عندما رفض الفلسطينيون الموافقة على الطلب الإسرائيلي الاعتراف بيهودية الدولة، أو بدولة الشعب اليهودي، كانوا يعرفون حجم الأبعاد الخطيرة لمثل هذا الاعتراف على المواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، والذين يزيد عددهم عن مليون ونصف مليون مواطن، فالسياسة الإسرائيلية تنتهج أساليب مختلفة للحد من عددهم المتزايد، فبعد أن كان عددهم (160) ألفاً في أعقاب حرب 1948، أصبح اليوم-وكما أسلفنا-يزيد عن مليون ونصف المليون مواطن، يحملون الجنسية الإسرائيلية، ففي أعقاب مسلسل التشريعات العنصرية الإسرائيلية، وخاصة التي تجري في عهد حكومة "نتنياهو" اليمينية، تنتهج إسرائيل تصفية عرقية لهؤلاء المواطنين، مما يتطلب رفض مثل هذا الاعتراف ألف مرة حتى وإن كان مثل هذا الاعتراف يعني إنهاء الاحتلال واقامة الدولة، خاصة في أعقاب قانون الجنسية الجديد الذي أقرته المحكمة الإسرائيلية العليا، فهناك المزيد من التحول العنصري، والعداء العلني - من خلال التشريعات والممارسات- للمواطنين العرب داخل إسرائيل، بعد أن اعتبر الكثيرون أن المحكمة العليا ملاذهم الأخير للحصول على حقوقهم من طغيان الأكثرية، فقد كانت هذه المحكمة أكثر اعتدالاً من السلطة التشريعية، ممثلة بالكنيست، والتنفيذية ممثلة بالحكومة، فقد جاء قرار المحكمة منسجماً مع أجواء التطرف، مانحاً الضوء الأخضر للمزيد من القوانين العنصرية، وقوانين نهب الأراضي، وحقوق المواطنين العرب في الداخل.
في وزارتي الداخلية والعدل الإسرائيليتين يعدون صيغة جديدة لقانون الجنسية، يعتمد على قوانين الطوارئ، ليكون بديلاً لقانون الجنسية المعدل، الذي ينتهي بتاريخ 21-1-2012، فالصيغة الجديدة للقانون تلغي مبدأ جمع شمل العائلات للمتزوجين من الأراضي المحتلة ومن الخارج للفلسطينيين في الداخل، تحت ذريعة وجود مواجهات مسلحة وأعمال عدائية بينها وبين إسرائيل، فقد بقي التعامل بنظام جمع شمل العائلات حتى انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث قررت الحكومة الإسرائيلية تجميده لمدة عام، وأوقفت الاستجابة لطلبات جمع الشمل، وفي كل عام يجري تجديد هذا المنع، وفي هذه الأيام-وكما أسلفنا- يجري الإعداد لقانون جديد للجنسية، والهدف واضح، هو عدم السماح بإدخال المزيد من الفلسطينيين لوطنهم، على اعتبار أن جمع الشمل –في نظر الإسرائيليين- تجسيد لحق العودة المرفوض إسرائيلياً، وسيصبح الحصول على الجنسية الإسرائيلية-وفقاً للقانون الجديد- له ثلاثة مسارات، الأول وهو أعلى السلم لجمع أسر العائلات اليهودية، والثاني للأجانب مِن غير العرب،
أما المسار الثالث، وهو في أسفل السلم، سيكون للفلسطينيين، وهذا يتناقض مع مبدأ المساواة والديمقراطية التي تتبجح بهما السلطات الإسرائيلية.
إن رياح الشيطنة تهب على المحكمة العليا، بعد أجواء التطرف، وهناك اتهامات للعليا- من قبل اليمين- بأنها ليبرالية أكثر من اللازم، وقد تم مؤخراً إجراء تعديل لقانون اختيار قضاة العليا، الأمر الذي أتاح تعيين قاض من المستوطنين لأول مرة، ففي الالتماس الذي قدم عام 2007 باسم عائلتين عربيتين ضد وزير الداخلية، والمستشار القضائي للحكومة، أبطلت العليا قانون المواطنة، ومنع التمييز بين مقدمي طلبات لم الشمل مهما كانت قوميتهم، فالعليا اعتبرته غير شرعي بسبب الحظر الشامل الذي يتبناه، الأمر الذي دفع بالكنيست إلى تعديله، وفي الآونة الأخيرة، تقدمت إلى العليا التماسات لإلغاء القانون في أعقاب تعديله، إلا أن العليا لم تستجب لتلك الالتماسات بأغلبية ستة قضاة، مقابل خمسة أيدوا إلغاءه، فأحد القضاة الرافضين قال:" إن حقوق الإنسان لا تعد وصفة للانتحار قومياً"، بينما قال القضاة المستجيبون للالتماس:"إن القانون يمس بالعدالة والمساواة الاجتماعية، ويمس بحقوق المواطنين العرب داخل إسرائيل"، وتوالت ردود الفعل على قرار المحكمة، فنائبة الكنيست من حزب ميرتس اليساري "زهافا غلئون"، وهي من ضمن الذين قدموا الالتماس إلى العليا، قالت: "أنا أشعر بالأسف لأن العليا لم تنتهز الفرصة لتعديل القانون، ومحو إحدى الوصمات المخزية على جبين هذا القانون، الذي يمس مساً خطيراً بحقوق الإنسان، وكأن إسرائيل تقول للمواطنين العرب: نحن نفتك بحقوقكم بسبب انتمائكم القومي، وإذا أردتم أن تحققوا حقكم بالزواج من مواطنة من الخارج، أخرجوا من البلاد، أي طردهم بصورة عملية"، من جهة أخرى، فإن منظمات حقوقية إسرائيلية أدانت إذعان العليا لضغوط اليمين بتبني قانون الجنسية العنصري، وقالوا:" إن هذا القرار تفوح منه رائحة عنصرية حتى وإن كانت لأسباب ديمغرافية"، واعتبر النواب العرب في الكنيست قرار العليا-رفض الالتماس ضد قانون منع لم الشمل- وصمة عار على جبين كل واحد من القضاة الستة الذين أقروه، فهذا القرار استند إلى عقيدة عنصرية ترى بالمواطنين العرب ضيوفاً في وطنهم، وقال النائب "أحمد الطيبي" بأن قرار العليا يسكب برميل ماء على الأقلية العربية في إسرائيل، إذ أن معنى قرار العليا بأن كل فلسطيني من الداخل يتزوج من شريكة حياته من الأراضي المحتلة، أو من الخارج، بأن عليه مغادرة وطنه إذا أراد العيش مع زوجته باعتبار أن هذا الزواج يعتبر مؤامرة ضد أمن إسرائيل، فتحت ذريعة الأمن يسلبون الحقوق الأساسية للمواطنين، ويهدمون حياة آلاف الأسر الفلسطينية، وهو طرد بحماية القانون.
إن خضوع العليا لإملاءات اليمين الإسرائيلي هو إقرار لكل بشائع وجرائم الاحتلال، من نهب للأراضي والاستيطان والاغتيالات والإبعادات وفي كل مجالات الحياة، من موازنات ومن الإسكان والتعليم والزراعة والتشغيل، مما يتطلب فضح هذه السياسة والقوانين في المحافل الدولية، فالمحكمة أصبحت أداة بيد السلطات في عملية التهجير والإبعاد الصامت، فإسرائيل تخشى من ازدياد أعداد العرب في الداخل، ومن تغيير المعادلة الديمغرافية، فرئيس وزراء إسرائيل الأول "دافيد بن غوريون"، ومن أجل زيادة عدد الإنجاب لدى اليهود، أقر منح (100) جنيه فلسطيني لكل من تنجب عشرة أبناء فما فوق، حيث كان عدد اليهود (600) ألف فقط بعد إقامة إسرائيل، وتبين أن معظم الذين حصلوا على هذه المنحة كانوا من العرب فألغى القرار.
التاريخ : 25/1/2012
المقال الأسبوعي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت