منظمة التحرير الفلسطينية .. إعادة تفعيل أم مصادرة وتجيير ؟!!/ عبد الرحيم محمود جاموس

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

 لقد وضعت أسس إنطلاقة منظمة التحرير الفلسطينية ونشأتها وقيامها في العام 1964م كي تكون إطاراً جامعاً لشمل الشعب الفلسطيني، معبرة عن هويته الوطنية والقومية التي استهدفها العدو الصهيوني كما استهدف الأرض الفلسطينية بالاغتصاب، فكان أولى أهدافها مواجهة حالة التبديد والتشتيت التي تعرض إليها الشعب الفلسطيني إثر نكبة عام 1948م لتمثل الإطار الرابط والموحد والجامع للشعب الفلسطيني، على اختلاف أماكن تواجده، وعلى اختلاف الظروف الثقافية والقانونية والسياسية التي أخضع لها الفلسطينيون، سواء في ظل كيان الاغتصاب الصهيوني أو في ما تبقى من فلسطين تحت سلطة الأردن في الضفة الغربية أو سلطة الحاكم العسكري المصري في قطاع غزة ... أو تحت سلط مختلفة في أماكن اللجوء العربية الأخرى وفي دول الشتات على مسطح الكرة الأرضية .. فاستعادة للشعب الفلسطيني هويته وكينونته وحولته من شعب مشتت بلا هوية وطنية إلى شعب موحد في إطار م.ت.ف، ومن لاجئين يقاسون ويعانون ظروف الحياة الصعبة إلى شعب مناضل من أجل العودة والتحرير وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة أسوة بكل شعوب الأرض، التي كفل لها هذا الحق ميثاق عصبة الأمم، وميثاق الأمم المتحدة، واتفاقات الصلح الموقعة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وخصوصاً اتفاقات جنيف الأربعة بهذا الخصوص، والقانون الإنساني والدولي الذي يحمي هذه الحقوق لكل الشعوب في العودة إلى أوطانها وتقرير المصير وبناء دولها المستقلة المعبرة عن آمالها وأمانيها الوطنية والقومية.


 


فمنظمة التحرير الفلسطينية لم تكن حزباً سياسياً ذا أيديولوجية معينة ... إنما جبهة وطنية عريضة تضم كافة ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والثقافي والعقائدي والاقتصادي التي يتكون منها الشعب الفلسطيني على اختلاف أماكن تواجده في الوطن وفي الشتات فكانت ولا زالت وستبقى جبهة وطنية عريضة تمثل هذا التنوع والكل الفلسطيني، دون أن تستثني أحداً، ولم يعارضها في ذلك عند النشأة والتأسيس سوى بعض القوى الهامشية التي تناقضت مصالحها الضيقة مع وحدة الشعب الفلسطيني ومع هويته وآماله وتطلعاته الوطنية والقومية في العودة والتحرير، ووقفت موقفاً تشكيكياً من منظمة التحرير وأهدافها الوطنية، ومن هذا المنطلق، ومن هذا التصور لطبيعة م.ت.ف وأهدافها كانت قواعدها الأساسية المنظمات والقوى والفصائل، والنقابات والاتحادات الشعبية التي كان قد شكلها الشعب الفلسطيني إضافة إلى الشخصيات الوطنية ومختلف القوى السياسية الحية والفاعلة والتي التقت جميعها على هدف الحفاظ على الهوية الوطنية واستعادتها، واستعادة الأرض الفلسطينية، فمثلت جميع هذه القوى قواعد وأركان هذه الجبهة الوطنية العريضة، وشاركت في صياغة مؤسساتها التمثيلية وميثاقها الوطني وناضلت وكافحت بمختلف وسائل النضال والكفاح وأطرت الشعب الفلسطيني في أطرها فانتزعت عن جدارة حقها في تمثيل الشعب الفلسطيني، وقادة نضاله وكفاحه المرير خمسة عقود متواصلة وحقق الشعب الفلسطيني من خلالها كافة الإنجازات الوطنية المعنوية والمادية، وأصبحت قضية فلسطين وشعبها قضية سياسية وطنية قومية إنسانية دولية تهم جميع دول العالم وتتصدر أولويات المجتمع الدولي، ولا يقف في وجه تطلعات الشعب الفلسطيني سوى العدو الصهيوني والولايات المتحدة التي لا زالت ترى فيه حليفاً يحقق مصالحها في الشرق الأوسط.


 


فمنظمة التحرير الفلسطينية بقيت واستمرت خياراً وحدوياً جامعاً للشعب الفلسطيني وقواه، وبعد أكثر من ربع قرن من النضال الفلسطيني بقيادة م.ت.ف ظهرت بعض القوى في ساحة العمل الفلسطيني خارج أطر م.ت.ف وادعت الصوابية، في حين بقيت متفرجة بل ومخذلة ومشوهة لنضال الشعب الفلسطيني ومشككة في أهدافه وجدواها، تحت تبريرات ومسوغات أيديولوجية لا تصمد أمام واقع الشعب الفلسطيني وواقع قواه الحية والفاعلة والناشطة في أطر م.ت.ف، واليوم وبعد عشرين عاماً من تشتيت الجهد والكفاح والنضال، وتسليم هذه القوى بعدم قدرتها على إزاحة وإسقاط م.ت.ف ومشروعها الوطني، ومن بوابة إعادة البناء والتفعيل لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن خلال جملة متغيرات إقليمية ودولية، تسعى هذه القوى ممثلة بالمنظمات الإسلاموية للهيمنة عليها ومصادرة إنجازاتها وصبغها بصبغتها الأيديولوجية والسياسية وإقصاء العديد من القوى والفصائل والنقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية والشخصيات الوطنية التي مثلت ولا زالت تلك القوى الحية في الشعب الفلسطيني، والتي منحت م.ت.ف القوة والفاعلية والشرعية، وذلك باستخدام الوسيلة الليبرالية الخادعة (( صندوق الاقتراع )) لشراء م.ت.ف وهيئاتها التمثيلية، وتغيير القواعد والأسس المكونة لـ م.ت.ف من خلال فرض اعتماد الانتخابات ونظام التمثيل النسبي أسلوباً وحيداً في اختيار الهيئات التمثيلية لـ م.ت.ف ممثلة في المجلس الوطني، وكأنه برلمان لدولة مستقلة، إن منظمة التحرير الفلسطينية وإن قامت وتقوم بمهام الدولة تجاه شعبها الفلسطيني لا زالت جبهة تحرير وطني، ومعترف بها في الأمم المتحدة بهذه الصفة، لأن الشعب الفلسطيني لا زال في أتون الصراع والنضال من أجل انتزاع حق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه وحقه في تقرير المصير وبناء الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف، فهذه الوسيلة الخادعة ((الانتخابات)) التي تساوي بين الطلائع النضالية والكفاحية للشعب الفلسطيني وبين الذين وقفوا معارضين بل ومشككين في نضال الشعب الفلسطيني وشرعية ممثله م.ت.ف أمام صناديق الاقتراع إنها خدعة كبرى ووصفة سهلة لتصفية واختطاف منظمة التحرير الفلسطينية وتجييرها ومصادرتها من قبل من ناصبوها العداء على مدى خمسة عقود وإسقاط أهدافها الوطنية والقومية.


 


إن الوطنية الفلسطينية اليوم وقواها الحية مدعوة إلى اليقظة لمواجهة ما يتهدد وجودها ودورها الوطني في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من خلال خديعة (( الانتخابات )) في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، إنه لا يخفى على أحد ما سيفعله المال السياسي والإعلام الموجه في التأثير في أصوات الدهماء والجهلاء ممن يبيعون أصواتهم بأثمان بخسة لا تتعدى مصالح فردية تافهة لا ترتقي بأي حال من الأحوال إلى مطالب الشعب الفلسطيني الوطنية والقومية ممثلة في حق العودة وحق تقرير المصير وحق مقاومة المحتل وصولاً إلى إنجاز كافة الحقوق الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف.


 


إن كافة القوى والفصائل والنقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية والشخصيات الوطنية الفلسطينية مدعوة للنضال والثبات في وجه من يسعى لتغيير طبيعة م.ت.ف والسيطرة عليها (( تحت مظلة إعادة البناء والتفعيل )) باستخدام أسلوب (( الانتخاب المباشر ))، وبالتمثيل النسبي في ظل الواقع الذي يرزح تحته الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال أو في أماكن اللجوء والتشرد والشتات إن هذه الوسيلة هي خدعة كبرى لن تحافظ على طبيعة م.ت.ف كجبهة تحرر وطني عريضة تضم كافة ألوان الطيف الفلسطيني وستسقط هذه الصفة عن م.ت.ف لأنها ستقصي الكل الوطني لحساب لون سياسي واحد أعجز ما يكون عن تحقيق أي هدف من الأهداف الوطنية والقومية الجامعة للشعب الفلسطيني.


 


لابد من الإجماع الوطني على المحافظة أولاً على طبيعة م.ت.ف وثانياً على أهدافها الوطنية والقومية، والتي قدم لأجلها الشعب الفلسطيني عشرات الألوف من خيرة أبناءه شهداء وجرحى وأسرى على طريق الكفاح الوطني المرير من أجل الحرية والاستقلال، والذين لم يأتوا عبر صناديق الاقتراع إنما جاءوا من هذه الطلائع النضالية والقوى والقواعد الشعبية المكونة لـ م.ت.ف، وبكلمة أخيرة أقول: (( أن فلسطين ليست عقاراً للبيع لهذا الحزب أو ذاك )) وأقول: أيضاً وفي نفس السياق (( أن م.ت.ف ليست عقاراً للبيع لهذا الحزب أو ذاك )) حتى بواسطة (الانتخابات والتمثيل النسبي)، فالقوى المؤسسة والمنشئة لـ م.ت.ف والتي منحتها القوة والفاعلية والشرعية على مدى خمسة عقود من حقها أن تتمسك وأن تدافع عن مكانها في م.ت.ف وعن دورها المشرف على مدى خمسة عقود خلت، ولا تدع الخدعة تنطلي عليها، فعليها أن تؤكد للجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وللجنة إعادة تشكيل المجلس الوطني التي يرأسها السيد سليم الزعنون "أبو الأديب" حفظه الله ورعاه وللجنة الموقرة المعنية بهذا الشأن أنها ترفض استبعادها تحت أي تبرير كان، كما ترفض الإخلال بالقواعد الأساسية المنشئة لـ م.ت.ف وخصوصاً المجلس الوطني خط أحمر لا يجوز المس به، وهذا لا يقلل من ديمقراطية الشعب الفلسطيني وتطلعه إلى بناء دولة ديمقراطية مستقبلاً، بل إن فرض الانتخابات كوسيلة وحيدة لتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني هو الذي يضرب قواعد الديمقراطية الحقيقية التي اتسمت بها م.ت.ف ومؤسساتها التمثيلية، فعلى كافة الفصائل والقوى والنقابات والمنظمات الشعبية والشخصيات الوطنية أن تهب لمواجهة هذا الاستحقاق، لأن م.ت.ف غير قابلة للمصادرة أو التجيير حتى بواسطة الانتخابات ونظام التمثيل النسبي.


والمجد لشهداء شعبنا وجرحاه والحرية لأسراه وعاشت فلسطين حرة عربية مستقلة.


  


عبد الرحيم محمود جاموس


عضو المجلس الوطني الفلسطيني


 الرياض    23/01/2012م الموافق 29/02/1433هـ


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت