جاءت دعوة د.فياض لحوار وطني مالي على فضائية "مكس" مع الاعلامي ناصر اللحام بمثابة: مخرج دبلوماسي "براغماتي" من الموقف "الأزمة" التي فجَّرها تسريب مشاريع قوانين التقشف، سواءً أكان التسريب مقصوداً أم خطأً إدارياً... وفي كل الأحوال، كانت الأزمة التي هي مثار نقاش وجدل وتفاعل قوى سياسية ونقابية وشعبية لمدة قاربت الشهر، هي الأزمة الحقيقية الأولى التي يواجهها د. فياض مع الجمهور، منذ توليه الشأن المالي للسلطة الفلسطينية في العام 2002 حتى تاريخه... مع أخذنا في الاعتبار: انقطاعاتٍ لم تمس جوهر العمل أو السياسات المعمول بها في وزارة المالية الفلسطينية ...
براغماتية د. فياض لا تقتصر على إدارته للشأن المالي في السلطة، بل تمتد لعلاقته بالجميع من مؤسسات دولية ومحلية، ومن المحيطين به في مجال العمل، وربما الأصدقاء أيضاً،،، فالرجل يبحث عن الخير والمنفعة للجميع.. ومن هنا كان حجم الدين المستحق للبنوك التجارية، يضاهي حجم الدين العام، المتمثل في عجز الموازنة المرتقب للعام المقبل.. ووفقاً للمنهج البراغماتي : فإن هذا الدين : "منفعة أكيدة" لجهة مراكز الانفاق، ومن ضمنها الرواتب... وهو: أي "الدين"،،"منفعة محققة" أيضاً للبنوك، لجهة حصدها فوائد "الدين الممتاز" على خزينة السلطة الوطنية...
ليس هناك من خبير في الكتل السياسية والبرلمانية والنقابية، أخبَرُ من د.فياض في أمور وزارة المالية الفلسطينية،،، وليس هناك من مسؤول يجب "محاسبته" إن كان هناك خطأ في السياسات والأدوات المكوِّنة لخلق فرص التوازن بين الإيرادات والنفقات،، سوى د.فياض نفسه أيضاً...
للحقيقة والانصاف، فإنني أعفي د. فياض من "العجز المزمن" الذي تسببه فاتورة الكهرباء لمناطق السلطة، وأبرزها فاتورة "كهرباء غزة" وكذلك فاتورة المياه، اللتان تُستقطَعان من المصدر "بالمقاصة" لصالح شركتي "مكروت، وشركة الكهرباء القطرية"،، ولا تتلقى السلطة أي إسترداد عنهما من غزة، سوى ما تم استقطاعه اخيراً من موظفي غزة عن الكهرباء،، والمبلغ السابق أقدره بما يتجاوز المئتي مليون دولار سنوياً...
كما إنني أعفي د. فياض من مسؤولية إسترداد الضريبة عن فواتير المقاصة لغزة ، لأسباب عدم سيطرة السلطة على معابر القطاع التجارية منذ تاريخ الانقسام المشؤوم إلى يومنا هذا،،، حيث تُقدر الايرادات "المهدورة": بستمائة مليون دولار سنوياً على أقل تقدير... وبذلك يكون العجز المبرر لوزير المالية هو: ثمانيمائة مليون دولار سنوياً،،، والمتمثل في العبئ المحوَّل عليه من غزة "والذي يمكن معالجته" بتوافق سياسي...
فإذا سلَّمنا "بالعجز المبرر" لوزير المالية الذي خلصنا إليه سابقاً،،، وإذا احتسبنا عمر الانقسام الذي تجاوز الأربع سنوات، وضربنا (عمر الانقسام) في (الرقم المهدور) سنويَّاً ،،، وإذا قارنا "ناتج الضرب" بالعجز في ميزانية العام الحالي ، والعجز المرتقب في موازنة العام المقبل، والمقدرين بما يربو عن المليار بقليل لكلٍ منهما، وإذا افترضنا نظرياً بأن: ما هو مطلوب من غزة قد وفَّت به لصالح خزينة السلطة (دون المساس بإيرادات حماس الداخلية من الضرائب، والخارجية من المساعدات)،، لكُنَّا أمام فائض يصل لأكثر من مليارين ونصف في نهاية العام المنصرم 2011...
إذن للحقيقة، وللشهادة أمام لله أولاً،،، وللتاريخ ثانياً،،، نقول، وبوضوح تام : بأن د. فياض يستحق منا كل الشكر والتقدير... و كذلك الاعتذار منِّي شخصياً عن "النوايا السيئة" التي كنت أكنُّها لسياسته ولأدواته المالية في مقدمة هذا المقال..
لا أُخفي سراً بأنني : كنت أودُّ النيلَ من السياسات المالية وأسلوب إدارة الموارد في وزارة المالية لولا انني قد تورطت في تَذَكُّرِ موضوع "الكهرباء والماء والمعابر" في غزة... غير أن حجم الدين العام ،، ومقارنته بالإيراد المهدور أو المجمَّد،، هذا الأمر كفيل بان يجبرني على أن: "أقول الحق أو أصمت"...
أعلم بأن شهادة البراءة والثناء الكاملة لن تتأتَّى من المشهد العام والمُكَبَّرِ للأرقام النهائية المعلنة لميزانية السلطة الفلسطينية،، بل يستوجب الأمر الخوض في تفاصيل الانفاق الحكومي بالدرجة الأولى والأساس،،، وهو مهمة هيئة الرقابة العامة لجهة الرئاسة والتشريعي،،، والمراجعين الدوليين لجهة الممولين،،، وأظنهم أقدر منِّي، ومن لجنة الحوار الوطني المالي المرتقبة...
الخلاصة: أولاً: كان لزاماً عليَّ أن أدور بزاوية"180" درجة عن وجهتي التي كنت أتوخَّى الوصول إليها،، وقد أبقيت كل شيء فيما تقدمت به كما هو دون تعديل أو مونتاج،، لأنني رجل مالٍ لثلاثة عقود من الزمن،، وأعرف أن الكشط والتعديل: هو بمثابة تعَدٍ على الشفافية... وأعلن بأنني أشك في اي شيءٍ "سوى الأرقام"...
الأمر الثاني: أدركت بأن رسالة د. فياض في هذه الأزمة بأنها سياسية إلى حدٍ بعيد، وفيها جزء مهني بسيط يمكن علاجه بالضرائب لما لها من أثر مزدوج على النفقات والإيرادات معاً، خصوصاً المباشر منها...
الثالث : أس البلاء والأزمة هو الانقسام، فهو لم يضرب النسيج الاجتماعي والقِيَمي والاقتصادي للشعب الفلسطيني،،، بل يضرب بوضوح: الوضع المالي لكافة المؤسسات المالية، وعلى رأسها وزارة المالية...
رابعاً : أدركت بأن د. فياض لا يسعى للبحث عن الجرس ،، فهو عنده موجودٌ منذ زمن،،، ولكنه تمكَّن بدعوته للجنة الحوار الوطني المالي التي نادى بها أخيراً، من الحصول على من يعلِّق الجرس نيابة عنُّه... فهل أدرك الأمر صاحب الرقبة ؟؟؟
خامساً : أتفق مع وزير المالية لما ذهب إليه من أسباب للعجز المالي ، وأختلف بكل ما لديَّ من شعورٍ وإحساسٍ وعقل أيضاً بشأن الأدوات،، خصوصاً ما يتعلق بالتقاعد المبكر، أو بالانتقاص من أرزاق الموظفين الحكوميين...وتحديداً الذين هم (دون مرتبة "مدير")...
ختاماً،، للجميع مني تحية واحترام،،، ودمتم ودام الوطن...
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت