مهما تعددت أشكال الإستيطان، فإن أهدافه واحدة، تتمثل في الإبدال الجغرافي، والإحلال الديموغرافي. منذ الأيام الأولى للإحتلال الإسرائيلي لبقية الوطن الفلسطيني في العام 1967، كان هناك استيطان، وكان هناك مستوطنون.
أما الإبدال الجغرافي فيتمثل في زرع الوطن الفلسطيني بالمستوطنات. منذ العام 1967 حتى أيامنا هذه، أصبح تعداد هذه المستوطنات ما ينوف عن أربعمائة مستوطنة بين صغيرة المساحة جار توسعتها بزيادة منشآتها أفقيا ورأسيا، وبين كبيرة المساحة لا تتوقف أعمال توسعتها هي الأخرى.
في ذات السياق، فإن هذه المستوطنات قد أقيمت على أراض فلسطينية مغتصبة من أصحابها المواطنين الفلسطينيين الشرعيين. إن هذه الأراضي المقام عليها المستوطنات، ليست أية أراض يتم اختيارها عشوائيا.
إنها أراض استراتيجية، تم اختيارها جراء مسح دقيق لمجمل الأراضي الفلسطينية. إلا أن الأهم، وللتذكير فإن الأراضي التي يقوم عليها الإستيطان الإسرائيلي هي قمم الجبال والمرتفعات الفلسطينية التي تشكل مواقع أمنية واستراتيجية للتحكم بكل التجمعات الفلسطينية والإشراف على طرق مواصلاتها. إنها خيرة الأراضي الخصبة التي يعتاش على غلالها الفلسطينيون، وهي الأراضي التي تشكل مخزونا إسراتيجيا ديموغرافيا لاستيعاب الزيادات الناجمة عن النمو السكاني الفلسطيني الطبيعي. وهي أخيرا لا آخرا أراضي آبائهم وأجدادهم منذ آلاف السنين.
إنه الإستيطان. والإستيطان من منظور إسرائيلي، لا يعني مجرد اغتصاب المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولا مجرد إقامة الوحدات السكنية وما يتبعها من مرافق، ولا إنشاء الطرق الإلتفافية، ولا بناء جدار العزل العنصري فحسب، وإنما هو تكريس لكيان واحد وحيد على الأرض الفلسطينية هو الكيان الإسرائيلي ليس إلا.
ثمة حقيقة لا ريب فيها تتمثل في أن إسرائيل في إصرارها على مشروعاتها الإستيطانية، إنما تنطلق من منظورها العقائدي السياسي المتمثل في أن فلسطين من النهر إلى البحر هي أرض إسرائيل الكبرى. إنه منظور دأبت سياساتها على توظيفه على أرض الواقع منذ اليوم الأول لاستكمال احتلال بقية الوطن الفلسطيني في العام 1967.
نعود إلى الأهداف التي تكريسا لها كان الإستيطان. ذكرنا آنفا أن من هذه الأهداف الإحلال الديموغرافي المتمثل في إحلال المستوطنين الصهاينة محل المواطنين الفلسطينيين الشرعيين.
إن الحديث عن هؤلاء المستوطنين ذو شجون وأشجان. منذ الأيام الأولى التي زحفوا فيها صوب المستوطنات التي بنتها السياسات الإسرائيلية لهم، تعمدوا أن يسيئوا للمواطنين الفلسطينيين، وأن يعتدوا عليهم بكل الوسائل المتاحة لهم، وهي كثيرة ومنها مثالا لا حصرا دعم قوات الإحتلال الإسرائيلي لهم، والسكوت عن أفعالهم وشرورهم.
في تاريخ هؤلاء المستوطنين سجل متخم بالأفعال العنصرية البغيضة التي تنم عن كراهية متعمدة للفلسطينيين. من منا لا يتذكر الجريمة التي اقترفتها يدا باروخ جولدشتاين من مستوطنة "قريات أربع"، إنها المذبحة النكراء في حرم مسجد خليل الرحمن التي راح ضحيتها عشرات المصلين بين شهيد ومصاب؟.
إن اقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك بات مسلسلا آثما يرتكبه هؤلاء المستوطنون الذين لا تقف أفعالهم الشريرة عند أي حد من الحدود. إنهم يقتلعون أشجار الزيتون وغيرها ويقومون بحرقها. ها هم يحرقون المزروعات.
إنهم يحطمون سيارات المواطنين الفلسطينيين ويحرقونها. ها هي سياراتهم تدوس عامدة متعمدة من تصادف من المواطنين الفلسطينيين. إنهم يسدون الطرقات ويقومون برشق الحجارة على سيارات المواطنين بقصد إيقاع الأذى بها وبراكبيها.
إنهم يطردون المواطنين الآمنين من بيوتهم، ويقتحمون البلدات الفلسطينية. أخيرا لا آخرا إنهم يحرقون المساجد الإسلامية، ويكتبون على جدرانها عبارات التشفي والإنتقام والتحدي، مرددين عبارتهم العنصرية المعروفة "الموت للعرب". إنه غيض من فيض ما يقترفه هؤلاء المستوطنون العنصريون.
هذا هو الإستيطان، وهؤلاء هم المستوطنون الذين يصولون ويجولون في شتى أرجاء الوطن الفلسطيني، وليس هناك من رادع لما يقترفون من اعتداءات مستدامة على المواطنين الفلسطينيين. لا الولايات المتحدة الأميركية، ولا الإتحاد الأوروبي، ولا حتى السياسات العربية التي تلتزم الصمت المريب.
بلغة الأرقام والإحصائيات هناك 440 نقطة إستيطانية، وأكثر من 100 ما يسمى بؤرا إستيطانية عشوائية بالإضافة إلى مناطق صناعية، على مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية مزودة بشبكة شبكة من الطرق الإلتفافية التابعة لهذه المستوطنات.
إن لب الصراع العربي الإسرائيلي الذي هو وليد القضية الفلسطينية كان هو الأرض، وما عداها كان يتفرع منها، أو ينطلق ليس إلا. باختصار فإن أساس المشكلة الفلسطينية هو عدم وجود الأرض حتى يمارس عليها الفلسطينيون حقهم المشروع في المواطنة والسيادة وتقرير المصير، وإقامة الدولة بكامل مؤسساتها وممارسة بقية فعاليات الحياة التي كفلتها لهم الشرائع السماوية والقوانين الأرضية الوضعية أسوة بغيرهم من الشعوب الأخرى.
إن الدلائل والشواهد والمعطيات تؤكد أن السياسة الإسرائيلية سادرة في مصادرة الأرض الفلسطينية، والإستيلاء عليها. إن أية "دولة فلسطينية" تفكر فيها هذه السياسة ما هي إلا ترجمة لخارطة رسمتها السياسات الإستيطانية، وليس أدل على ذلك من مناطق النفوذ التي تتمتع بها المستوطنات كاحتياطي إستراتيجي لها في المستقبل. لكن الأهم من ذلك كله أن ليس هناك اعتبار أو حساب لدولة فلسطينية حقيقية على أجندتها.
كلمة أخيرة. إن الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المغتصبة من أصحابها الشرعيين، إضافة إلى كونه غزوا جغرافيا منظما، ومخططا له، فهو في الحقيقة غزو ديموغرافي، يهدف إلى إفراغ الأرض من أصحابها، وإلى استعمارها. إن هذا الإستيطان بكل أشكاله لا يؤسس لأية عملية سلمية لا في المستقبل المنظور، ولا البعيد. وإن غدا لناظره قريب.
إن لب الصراع العربي الإسرائيلي الذي هو وليد القضية الفلسطينية كان هو الأرض وما عداها كان يتفرع منها أو ينطلق ليس إلا. باختصار فإن أساس المشكلة الفلسطينية هو عدم وجود الأرض حتى يمارس عليها الفلسطينيون حقهم المشروع في المواطنة والسيادة وتقرير المصير وإقامة الدولة بكامل مؤسساتها، وممارسة بقية فعاليات الحياة التي كفلتها لهم الشرائع السماوية والقوانين الأرضية الوضعية أسوة بغيرهم من الشعوب الأخرى.
إن الدلائل والشواهد والمعطيات تؤكد أن السياسة الإسرائيلية سادرة في مصادرة الأرض الفلسطينية. وإن أية دولة فلسطينية تفكر فيها هذه السياسة ما هي إلا ترجمة لخارطة رسمتها السياسات الإستيطانية. وليس أدل على ذلك من مناطق النفوذ التي تتمتع بها المستوطنات كاحتياطي إستراتيجي لها في المستقبل. والأهم من ذلك كله أن ليس هناك اعتبار أو حساب لدولة فلسطينية حقيقية على أجندتها. وإن غدا لناظره قريب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت