منظمة التحرير الفلسطينية وخديعة اسمها انتخابات/نجيب كايد

 


يدور الحديث في الوسط الفلسطيني عن توافق بين الفصائل الفلسطينية على اتباع مبدأ التمثيل النسبي والانتخاب المباشر لاختيار أعضاء المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية. لا شك أن هذا الطرح الذي تبناه كثيرون من قادة العمل الفلسطيني جذاب ويحمل الكثير من بريق الديمقراطية، لكنه في الوقت ذاته يمس صلب البنية والدور الوظيفي للمنظمة، وبالتالي يمس المستقبل الفلسطيني بمجمله.


 


عند مناقشة هذا الموضوع علينا أن نتذكر حقيقتين: الأولى أن م. ت. ف إطار جبهوي عريض يمثل كل الفلسطينيين في كل مكان ويعبر عن تطلعاتهم، وبرلمان م. ت. ف (المجلس الوطني) تمثل وتحضر فيه جميع أفكارهم وتوجهاتهم الوطنية الصرفة، والوطنية الأيدلوجية، وحتى توجهاتهم الاجتماعية من خلال تمثيل الشخصيات الوطنية. والحقيقة الثانية هي أن برنامج منظمة التحرير هو برنامج توافقي يمثل على الأقل الحد الأدنى المتوافق عليه بين جميع قوى الشعب الفلسطيني الفاعلة على الأرض، ولم يكن يوماً برنامج الأغلبية النسبية.


 


وخطورة التمثيل النسبي تكمن في كونه سيلغي الحقيقتين سالفتي الذكر، بالتالي سيمس البنية والدور الوظيفي لـ م. ت. ف. فبدلاً من أن تكون إطاراً جبهوياً يمثل الجميع، ستصبح إطاراً يمثل توجهات الفائزين بالانتخابات حصراً، وقد يستثني أفكاراً وجهوداً طالما خدمت القضية وضحت في سبيلها، وسيخسرنا جزءاً من قوانا في وقت نحن فيه بأمس الحاجة لتحشيد كل الجهود. أيضاً سيصبح برنامج م. ت. ف هو برنامج الفائزين بالانتخابات بدلاً من كونه البرنامج المتوافق عليه من الجميع والذي يلتزم به الجميع، وهذا يتعارض مع بنية م. ت. ف كإطار جبهوي توافقي يجب أن يضم كل كفاءة وكل فكرة، ولا يجوز أن يسيطر عليه فريق معين لأنه فاز بالانتخابات في ظروف معينة، ويطلب من باقي الأطراف أن تصمت حتى الانتخابات التالية التي لا أحد يدري إن كانت ستحدث.


 


وهذا لا يعني أنني ضد الانتخابات من حيث المبدأ، بل ضد الانتخاب العام المباشر الذي لا يشترط بالناخب سوى أن يكون قد بلغ الـ18 من عمره، خصوصاً أن هذا الناخب إما متعرض لظروف الاحتلال أو الحصار أو لظروف اللجوء والتشرد التي يفاقم سوءها خطر مشاريع التوطين، وكلها ظروف جديرة بأن تجعل خياراته مشوبة وغير واعية. وقد جرت العادة عند اختيار أعضاء المجالس الوطنية أن يكونوا منتخبين ولكن من قواعدهم، فأعضاء النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية الذين يمثلون بالمجلس الوطني، هم بالضرورة منتخبون من قواعدهم وقطاعاتهم، وهي قواعد تمتلك مؤهلات أكثر من بلوغ سن الـ18، والأمر ذاته ينطبق على ممثلي الفصائل، وحتى على الشخصيات الوطنية.


 


هذا الموقف الرافض للانتخاب المباشر حتى بنظام التمثيل النسبي بالتأكيد ليس خوفاً من الانتخابات، بل خوفاً على م. ت. ف (وطننا المعنوي)، وتاريخياً لم يكن لحركة فتح الأغلبية في المجلس الوطني من حيث عدد الأعضاء، ولم يكن برنامج م. ت. ف برنامج فتح، بل إن برنامج التحرير المرحلي طرح من قبل الجبهة الديمقراطية والتزمت به فتح والفصائل الأكثر شعبية من الديمقراطية باعتباره برنامج حد أدنى من التوافق الوطني.


 


الذين انطلقوا بالثورة الفلسطينية وصنعوا لمنظمة التحرير مكانتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني لم يفعلوا ما فعلوا لأنهم انتخبوا من قبل الشعب، ولم يصبحوا قادة ورموزاً للأجيال الفلسطينية لأن اللعبة الديمقراطية أفرزتهم، بل لأنهم أخذوا بزمام المبادرة، وحملوا هم القضية على عواتقهم، وضحى كل واحد منهم بحياته الشخصية وبمستقبله المهني والوظيفي وقدم كل ماله للثورة  قبل أن يقدم روحه، فاكتسبوا الشرعية الثورية الوطنية. وهنا قد يقول قائل: إن المناضل الكفؤ سينتخب بطبيعة الحال إذا ترشح للمجلس الوطني أو للأطر القيادية، وهذا الطرح به مقدار كبير من المثالية وعدم الواقعية، والتجارب في هذا المجال كثيرة فلسطينياً وعربياً.


 


في حالة الدول المستقلة ذات المؤسسات الراسخة يختلف الوضع وتصبح الانتخابات بنظام التمثيل النسبي حلاً مناسباً لتداول السلطة، أما في حالتنا وحالة م. ت. ف كإطار جبهوي فإن حكم الأغلبية ليس مقبولاً، لأننا نحتاج لكل الجهود وكل الكفاءات، بالتالي يجب أن يكون الأمر شورى بين الجميع وأن يكون برنامج العمل توافقياً تنخرط فيه كل الجهود. إضافة إلى ذلك تتميز حالتنا بأنها لا تحتمل الأخطاء، فكل قرار بحد ذاته قد يكون خطوة على طريق التحرير أو خطوة على طريق الهاوية، لذلك لا بد أن نضع في موقع صنع القرار سواء في المجلس الوطني أو المركزي أو اللجنة التنفيذية نخبة النخبة من كفاءاتنا ومناضلينا، والذين أثق أن صناديق الاقتراع ستقصي كثيراً منهم.


 


شعبنا شعب عظيم قدم ويقدم من التضحيات ما لا يحصى، ولكن علينا أن ندرك تمام الإدراك أننا لسنا حوالي 11 مليون ملاك موزعين بين الوطن والمنافي، ولا أحد يستطيع إنكار أن الانتخابات تكون عناوينها العملية هي العشائرية والجهوية وطرود "الخير" والفتاوى والمصالح الشخصية وبأرقى الأحوال المصالح الحزبية، فهل يجوز أن نعطي مقعد مناضل تاريخي طليعي في منظمة التحرير لانتهازي يستطيع أن يدفع جيداً لفريق علاقات عامة محترف ينظم له حملته الانتخابية؟، وهل يجوز أن نسلم م. ت. ف بأيدينا لمن سعوا لإنهائها على مدار تاريخها، وعندما يئسوا بدؤوا يحاولون الاستيلاء عليها، ونضع الأيادي على الخدود بانتظار الانتخابات القادمة؟، وهل يجوز أن تنطلي علينا خدعة الربيع الأمريكي الإخواني تحت عناوين الديمقراطية وإعادة التفعيل؟ بعد كل هذه السنين من النضال؟.


 


الطريق الصحيح والآمن لتفعيل م. ت. ف، يبدأ بتفعيل القوى والفصائل والنقابات والاتحادات الشعبية والتي قيادتها تكون منتخبة من قواعدها الشعبية سواء في الوطن أو في الشتات، وهذا سيكون موضوع مقال لاحق إن شاء الله.



نجيب كايد


كاتب وإعلامي


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت