لا تزال الدموع هي القدر المكتوب على عيون شعبنا الفلسطيني ، بكت عيون الرجال ، واحمرت عيون الأمهات فرحا وحزنا لكثرة ما ودعن من الأبناء الشهداء ، وها هو نحيب الأطفال الذين فقدوا الآباء يواصل الطرق على جدران الزمن الذي لا يزال يرفض أن يرأف بهم ، فلا مجيب غير الله في السماء لهذا الصراخ الذي أرسلوا صداه لكل العالم ، ولكن على هذه الأرض لا أحد يريد أن يسمع ويفضل أن يلعب دور الأصم لأنه يريد أن يتهرب من اتخاذ الموقف المنحاز إلى جانب الحق والعدالة .
لقد علقت فلسطين فصول مأساتها و نكبتها كثيرا على شماعة الموقف الدولي ولكن بلا فائدة ، فالنتيجة دائما كانت تنتهي بالمزيد من الإنحياز الأعمى وغير النزيه إلى جانب هذا العدو الصهيوني الفاشي والمجرم ، وبح صوت الشعب الفلسطيني وهو ينادي ويستغيث ويناشد الأشقاء العرب ، ولكنه ما كان يجد سوى البيانات الضعيفة والعاجزة ، والتي ما كان يفوح منها إلا أبشع الروائح ، حتى أن بعضهم ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فاختار الصلح والإعتراف والتطبيع الرسمي مع هذا العدو الغاصب .
وهكذا فإن القول السابق يدلل ويؤكد على أن المراهنة على تغيير ملموس وجدي في الموقفان الدولي والعربي إنما هو أقرب إلى من يبحث عن الماء في سراب الصحراء القاحلة ، فمنذ أن وقف الراحل أبو عمار ملوحا بغصن الزيتون على منصة الأمم المتحدة عام 1974 ، وحتى وقوف رئيس السلطة أبو مازن ملوحا بخطابه التاريخي على ذات المنصة في أيلول / سبتمبر من العام الماضي ، فإن شعبنا لم يستقبل إلا المزيد من المجازر والقتل وأبشع ما يمكن أن يندرج في القائمة من ألوان التعذيب والتنكيل والظلم والإضطهاد والتي يجب أن يندى لها جبين الإنسانية وحيثما تكون .
وحتى تتضح خيرات هذا الربيع العربي التي نتمنى أن يحملها على متن قطاره الذي يتنقل بين العواصم ، فإننا ندعو شعبنا وكل قواه الوطنية إلى التسليم بحقيقة أن كرة القضية قد أصبحت ملقاة تماما في المرمى الفلسطيني ، وبالتالي فإن صعوبات وعقد الملهاة الفلسطينية لن ترى الحل إلا بواسطة اليد والجهد الذاتي النابع والمتدفق من طاقات شعبنا وفي المقدمة منه جيل الشباب الذين عليهم نراهن وعلى أكتافهم نعقد الراية واللواء ، هم الرجاء والأمل بعد أن ضاقت السبل بالكهول من المناضلين الذين تعبوا وشابوا وخارت قواهم فقرروا استبدال المقاومة بعبث المفاوضات والسلام الوهمي الكاذب .
لقد كان الأطفال الصغار وقبل الكبار في مقدمة الصفوف حين اندلعت الإنتفاضة الباسلة الأولى ، فاستحقوا وعن جدارة لقب أبطال الحجارة الذين بهروا العالم بشجاعتهم وبالجرأة التي أبدوها في معارك المواجهات اليومية مع قطعان المرتزقة من جيش هذا العدو ، فهل يستطيع كائن من يكون أن يشطب أفعالهم الخارقة من سفر التاريخ الفلسطيني ؟.
أين هم اليوم هؤلاء الأطفال الذين انتقلوا على جناح الزمن إلى مواقع الرجال ؟ أنا متأكد أنهم ليسوا في الأجهزة الأمنية التابعة لهذه السلطة ، وأنا على يقين بأن أكفهم تحن إلى الحجارة الطاهرة وإلى البنادق الصادقة التي حملتها ذات الأيدي في الإنتفاضة الثانية ، وأنا على ثقة بأن الشوق يقتلهم لرؤية أنفسهم من جديد في حرب المواجهة مع عدوهم ، ولا بد بأن زجاجات المولوتوف تشتعل في صدورهم وبعد أن منعوا عليهم نيل شرف إلقائها على دوريات وخنازير الجيش المجرم ، فماذا ينتظرون يا ترى ؟ وهل أصبح مستحيلا عليهم تجاوز الحواجز و المعيقات التي أوجدتها هذه السلطة بينهم وبين الزناة الغاصبين ؟.
بالأمس نقلت لنا الأخبار أن الشباب في الضفة وغزة يستعدون لقرع الطناجر في بداية الشهر القادم تعبيرا عن غضب هذا الشعب من قياداته في السلطة ، والمنظمة ، والفصائل ، و ذلك لأنها فشلت فشلا ذريعا في إدارة دفة هذا الصراع ، نعم ، فهذه القيادات أفلست تماما إلا من رحم ربي ، وها هي تتحول إلى عبء وكابوس يؤرق مضاجع شعبنا الحر والأبي والذي يريدون تحويله إلى تجمع بشري في أقفاص شبيهة بتلك التي يحشر فيها دجاج المزارع الذي ينتظر العلف مع طالع كل صباح .
وعليه ، فهل يكفي أن نقرع لها القدور والصواني ؟ لا ، وألف لا ، فهذا لا يفي أبدا ، فحراك شبابنا والتعبير عن الرفض لأوضاع وظروف الذل التي تريد فرضها هذه السلطة يليق له ما هو أكثر تأثيرا من أدوات المطابخ ، و لأننا نعلم كيف يكون الجمر متقدا تحت الرماد ، لذا ، و بالرغم من كل ما يحاك تحت الموائد فلا أمل لفلسطين و شعبها إلا عند هؤلاء الشباب ، والذين إذا ما إنتفضوا في مدنها و قراها و كل شوارعها و مدارسها و جامعاتها فسوف يقلبون كل الموائد ، و لهذا فقط ستقرع أجراس الكنائس و يعلوا التكبير فوق عالي المآذن ، و عندها فلنتخيل كم سيكون الربيع جميلا في السهول و الروابي و السفوح الفلسطينية !.
د.امديرس القادري
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت