مضى ما يزيد عن شهر على عقد جولة الحوار التي شهدتها القاهرة في الثامن عشر من الشهر الماضي واتفق خلالها على آليات تنفيذ ما كان قد اتفق عليه في الرابع من ايار الماضي وعرف حينها باتفاق المصالحة الذي بقي يراوح مكانه حبيسا للقاءات والاجتماعات الثنائية يتقاذفه الفيتو بين حركتي فتح وحماس الى أن عاد الراعي المصري ودعا كافة القوى الوطنية والاسلامية لبحث سبل تنفيذ ما اتفق عليه ، وهكذا كان فقد اتفق المجتمعون في تلك الجولة على آليات لتنفيذ اتفاق ايار في مختلف الملفات حيث اتفق على تشكيل لجنة الانتخابات المركزية و لجنة للحريات العامة كما اتفق على بدء عملي لجنة المصالحات المجتمعية كما تم تحديد موعدا لتشكيل الحكومة وتوافق الجميع على ان يكون نهاية شهر كانون الثاني موعدا للانتهاء من كل تلك الملفات، هذا وقد توجت تلك التفاهمات باجتماع الثاني والعشرين من الشهر ذاته للجنة القيادية العليا لمنظمة التحرير بمشاركة الامناء العامون جميعا مما أضفى شيء من الطمأنينة على مستقبل عملية المصالحة وأوحى بجدية اطراف الانقسام على انهائه. في حينها اعتبر الجميع ان ما شهدته تلك الجولة كان مريحا وايجابيا، لكننا قلنا في حينه ان ما تحقق ايجابي لكن العبرة في التنفيذ ودعونا الى مراقبة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه والاستعداد للضغط من أجل تنفيذ ما يتم التلكوء بتنفيذه.
بنظرة متسائلة لما تم تنفيذه ، يمكنني القول أن ما تم تنفيذه حتى الآن لا يرتقي لمستوى الطموحات ولا يلبي تطلعات كل الذين يعتبرون إنهاء الانقسام أولوية وطنية لابد من تنفيذها، ولأن الأمر كذلك فقد بدأ الاحباط يتسلل الى أوساط كل المتابعين والمهتمين الذين يلحظون انه بالرغم من كل التصريحات الايجابية من هنا وهناك بأن لا شيء ملموس يجري على الارض، صحيح أن اللجان عقدت اكثر من إجتماع لها لكن الصحيح أيضا أنها ما زالت أسيرة الترتيبات الادارية داخل القاعات التي تجتمع فيها، فعلى صعيد لجنة الحريات ما زال ملف الاعتقال السياسي كما هو عليه، رغم وعود الطرفين بإنهائه وقد أقتصر الامر في هذا الجانب على تبادل قوائم المعتقلين حيث تبين أنه يرزح في سجون الاجهزة الامنية في الضفة الغربية104 معتقلين بينما يرزح في سجون الاجهزة الامنية في قطاع غزة 57 معتقلا ،كما تبين حتى الآن أن الصحف ما زالت ممنوعة من التوزيع في قطاع غزة كما الضفة رغم الحديث المعسول عن الموافقة على توزيعها ، وهنا أتساءل هل يوجد عاقل في عصر الانترنت يمنع توزيع صحيفة ،، ببساطة شديدة إنها قمة التخلف والاستبداد فقد أصبح بإمكان أي مواطن الاطلاع على كافة الصحف دون عناء عبر الشبكة العنكبوتية ،، فلماذا التفلسف إذن ؟ أما بشأن جوازات السفر فقد علمنا من خلال الاتصالات أنه لا يوجد مشكلة في ذلك باعتبار أن جواز السفر حق لكل مواطن ، نأمل أن يكون ما أعلن عنه صحيحا وأن لانعود ونسمع الشكاوي بتجدد هذه المشكلة دون تحديد واضح لمعالمها ، أما الأمر الاخر فيتعلق بالسماح لمن غادروا القطاع بتداعيات الانقسام بالعودة له، ما يلفت النظر هنا ما صدر عن الاخ ابو العبد اسماعيل هنية بالسماح بعودة 80 شخصا من هؤلاء الى قطاع غزة ، هذا امر ايجابي ، لكنني حزنت بصدق وتساءلت هل تحتاج عودة الفلسطيني الى وطنه وبيته الى كل ذلك هل بات الفلسطيني يحتاج الى أذن من جهة فلسطينية لتحقيق ذلك ونحن شعب ذقنا مرارة اللجوء، بالاضافة لكل ذلك فما زالت الاستدعاءات على حالها في الضفة كما في قطاع غزة كما لم يستجب اي من الطرفين للنداءات المتكررة التي يطلقها اعضاء لجنة الحريات لانهاء هده الملفات المخجلة .
من ناحية اخرى وعلى ذات الطريقة السلحفائية في السير لتنفيذ اتفاق المصالحة فقد عقدت لجنة المصالحات المجتمعية ثلاث اجتماعات جلها تركزت على توزيع المهام بين اعضائها، لكنها لم تنطلق حتى اللحظة لتنفيذ مهامها وأضنها لن تتمكن إذا لم تتوفر لها المناخات والظروف الملائمة وفي مقدمتها نجاح لجنة الحريات في فكفكة الملفات التي تعمل عليها ناهيك أن نجاح عملها مرتبط دون شك بتشكيل حكومة التوافق الوطني التي سترعى عملية المصالحات المجتمعية برمتها وتوفر كل مستلزمات النجاح لذلك.أما فيما يتعلق بلجنة الانتخابات المركزية التي شكلت بالتوافق واصدر الرئيس مرسوم تشكيلها ، فقد تمكنت اللجنة بعد طول انتظار ومماطلة من تسلم مقرها في قطاع غزة في الخامس والعشرين من كانون الثاني ونحن نعتقد ان المحك العملي للتقدم في عملها يتمثل في قدرتها على البدء بعملها وفتح مقراتها في مختلف المحافظات بما في ذلك تحديث السجل الانتخابي وفقا لما قررته في اجتماعاتها الاخيرة .
وتجدر الاشارة هنا أن اللجنة الخاصة بانتخابات المجلس الوطني قد اجتمعت في عمان في الخامس عشر من كانون الثاني بحضور ممثلي كافة الفصائل وحققت تقدما في القضايا المطروحة على جدول اعمالها وقد اتفقت رفع توصياتها للاطار القيادي وعلى مواصلة عقد اجتماعتها ووانجاز ما كلفت به .
من خلال ما تقدم يمكن للمرء ان يلاحظ دون عناء أن السير في تنفيذ اتفاق المصالحة يسير ببطء السلحفاة في ملفات ويتعثر في ملفات اخرى بل تهب على هذه المسيرة السلحفائية بين الفينة والاخرى موجات من التراشق الاعلامي والاتهامات المتبادلة بين طرفي الانقسام تكاد تطيح بكل ما يتم انجازه ، ويبدو ان مجموعات المصالح والمنتفعين من استمرار الانقسام يطلون برؤوسهم كلما تقدمت مسيرة المصالحة للامام مما يستوجب محاصرتهم وفضحهم امام الشعب الذي مل العيش في ظل هذا الانقسام البغيض ، خاصة وان القرار السياسي والارادة السياسية بإنهاء الانقسام كما فهمنا ولمسنا متوفر لدى أعلى المستويات الامر الذي يطرح تساؤلا مشروعا لمصلحة من يعمل هؤلاء الذين يعطلون تنفيذ الاتفاق، ومن أجل الخروج من هذه الدوامة ، دوامة الفجوة القائمة بين المستوى السياسي والمستوى الميداني التنفيذي أظن أن الاجتماع القادم للاطار القيادي لمنظمة التحرير الذي سيعقد حسبما هو متفق مطالب بأن يضع حدا لذلك وأن يتفق على تشكيل لجنة تتولى متابعة عمل اللجان والتدخل عند اللزوم لضمان تنفيذ كل مما يتفق عليه دون مماطلة أو تسويف.
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت