيدلي ، الاستشهادية فدوى حسن غانم،  والشهيدة يسار مروة ،والشهيدةالصحافية ليال نجيب ، الصحافية الشهيدة  أطوار بهجت مراسلة قناة العربية والشهيدة فخرية جاسم التي قضت بغازات سامة في انتفاضة البحرين ، ساندرا الحسن شهيدة الطفولة سقطت المؤامرة وإنتصرت سوريا ، الشهيدة الشابة سالي زهران شهيدة الثورة المصرية ، الشهيدة المناضلة الشيوعية سعيدة المنبهي، المناظلة الشهيدة الشيوعيةعايدة ياسين ابنة العراق ، والشهيدة التاية أبوعاقلة ابنة السودان ، كما  الأسيرات الفلسطينيات يواجهن ظروفاً معيشية بالغة الصعوبة ، منها الاكتظاظ داخل الغرف، والاحتجاز في الزنازين الانفرادية والتفتيش العاري.. وغير ذلك من الممارسات الوحشية الصهيونية التي تحول اعتقالهن لجريمة بحق الإنسانية، فهولاء المناضلات ناضلن من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتحرير الارض والانسان، هن جميلات جمال النجوم في جوف السماء، وجمال البدر في ليلة التمام، كان لهن شرف النضال ة، ومرت عليهن السنوات ولم تفكر واحدة منهن في جمالها ولاحتى في أبسط أحلامها، وبل وإنهن لم يمتلكن أحلاما قط، إلا حلما هو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتحرير الارض من الاحتلال ، هذا الحلم زادهن شرفا وجعل الواحدة منهن خير من ألف رجل كيف لا وقد وضعن حياتهن فداءا لفلسطين وحرية الشعوب .


 


ختاما : فان على الجميع ايجاد حلولاً ابتكارية مهمة من اجل  خلق حالة وعي كبيرة في المجتمع، وذلك عبر مساهمة كافة الأقلام العربية الواعية لتجد المرأة منبراً للتعبير عن دورها واهميته في بناء المجتمع ، لأن المرأة الفلسطينية والعربية هي الأساس في معركة المواجهة ، فقد أسهمت في صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته ،كما كان لها دور في المقاومة الوطنية اللبنانية ، كما في الثورات العربية ، ولعبت دورا هاما في الحفاظ على الثقافة ، والتعليم ، والعمل الاجتماعي ، في صفوف الشعب ، وشاركت بدور سياسي وشعبي ، كما مثلت المرأة دائما ، صمام أمان بتحمل أعباء كثيرة كي تحافظ على أسرتها ،وأبنائها .


كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت