( قضية فلسطين ).. من النفق المظلم إلى بحر الظلمات..!؟/منذر ارشيد

بقلم: منذر ارشيد

بسم الله الرحمن الرحيم


 


قال الشهيد الراحل ياسر عرفات إني أرى الضوء في نهاية النفق المظلم


بعد رحيله كتبت قائلاً  ( هل غادرنا أبو عمار إلى الضوء وتركنا في النفق المظلم ).!؟


 


نصف قرن وما يزيد وقد تعاقبت قضايا أمم وشعوب وقع الظلم عليها قبل وبعد قضية فلسطين وتم إنها ء هذا ظلم والإحتلال إما بانسحاب المستعمر الظالم بعد  تضحيات شعبية  أو بقرار دولي من الأمم المتحدة ومجلس الأمن, أو بضربه بيد من حديد من قبل المجتمع الدولي ,  بينما قضية فلسطين تتقاذفها الأهواء الدولية والعربية ككرة في ملعب تُقذف في كل الإتجاهات ما عدا الإتجاه الصحيح نحو الهدف


 عشنا  القضية بكل تفاصيلها منذ الثورة مروراً بالشتات حتى وصلنا إلى أوسلو الذي استبشرنا به خيراً كبداية للغيث وقد لاحت في الأفق تباشير حل القضية من خلال إقامة دولة وفي الحد الأدنى على  الضفة وغزة والعاصمة القدس , بمعنى (الريحة ولا العدم )


منذ أن شُكلت السلطة بقيادة الشهيد الراحل أبو عمار ونحن نشك في نوايا الجانب الإسرائيلي


فتصرفاتهم على الأرض كانت توحي بذلك وكنا نلمسها ميدانياً من خلال عملنا الذي باشرناه


منذ أول يوم دخلنا به الوطن وأسسنا السلطة حتى,  أنني كتبت مقالاً بعد شهرمن دخولنا للوطن  تحت عنوان ( هل نحن سلطة تحت الإحتلال )..!؟ قلت فيه أني لا أرى أي علامة تدل على أننا سنتحرر ونؤسس دولة ..قامت الدنيا علي ولم تقعد من قبل بعضنا للأسف وقال قائل ....


أنت تسيء لنا وتقول كلاماً ليس له أي مصداقية ...وبدأت المزاودات من خلال مقالات ترد على ما كتبت منها على ما أذكر هذه الفقرة ...


( أنت عسكري ولا تفهم في السياسة وإما أن تقل خيرا ً أو لتصمت ).


 


ولم يكن إغتيال إسحاق رابين المؤشر الأول لهذه الشكوك رغم أنه كان رسالة واضحة لياسر عرفات  مفادها ( هذا شريككم قتلناه فادفنوا السلام معه  ) وبالرغم أن الرسالة وصلت للراحل أبو عمار إلا أنه كظم غيظه وهو يؤبنه في مراسم دفنه وقد ذرف دمعةً على أوسلو إلا أنه تجاهل الأمر ومضى  في مسيرته السلمية لأنه يدرك تماماً أنه دخل في دهاليزهم وأنفاقهم المظلمة  وكان يراهن على الضوء الذي يراه في نهاية النفق كما كان يقول ...


 


إستمر أبو عمار في سياسته وقدم التنازلات  رغم أن إتفاق أوسلو كان واضحا ً من خلال التنازل الأول عن فلسطين التاريخية والإعتراف بإسرائيل والقبول بدولة فلسطيينية ضمن حدود حزيران , وكان التنازل الثاني والأهم وأمام رغبة كلينتون وكهدية متوضعة لعيون الضيف , تم شطب أهم بنود الميثاق الوطني


ماذا قبضنا بعد كل ذلك من كلنتون زوج هيلاري ويا ليته قال (هديتكم ردت إليكم ) .


 


دارت الأيام وذهب كلينتون وجاء بوش وذهب بوش وجاء أوباما وسيذهب أوباما ويأتي من يأتي ونحن في حلقة مفرغة وكالأيتام على مأدبة اللئام


غادرنا ياسر عرفات بعملية غدر واغتيال سافرة وكأن شيئاً لم يكن ولم يحرك ذلك العرب ولا الغرب ولا الأمم المتحدة التي شهدت صرخة ياسر عرفات حين رفع غصن الزيتون


لقد تم اغتيال عملية السلام برمتها بعد اغتيال ياسر عرفات وكيف لا وقد تم قبل ذلك اغتيال بطل إسرائيل على يد إسرائيل  وكما قلت كانت رسالة واضحة


أبو مازن والرهانات  الخاسرة  


 


رحب العالم بأبو مازن بعد رحيل عرفات على اعتبار أنه صاحب سياسة واضحة وليس كعرفات الذي يحمل سياسة غامضة من خلال اللعب من تحت الطاولة ( المقاومة )


ولكن هل شجع أبو عمار المقاومة واسرائيل كانت قد قدمت شيء ليقنع الشعب الفلسطيني بالهدوء والسلام  ..!


أم أنهم هم من حفزوا الشعب على الإنتفاضة والمقاومة بداية ً بدخول شارون للمسجد الأقصى مروراً بقتل العشرات من المتظاهرين سلمياً على الحواجز وعاثوا في الأرض فساداً ودمروا كل شيء حتى وصل الأمر إلى عرفات نفسه


فكيف لياسر عرفات الذي ذهب إليهم بغصن الزيتون وصافحهم بكل صدق  أن ينكث عهده  لو أنهم كانوا صادقين في عملية السلام ..ألم يقتلوا قبله  بطلهم رابين لأنه ذهب إلى السلام ..!


 


 جاء أبو مازن رجل السلام , هكذا  وصفوه  مع بداية شهر العسل , وتعاملوا معه  كرجل سلام صادق ليس لديه أجندات مخفية لا تحت الطاولة ولا فوقها  فهو واضح في سياستة منذ أن عرفه العالم وشعاراته معلنه  ,( لا للمقاومة ولا للعنف ونعم للمفاوضات ), وسارت الأمور على اعتبار أن الفلسطينيين دخلوا في مرحلة جديدة بعيدة عن العنف سالمين مستسلمين ولم يبقَ  إلا أن "يُقبلوا اليد التي تضربهم"


وتخيل البعض حتى من داخلنا أن أبو عمار كان عقبة في تحقيق السلام ورضوخ إسرائيل لتطبيق ما تم الإتفاق عليه


وبشرنا البعض  بمرحلة جديدة مع اسرائيل وهم يضربون الأنخاب معهم بعد أن ذهب بعبع المقاومة


ومرت فترة أولمرت كما مرت قبلها فترة نتنياهو وقبلها شارون وباراك  وسنوات تمر وتمر وكأننا نسير إلى الخلف رغم تقدم إسرائيل الحثيث ,  فالوقت بالنسبة  لنا رغم أهميته أضعناه ونحن نتابع ونلاحق الأوهام   ولكن إسرائيل لا وقت لديها لتضيعه


 


وجرت مفاوضات متتابعة وبرعاية أمريكا حينا والرباعية أحياناً وإسرائيل تتوسع وتتفرد وتثبت أركانها الإستيطانية في كل مكان وخاصة في المدينة المقدسة , الضفة مقطعة الأوصال وبين كل قرية فلسطينية وقرية مستوطنة حتى كدنا أن نصل إلى مرحلة يصعب علينا أن نقيم حتى كيانات فلسطينية كالجزر في البحر


طبعاً كان قد حصل الأنقسام وما جره من مصائب وكوارث وما تبعه من حرب على قطاع غزة


أما الضفة فعاث المستوطنون فيها فساداً وإهلاكاً للحرث والنسل  وأظهرت حكومة نتنياهو خلاصة الحقد الذي استمر منذ تأسيس كيانهم الغاصب والشعب الإسرائيلي يزداد تطرفاً مما يدعم نتنياهو لا بل يريدون من هو أكثر تعصباً وتطرفاً وإرهاباً  بعد أن أصبح همهم الان هو إقرار يهويدية الدولة التي لا تقبل غير اليهود


أبو مازن بسياسته طويلة النفس وهو المصمم على اجتياز كل الحواجز والعراقيل التي يضعها نتنياهو أمامه وهو الذي ذهب إلى الأمم المتحدة ضارباً بعرض الحائط نصائح أمريكا وضغوط إسرائيل على أمل أن يخترق الجدار والحواجز الإسرائيلية من خلال التعاطف الدولي


والذي ما زلنا نراهن عليه كعرب وفلسطينيين رغم أننا نرى بكل وضوح الإنحياز الأممي الكامل لإسرائيل سواءً من خلال الهيمنة الأمريكية على هيئة الأمم أو من خلال اللوبي الصهيوني الضاغط على معظم دول العالم  , إلا أن القيادة الفلسطينية ممثلة بأبو مازن تعتقد بأن السلوك الفلسطيني المهذب البعيد عن أي عنف سيجبر المجتمع  الدولي من خلال الإحراج  على تعديل سياسته نحو المنطق الذي يقول أن الفلسطينيين يستحقون أن نستمع لهم ونعطيهم شيء ولو على عيون الناس,  ولو من أجل أن نبقى محترمين كهيئة أمم دولية  وكمعنية بالسلام في العالم


ولكن هيهات هيهات فما عاد مكان للخجل ولا للمحترمين ولا للمسالمين ولا حتى للمستسلمين


كل رهانات أبو مازن بائت بالفشل ورغم ذلك لم يتخلى عن أمله في تحقيق معجزة


فما أن طلب منه العاهل الأردني أن يقبل بحوار في عمان حتى وافق رغم كل الاخفاقات


وها هو يرى بأم عينه النتائج وقد قال أن نتنياهو لم يقدم شيء  اللهم هدية متواضعة


(اعتقال رئيس الشرعية الفلسطينية عزيز دويك )


 


متى يتم إعتقال أبو مازن ..!


 


 


وهل هذا مستبعد أو مستغرب ..! كيف وقد حاصروا أبو عمار وقصفوه بالدبابات والمدافع


اليوم يعتقلون  رئيس الشرعية عزيز دويك وهو يمثل شيء كبير في العرف السياسي الدولي


 


إنهم لا يحترمون أحد ولا يعبأون بأحد ما دام لا يلبي مصالحهم ,


فما الذي يمنعهم من إعتقال أبو مازن ..! وبكل بساطة يوقفوه على حاجز تحت حجة أن أحد مرافقيه قام  بعمل ما .. ً فأبو مازن رغم كل سنوات حكمه ومفاوضاته ماذا قدم للإسرائيليين سوى وقف العنف والمقاومة  وهم على العكس كانوا يتمنون  أن تستمر المقاومة ليستمر العنف من طرفهم ,وأعتقد أنه فوت عليهم الفرصة في استنزاف طاقات شعبنا


فماذا قدم لهم أبو مازن مع طول المفاوضات التي استمرت سنوات .!    لا شيء ..


لأنهم أخذوا كل شيء قبل أن يتسلم  السلطة , هم أرادوا أبو مازن لكي يمرروا ما تبقى من مخططاتهم من خلال عامل الوقت الذي هو ملكهم ويتحكمون به وللأسف.


الان ..لم يعد هناك ظهر يحمي أو حتى يقف مع الشعب الفلسطيني


وقد حصل قبل هذا تحت سمع وبصر الدول العربية وقد اجتمعوا في مؤتمر قمة في بيروت وأبو عمار تحت الحصار , ولم يتخذوا قراراً لحماية أو إنقاذ ه  حينها .


 


الشعب الفلسطيني وصل إلى قناعة تامة أن لا فائدة مرجوة من العالم كله  وإسرائيل اليوم ليست كإسرائيل قبل الربيع العربي  فقبل ثورات الشعوب العربية كانت إسرائيل تسير بخطى حثيثة وببرامج معدة سلفاً تنفذها ضمن إطار مرحلي من خلال التمدد والاستيطان ولكن بعد الأحداث الأخيرة بدأت تختصر وتختزل المراحل فهي أمام فرصة ذهبية نادرة في ظل غياب الوعي العربي وتسليط وسائل الإعلام على أحداث المنطقة


إسرائيل اليوم تنظر بفرح شديد لما يجري في الوطن العربي وقد إنشغلت الشعوب العربية بهمومها وخاصة أن عناوينها الان الإصلاحات وإنهاء الفساد الذي استحكم من خلال حكام طغاة جائرين سفاحين قتلة


إسرائيل قامت بأكثر من مجزرة خلال العقود الماضية بينما كان للعرب حضور محلي ودولي فهل رأينا يوماً حمية ً عربية لردع الكيان الغاصب كما نراهم اليوم وهم يحشدون قواهم أمام ما يجري في الدول العربية ..!


 أم أنهم بمجملهم يخشون غضب إسرائيل حتى لا تغضب عليهم أمريكا .!


فما الذي يمنع إسرائيل اليوم  من القيام بمجازر أكبر في ظل الغياب العربي وحتى العالمي .!


لا بل ما يمنعها من قتل الالاف ونحن نشاهد القتل اليومي في أكثر من دولة  عربية


ما الذي يمنعها أن ترهب وترعب الناس وتجبرهم على الرحيل سواء تحت ضغط القتل أو ضنك العيش .!


وحدة الشعب الفلسطيني فقط


 


 


على ماذا نحن مختلفون ... سؤال يطرحه كل فلسطيني .!


وهل حققنا الحلم وأنشأنا الدولة حتى نختلف على من يحكم .. أو من يترأس الدولة .!


أين الضمير الإنساني قبل أن نقول الوطني ..!


أين أنتم من دماء الشهداء أيها المتزعمون والطامحون للحكم  ..أين أنتم من القدس التي تلاشت تحت أقدام المستوطنين ..!


المضحك المبكي أننا سنشد الرحال بعد فترة نحو الانتخابات التشريعية والرئاسية أو المجلس الوطني  ونحن نرى محاولات التعطيل كلما تقدم الوضع خطوة  نحو الوحدة  .


شيء مفرح أن تكون إنتخابات وبدون شك هو بمثابة عرس وطني لأي شعب , ولكن لو فكرنا قليلاً لوجدنا أننا نفرح على شيء وهمي كالاطفال الذين تُسكتهم لهاية ( مصاصة ) لا طعم لها ولا فائدة ,


ولكن المعيب هذا التراكض ليرتب كل فريق حزبه أو فصيله لكي يحظى بالكعكة البرلمانية أو الرئاسية , وعندما أقول معيب ليس بالمعنى الدقيق لأن الانتخابات حق من حقوق الشعب ولكن وبعد أن وصلنا إلى كل ما وصلنا إليه من دمار وهلاك وأرضنا تضيع ووطننا يستباح ولا كرامة لرئيس مجلس تشريعي ولا لرئيس في ظل إحتلال يتحكم بمفاصل الوطن وتحرك أي مسؤول


إلى متى سنبقى نرسل رسائل للعالم بأننا أصبحنا سلطة شبه دولة ونحن في وضع يكاد أن يكون بلديات في ظل إحتلال بديكورات سياسية تحت مسمى حكومة وبرلمان ورئاسة .!


أعتقد أن الشعب الفلسطيني يجب أن يجيب على كل هذه التساؤلات قبل فوات الأوان


ربما عندما تسأل المواطن يقول لك الحمد لله الأمن مستتب والقانون على الجميع ولم يعد هناك فوضى سلاح أو بلطجية , ولكن هل على المدى البعيد هل سيترك العدو الشعب الفلسطيني يعيش بهدوء ..ونحن نرى هذا التصعيد والتضييق ناهيك عن الوضع الإقتصادي الذي يتهاوى رغم كل الترقيعات المؤقتة ..!


فشعبنا مقهور ومقهور جداً على كل الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية ناهيك عن قهره الأساسي على الإحتلال


وقبل أن نشهد أحداثا ً يمكن أن يستغلها الأعداء كما تم إستغلال القهر الشعبي العربي في بعض الدول العربية وبدل أن نوجه غضبنا نحو العدو نوجهه ضد بعضنا لا قدر الله


قبل وقوع الفأس على الرأس


 


إلى متى ننتظر الغارة ..لماذا لا نستبق ما نراه قادم ونهيء أنفسنا له ..!


 


أعتقد أن على التنظيمات الوطنية والإسلامية و الفعاليات الشعبية  كلها مجتمعة أن تدير حواراًَ وطنياً  حراً لتدارس الأوضاع التي آلت إليه الحالة الفلسطينية ليكون الرأي جماعياً عن كيفية توحيد طاقات الشعب الفلسطيني في مواجهة الصلف الإسرائيلي الذي يتصاعد وسيتصاعد أكثر أليس من حق شعبنا أن نفكر بمستقبله ونساعده على كيفية مواجهة الأزمات ..!


بتشكيل لجان للطواري ء ولمواجهة كل التوقعات وحتى أسوأ الإحتمالات .!


وخاصة أن الوضع الفلسطيني ليس كما يجب وكما أن ليس هناك عمق عربي يستند إليه  ونحن نرى أن كل بلد عربي منشغل بقضاياه الداخلية وهو ما يفرح إسرائيل ويجعلها تتصرف بدون أي محاذير  


أعتقد أننا بحاجة إلى وقفة تأمل وتفكر في وضعنا وفتح حوار وطني شامل يتجاوز حتى المصالحة التي نأمل أن تتم بشكل سريع ولا نضيع مزيداً من الوقت في متاهاتها


لأننا جميعاً أمام إستحقاق تاريخي لا مناص منه


 


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت