الإخوان المسلمون في سدة الحكم في مصر بترحيب دولي/عماد عبدالحميد الفالوجي

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي

 


 


 


جماعة الإخوان المسلمون هي جماعة سياسية مثل كل الجماعات والأحزاب السياسية في عالمنا المعاصر ، وهي من أكبر الجماعات ذات الحضور الشعبي والتي مارست العمل السياسي عبر تشكيلها لأحزاب سياسية منذ سنين في الأردن على سبيل المثال وعقدت تحالفات وتفاهمات مع بعض الأنظمة واختلفت مع بعضها ولم تكن علاقاتها مع الحكام على وتيرة واحدة فكانت تمر بمراحل مختلفة من التعايش الى الصدام ودخل قادة الجماعة السجون في أغلب الأقطار العربية وخرجوا منها في أحيان كثيرة عبر صفقات أو تحقيق مصالح للطرف الحاكم أو للجماعة ، وكل مراقب لكل تلك المتغيرات يلمسها في كل قطر عربي ولطالما كان لجماعة الإخوان المسلمين موقف واضح من كل متغير اساسي لسياسة البلد وهذا الموقف ينسجم دائما مع مصلحة الجماعة الخاصة بكل بلد ولا يكاد يوجد عنصر مشترك في تعاطيها السياسي بين الأقطار المختلفة ، ففي بعض الأقطار كانت سياستها متوافقة مع النظام وأخرى متصادمة معه والأمثلة واضحة وضوح الشمس دون استرسال ، ولكن الوضع يزداد تعقيدا عند الحديث عن علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع المجتمع الغربي وخاصة مع الإدارة الأمريكية وهنا يكثر اللغط والقيل والقال ويشطح بعض الكتاب وخاصة الكارهين لجماعة الإخوان المسلمين أو كما يحلو للبعض تسميتهم بالإسلام السياسي في تحليل كل لقاء يحدث بين ممثلي الجماعة مع أحد مبعوثي الإدارة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي وكأن شيئا خطيرا يحدث أو هناك سياسة تآمرية يتم الإعداد لها ، والبعض يخرج عن السياق والشطط ليذهب بعيدا في القول أن هناك متغير جديد لدى الجماعة في كونها تلتقي مع الأطراف الغربية وكأن هذا الموقف يتناقض مع سياسة الإخوان المسلمين المعلنة ، والحقيقة التي نعتقد أننا نعرفها بحكم تجربتنا السابقة في عملنا داخل أروقة جماعة الإخوان المسلمين هي أن الجماعة لم يكن في أدبياتها السابقة رفض لمبدأ اللقاء مع المجتمع الغربي وفتح حوارا جادا معه دون استثناء وكان الاستثناء الوحيد المشهور هو اللقاء مع أي ممثل للكيان الإسرائيلي فقط وما سوى ذلك فلم يكن هناك أي مانع طالما أن اللقاء يأتي في سياق التعارف وشرح مواقف الحركة وبناء علاقات عامة لخدمة أهداف الحركة ومنع التعرض لها ولنشاطاتها المنتشرة في كل أصقاع العالم ولعل هذا الانفتاح الموجود أصلا هو الذي أدى الى أن تسمح الدول الغربية للكثير من قادة حركة الإخوان المسلمين بالإقامة في بلدانها وممارسة نشاطهم الدعوي السلمي هناك بل والسماح بعقد الكثير من المؤتمرات الإسلامية العامة في عواصمها وتحت سمعها وبصرها ، وكانت كلما ضاقت بهم عواصم الأمة الإسلامية يجدون ضالتهم في العواصم الأوروبية وفي الولايات الأمريكية ، وطبعا تحت شعار الديمقراطية الغربية التي تسمح بعقد تلك المؤتمرات والاجتماعات طالما أنها لا تخالف القوانين المرعية في تلك البلاد ، ولهذا السماح بالتأكيد مصالح مشتركة لكلا الطرفين فمن ناحية تجد  جماعة الإخوان لها المكان المناسب والحرية المطلوبة لعقد اللقاءات ومناقشة الأفكار وعقد الدورات لقيادات الجماعة من كافة الأقطار وبالمقابل تجد الدول المضيفة في تلك اللقاءات فرصة للتعرف عن قرب على الفكر الإسلامي ومحاولة رعايته والاستفادة منه أو عدم قطع شعرة معاوية مع هذه القوة الشعبية الصاعدة وإبقائها تحت المراقبة والسيطرة ، وهكذا كانت العلاقة المتبادلة طوال عقود من الزمن .


 


 


 


ولكن يبقى السؤال الأساسي من الطرف الذي كان يرفض لقاء الطرف الآخر ؟ هذا السؤال يجعلنا وبشكل موضوعي نقف على الحقائق الغائبة عن الكثيرين ، في أغلب الأحيان كان المجتمع الغربي الدولي هو من يرفض عقد لقاءات رسمية مع قيادات الجماعة بحجة محاربة الإرهاب وأن غالبية الحركات الإسلامية مصنفة تحت قوائم الحركات الإرهابية ، ولهذا لم تكن اللقاءات بالمستوى المطلوب وهذا هو السبب المباشر والذي كان ظاهره يوحي وكأن هناك نوع من العداء بين الحركة الإسلامية والمجتمع الغربي ولعل إظهار هذه الصورة النمطية كانت تساعد الطرفين في تبرير عدم حدوث اللقاءات المباشرة ، ولم يكن هناك سبب عقائدي أو موقف مبدئي من الجماعة للصدام مع المجتمع الغربي باستثناء ما يخص القضية الفلسطينية وموقف الغرب عموما وأمريكا خصوصا من الدعم الكامل للكيان الإسرائيلي وبعض المواقف الدولية المناهضة للحقوق العربية في المحافل الدولية وهذا الخلاف كان من الممكن أن يكون في سياقه الطبيعي ولكن الأطراف الدولية كانت هي من يرفض عقد اللقاءات الرسمية ، ولعل المثال الأبرز فلسطينيا هو علاقة المجتمع الدولي مع حركة حماس حيث كانت حركة حماس دائما وبشكل حثيث ترغب في عقد لقاءات مع الأطراف الدولية لشرح موقفها ولكن كان الرفض من أطراف المجتمع الدولي ، والسؤال اليوم بعد أن أصبحت اللقاءات تعقد بشكل رسمي بين قادة جماعة الإخوان المسلمين وأقطاب المجتمع الدولي من الذي غير من موقفه بدرجة أكبر من الطرف الآخر ؟ لاشك أن الجواب واضح وهو أن المجتمع الدولي وتحقيقا لمصالحه هو من غير مواقفه وأبدى انفتاحا واضحا ورأى أن جماعة الإخوان المسلمين اليوم باتوا هم القوة الأكثر شعبية والتي يمكن الاعتماد عليها لترتيب أوضاع المنطقة في المرحلة القادمة بعد فشل الأنظمة البائدة في تحقيق الكثير من الأهداف السياسية وأصبحت منبوذة شعبيا وهذه الصورة جعلت السياسة الأمريكية تخسر الكثير من صورتها أمام الشعوب العربية .


 


 


 


ولذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين وبعد مرور كل تلك العقود من العمل السياسي والتجربة الغنية التي امتلكتها وصلت الى قناعة تامة بأنه لا يمكنها الوصول الى سدة الحكم دون الوصول الى لغة توافقية مع السياسة الغربية وبدون منحهم الضوء الأخضر ، لذلك عملت على تغيير نمط التعامل مع المجتمع الغربي من خلال تشكيل أحزاب سياسية أكثر انفتاحا على الآخر وأكثر قبولا للعملية الديمقراطية وأكثر التزاما بحقوق الإنسان وطرح لغة سياسية ناعمة متوافقة وغير صدامية مع المجتمع الغربي ، ولاشك أن النموذج التركي كان حاضرا في كل التحركات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ، واليوم آتت هذه السياسة الجديدة ثمارها وحصدت الجماعة غالبية مقاعد مجلس الشعب المصري وسيعقد أولى جلساته اليوم لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ الشرق الأوسط الجديد ، وهذه المرحلة ستشهد رقابة ومتابعة شبه كاملة من كافة المحافل الدولية لتقييم التجربة ولو بعد حين .


 


 


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت