الحركة الإسلامية ... وتحديات التغيير /د. منذر رجب

 



بدايةً لا بد أن نعترف بأن التحولات الجارية في عالمنا العربي قد باغتت الحركة الإسلامية وقيادييها في سرعتها وليس في إمكانية حدوثها لأن الكل كان متيقننا بأنها ستحدث وذلك تبعاً لسنن التغيير الكونية النافذة في الأرض حيث دوام الحال من المحال وبعد سواد الليل لا بد من إنبلاج الفجر وهو ما عبر عنه الدكتور محمود الزهار قائلاً بأن الذي يحدث الآن هو ظاهرة كونية متجددة فعندما يسود الظلم والقهر والحصار والفقر والتجويع والإستبداد في أمة ما فلا بد وأن تحدث لها حركة تجديد ونهضة ويصعد جيل رباني جديد يجدد لها عزيمتها ويعيد لها حضارتها .


 



إن الرابح الأكبر من الثورات العربية على المستوى الحزبي كان و بلا شك الحركة الإسلامية وهذا ما عبرت عنه الشعوب الثائرة في صناديق الإقتراع بقولها نعم للإسلاميين وكيف لا يكون لها ذلك وهي التي ضحت وصمدت وعانت من ظلم الأنظمة القمعية البائدة وإستبدادها وذاقت ويلات إجراءاتها ومخططاتها الإقصائية طيلة العقود الماضية كيف لا وهي التي كانت الأقرب إلى شعوبها في آمالها وآلامها وتحقيق طموحاتها ولا نبالغ إن قلنا بأنه قد حانت الآن ساعة العمل التي إنتظرتها الحركة منذ ثمانين عاما أي منذ تأسيس الجماعة على يد الإمام الشهيد حسن البنا في مدينة الإسماعيلية عام 1928.

بينما كنت أكتب هذه السطور وأتأمل حال أمتنا وربيعها المزهر راحت تحدثني نفسي قائلة آه لو كان القادة الأئمة الشهداء حسن البنا وأحمد ياسين بيننا ليروا هذا التحول الكبير الذي نحياه وليروا مبايعة جماهير الأمة للحركة الإسلامية في فلسطين و مصر وتونس والمغرب وغيرها من البلدان الإسلامية وسرح بي الخيال بعيدا ولكن سرعان ما جائني الرد بأن هؤلاء القادة العظام رأوا بالتأكيد كل ذلك وبكل تفاصيله وأبعاده قبل إستشهادهم ولو لم يكونوا قد رأوه بالفعل لما إستطعنا أن نصل الى ما وصلنا إليه الآن فهذا هو نتاج غرسهم وتضحياتهم وهذا هو شأن الرساليون أصحاب الأفق البعيد وأصحاب الدعوات الربانية .


 



ولا تزال كلمات الإمام الشهيد حسن البنا في خطابه في المؤتمر الخامس ترن في مسامعنا وهو يقول للإخوان لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد ولا يزال في الوقت متسع ولا تزال عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم رغم طغيان مظاهر الفساد والضعيف لا يظل ضعيفا طول حياته والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين . 


 



إن وصول الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم في العديد من الدول العربية وضعها في دائرة الضوء محليا وإقليميا وعالميا وأحدث ذلك تغيرات دراماتيكية في خارطة العمل السياسي والحزبي العربي وكذلك إرباكات وصدمات لدى صناع القرار الأوروبيين والأمريكان بحيث وجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل مع هذه المتغيرات والتعاطي مع نتائجها مهما كانت وأصبحنا نرى سفراء أمريكا والإتحاد الأوروبي يحجزوا مواعيد للقاء قادة الإخوان المسلمين في مكاتبهم في القاهرة وغيرها وأصبحت توجه الدعوات من أمريكا وغيرها للشيخ راشد الغنوشي الذي كان قبل وقت ليس بالبعيد على قائمة الممنوعين من دخول هذه البلاد وحتى الحج والعمرة منع من أدائهما في يوم من الأيام .

إنني عندما أكتب عن تحديات فإنه يبادر إلى الذهن فورا النظرة التشاؤمية والخوف من القادم كمن يضع العصي في دواليب القاطرة ولكن على العكس أقول بأن الهدف من هذا هو التحليل للواقع والنقد البناء المطالبين به خاصة وأن هذه الأحداث والتغيرات التي تعيشها الأمة هي تاريخية و مصيرية وتعدت البعد الإقليمي لها وأصبحت محط أنظار العالم ككل وأن نجاح الإسلاميين سيكون له ما بعده بإذن الله وسيحدد حجم نفوذهم ومكانتهم على الخريطة الدولية في العقود القادمة وإن غدا لناظره قريب .


 



عودة على بدء نقول بأنه إزاء هذه التحولات التاريخية تواجه الحركة الاسلامية تحديات داخلية و خارجية ضخمة، من شأنها إعاقة مسيرتها وإظهارها بعدم القدرة على القيادة وبأنها غير جديرة بالحكم ولا شك بأن التحديات الداخلية هي الأشد خطورة، والأعمق أثرا والأكثر قدرة على الإفشال .


 



تحدي الإنفتاح السياسي وموائمة الخطاب:
إن سرعة التحولات و التغيرات الحاصلة في المنطقة وضعت الحركة الإسلامية أمام تحدي الخروج السريع وأخذ زمام المبادرة لقيادة الجماهير وهي ما أحسنت صنيعه حتى اللحظة وبجدارة في كل من مصر وتونس إذ أنها خرجت من مناخ الخوف والقلق والعمل السري والحذر التنظيمي وبسرعة إلى فضاءات العمل العام في ظل إرتكانها إلى مناخ ديمقراطي آمن نسبيا ودعم شعبي كبير يراهن عليه .


 



أمام هذا الخروج السريع وجدت الحركة الإسلامية نفسها مطالبة بإعادة ترتيب أوراقها وموائمة خطابها ورؤاها الفكرية بما يتناسب مع هذه المتغيرات ومع بيئة التحول الديمقراطي الجديد إذ أن مرحلة الدولة غير مرحلة الدعوة، ومرحلة الإبتلاء بالشر غير مرحلة الإبتلاء بالخير.. ولكل منهما خطابه وخططه وبرامجه فكما كان لمكة قرآنها وخطابها كان للمدينة أيضا قرآنها وخطابها ولكل منهما خصائصه وميزاته والتقسيم مرتبط بالمرحلة لا بالمكان .


 



إن الظروف السياسية التي تمر بها الأمة تتطلب من الحركة الإسلامية وعيا سياسيا كبيرا وأفقا بعيد المدى يرتكز على إعتماد مبدأ الشراكة السياسية وعدم التفرد في الحكم في هذه المرحلة بالذات والإنفتاح على الآخر وإقامة التحالفات معه لأن العمل الحزبي هو في نهاية المطاف جهد بشري يعتريه الخطأ والنقصان والأحزاب والقوى الأخرى بإمكانها تعبئة هذا النقصان لأن كل منها يرى أمورا وأشياء لا يراها الأخر ( طبعا بشرط وجود النضج السياسي وصفاء النوايا لدى الجميع ووضع مصلحة الوطن في المقدمة وعدم عرقلة كل حزب لمنجزات غريمه من الأحزاب الأخرى ) وهذه النقطة نجح بها حزب النهضة التونسي بجدارة وتبعه العدالة والتنمية المغربي وهو ما نتمنى حدوثه في مصر أخذين بعين الإعتبار بأن لكل بلد ظروفه وخصوصيته السياسية . 


 



كما ويجب على الحركة الاسلامية أن تضع نصب أعينها بأن فوزها في الإنتخابات الحالية هو تفويض من الشعب لها لقيادته لدورة إنتخابية واحدة وليس تفويض أبدي مطلق أو تذكرة ون ويي أو صك مفتوح وهو ما يتطلب منها بأن تبقى لصيقة بشعوبها كما كانت تسعى لخدمتها وتحقيق مصالحها حتى يرفعها على الأعناق ويجدد لها هذا التفويض في المرة القادمة حيث أن مصير أي تجربة حكم يتحدد بحجم ما تحققه من إنجازات أو يعتريها من إخفاقات .


 



تحديات الوضع التنظيمي الداخلي :
لقد أدت ممارسات الدولة القمعية وسلوكها البوليسي وإتباعها أسلوب الإجهاض المبكر بحق الحركة الإسلامية إلى تحول الأخيرة الى ما يشبه “التنظيم المنغلق ”فنرى أنها مارست العمل العلني في الكثير من البلدان بعقلية التنظيم السري ظنا منها بأن الإغراق في الإنفتاح سيكلفها الكثير ويودي بها إلى حيث أرادت الأنظمة أما وفي ظل الربيع العربي وبعد زوال بعض هذه الأنظمة فإن الحركة الإسلامية تقف اليوم أمام تحدي طي هذه المرحلة بسرعة رغم مآسيها والإنتقال من العمل شبه المنغلق إلى الإنفتاح والعلن وتحمل متطلباته من مراجعة المجتمع لها ومحاسبتها على تصرفاتها ومسائلتها عن مصادر تمويلها و طرق صرفها .


 



كما وأثر السلوك القمعي سابق الذكر على التركيبة التنظيمية للحركة إذ فرض عليها نوعا محددا من العلاقة ما بين القيادة والأفراد قائما على إرسال الأوامر من فوق وعلى القاعدة التنفيذ تحقيقا لمبدأ السمع والطاعة وتجنب الجدال الذي تربي عليه أفرادها مما أدى إلى إختفاء روح الشورى الحقيقة والقدرة على المناقشة الجادة والثرية للقرارات الفوقية كما وأدى ذلك إلى إغتيال روح النقد البناء .


 



إننا في ظل التحول الديمقراطي سوف نجد قادة الحركة الإسلامية تحت قبة البرلمان خاضعين للمسائلة والتحقيق من قبل زملائهم أعضاء الأحزاب الأخرى في قضايا هامة جدا سياسية كانت أو إقتصادية أومالية وعليهم الرد بكل شفافية وإنفتاح سواء داخل البرلمان أو على الهواء مباشرة في ردودهم على المقابلات الصحفية .


 



وما دام الأمر كذلك فالأولى تحقيق وتثبيت هذا المبدأ القائم على الشفافية والمسائلة داخل الحركة أولا أي بين أفرادها وتعويدهم على فلسفة المراجعة والتصحيح والنقد الذاتي وتقبله دون الخوض في الجدل المنهي عنه . 
بمعنى أخر الحركة الإسلامية مطالبة بتحويل العلاقة القائمة بين قادتها وأفرادها من السمع والطاعة إلى السمع والطاعة والمشاركة والمسائلة والشفافية والنقد البناء .


 



تحدي الفصل بين الحزب والحركة وتوطين العمل
إن التغيرات الحالية تضع الحركات الإسلامية أمام تحدي الفصل بين الجماعة والحزب و بين الدعوي والسياسي أو بمعنى أخر الخروج من عباءة الحزب والحركة إلى فضاء الوطن وتوطين العمل بحيث يصبح وطنيا ويتعدى الإطار الحزبي الضيق وينخرط الكل العام في معركة البناء والنهوض وهي أشياء لم يعهدها الإسلاميون من قبل .


 



ويمكن هنا الإستئناس بنموذج حزب التنمية والعدالة التركي؛ الذي إستطاع تقديم نموذج للجمع بين مجالي الدعوة والسياسة من حيث الممارسة، وتحديد إطار فاصل بينهما؛ بحيث لا تخوض قيادات الدعوة معارك “الحزب” السياسية ولا تتدخل في توجهاته وتحالفاته ولا تفرض عليه من يقود ومن يحكم، بل يظل إطار الإنتماء إلى المشروع الإسلامي هو الإطارالعام الجامع بين الكيانين وتبقى الخلافات وتعدد الرؤى والإجتهادات جزءا أصيلاً من الحياة الحزبية وأحد أدوات إثرائها .


 



كما أن قاعدة التجمع على أساس الولاء والبراء ستتراجع لصالح الولاء الحزبي والإلتزام الحزبي الذي يجمع المسلم وغير المسلم على قاعدة حزبية واحدة.


 



تحديات التجديد الفكري والمفاهيم الجديدة :
لقد شغلت الهموم التنظيمية والحركية الاسلاميين عموما عن الإلتفات إلى أهمية التجديد الفكري والإجابة على العديد من القضايا الفكرية الهامة التي تتعلق بالعلاقة بين الإسلام والديمقراطية والتعددية السياسية والثقافية في المفهوم الإسلامي وقضايا المرأة وحقوقها في ظل الإتفاقيات الدولية المعاصر وقضايا حقوق الإنسان والبيئة والية التعامل مع الإقتصاد الدولي والبنوك العالمية إلى غير ذلك من المحددات الفكرية التي تحتاج إلى أطروحات ورؤى جديدة عنوانها الإبداع والإنفتاح على الأخر وتكون مرتكزة على الثوابت والمرجعيات الإسلامية .


 



كما أنه مطلوب منها الإبحار في عمق العديد من التخصصات التي كانت زاهدة فيها من قبل مثل الفن والإقتصاد والقانون وعلم الإجتماع وكافة العلوم المادية لأنها تحمل معها مشروعا حضاريا نهضويا شاملا كذلك عليها إعادة قرائتها لعلاقاتها مع التيارات المخالفة لها سواء علمانية أو يسارية أو إسلامية عبر تجاوزها لبعض التابوهات القائمة على النظرة الفوقية لتلك الأحزاب والحركات التي تخالفها الرأي والمعتقد حيث إن شاءت أم أبت ستأتي عليها اللحظة التي ستكون فيها مضطرة إلى إقامة تحالفات سياسية معها تحت قبة البرلمان .


 



أمام تغير الخطاب الإسلامي الحاصل بفعل المستجدات السياسية في المنطقة تجد الحركة الإسلامية نفسها أمام تحديات إقناع الجماهير وعلى الأخص الأجيال الناشئة من أتباعها ببعض المفاهيم الطارئة عليهم مثل :
التعددية والشراكة السياسية: ماذا تعني ؟ بها وهل هي مجرد مصطلح أم فعل على أرض الواقع له تبعاته وإحترامه ؟ وهل من الوارد تداول السلطة مع الشيوعي واليساري والليبرالي أو تقاسمها معه ؟ وما مدى تعارض أو تقارب ذلك مع الشرع .


 



إحترام الحريات العامة: ما هي ؟ وما حدودها ؟ وخاصة تصريحات الشيخ راشد الغنوشي بعيد فوز حزبه في الإنتخابات الأخيرة بقوله إننا لن نمنع الخمور ولن نمنع إرتداء البيكيني وقول أخرين لن نفرض الحجاب ولن نغلق الخمارات والمراقص وسنتعامل مع البنوك الربوية ومدى تعارض وتقارب ذلك مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره حيث كان الإسلاميون في فترة الإستبداد أقرب إلى منهاج التغيير باليد واللسان التي وردت في الحديث أما الآن وهم على أبواب التمكين والدولة أقرب إلى مرحلة التعامل مع هذا المنكر ومهادنته .


 



فالمطلوب إذن إيجاد آليات وتجديدات فقهيه سلسة تعرض على الناس وتوضح لهم حقيقة ما يحدث حتى لا يصابوا بمفاجأة وذلك من قبيل إبراز ديناميكية ديننا وتفاعله مع الواقع والتركيز على فقه الأولويات والمقاصد وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .


 



الدولة المدنية: ماذا تعني ؟ ما هي مقوماتها ؟ ما هي مواصفاتها ؟ وما الفرق بينها وبين الدولة الدينية والدولة الإسلامية ؟ مصطلحات أصبحت تتردد بكثرة على ألسنة العامة وهي بالنسبة للكثير من أبناء الحركة الإسلامية حديثة نسبيا بالرغم من وجود تأصيلات فقهية صحيحة لها ولكن الغالبية تربت على أن الدولة بالنسبة لها هي دوما إسلامية وليست مدنية وأعجبني هنا شريط خفيف الظل على شبكة اليوتيوب لمرشح الرئاسة المصري حازم أبو اسماعيل يعرف فيه الدولة المدنية والفرق بينها وبين الدولة الدينية بأسلوب فكاهي ومبسط مع العلم أن هناك في أوساط الإسلاميين من لا يعترف بهذا المصطلح ويرفضه ويعتبره دخيلا وخاصة فيما يتعلق بالمشرع هل هو البرلمان أم رب العالمين .


 



تحدي ترتيب الأولويات وتقديم الأهم على المهم والأصل على الفرع
ويقف على سلم هذه التحديات نقل المجتمع من تبعات الثورة ومخلفاتها إلى بر الأمان والإستقرار السياسي والأمني ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي على الحركة الإسلامية أن تسعى في البداية إلى ترسيخ أقدامها على الساحة السياسية عبر نزع كل فتائل المواجهة مع الخصوم السياسيين والفكريين وخلق حالة من الإنسجام السياسي المصلحي معهم عبر الإلتقاء على الحدود الدنيا في إطار العمل الوطني المشترك وعدم الإنجرار إلى نقاط الخلاف الفرعية .


 



بعد ذلك عليها التوجه بخطابات ورسائل تطمنة للكل الوطني بكل مشاربه وفئاته مسلم مسيحي علماني ليبرالي وهو ما أحسن صنيعه حزب الحرية والعدالة في مصر حيث بعث بالعديد من الرسائل المطمئنة للداخل والخارج كان أهمها تصريحاته بإحترام الإتفاقيات الدولية التي وقعتها الحكومات المصرية السابقة ولوحظ هنا إستخدام مصطلح الإحترام وليس الإعتراف وهو ما تم إستفادته من تجربة الحكم في غزة وهي تصريحات واعية ومنضبطة وعلينا أن نتصور ما هو تأثير صدور تصريحات معاكسة لذلك على الإقتصاد المصري والإتفاقيات الإقتصادية الدولية الموقعة معها وأكثر ما لفت إنتباهي هو إستخدام نفس الخطاب ونفس التصريح من قبل حزبي النهضة التونسي والعدالة والتنمية المغربي .


 



كذلك تم بعث رسالة تطمنة داخلية موفقة من إخوان مصر إلى الأقباط هناك عبر التأكيد على أنهم جزء مهم من النسيج المصري وبادرت قيادات منهم ومن حزب الحرية والعدالة لتقديم التهنئة لهم بمناسبة رأس السنة ومشاركتهم في قداس عيد الميلاد الأخير .


 



كما ويجب على الإسلاميين أن لا يقحموا أنفسهم في هذه المرحلة الإنتقالية بالقضايا التي تمس الحريات العامة وأن لا تلتفت إلى القضايا الثانوية كالحجاب والإختلاط والمعاملات المالية والأقليات الدينية بالرغم من أهميتها وحساسيتها ولكن ليس على حساب قضايا أهم تشكل أولوية للشارع العربي الذي يتطلع إلى الحياة الآمنة والإستقرار السياسي والإزدهار الإقتصادي والقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل لجيوش خريجي الجامعات وزيادة دخل الفرد السنوي والحد من نزيف الأدمغة وهجرة العقول إلى الخارج وتطوير التعليم ودعم الأبحاث العلمية ومحاربة الفساد وإيقاف نهب المال العام وتبديد الثروات هذه الأمور تعتبر في نظر المواطن المقياس الحقيقي في نجاح تجربة الإسلاميين أو فشلها .


 



التحديات الخارجية ..
على مستوى السياسة والعلاقات الدولية :
يقف على سلم أولويات الأوروبيين والأمريكان الدعم المطلق للكيان الصهيوني والحفاظ على أمنه ومستقبله ومن هذا البعد سيتعرض الإسلاميون إلى إبتزاز كبير وإلى سياسة العصا والجزرة بما يخص الإعتراف بإسرائيل والحفاظ على الإتفاقيات الموقعة معها وعلى رأسها كامب ديفيد وتوفير ضمانات لذلك ومن هذا المنطلق سارع الأمريكان لفتح قنوات حوار مع الإخوان المسلمين وجس نبضهم في هذا الموضوع والمسارعة بالتصريح بأن الإخوان قد وافقوا على إحترام الإتفاقيات وهو ما نفاه الإخوان ومن جهة أخرى أعطت وزارة خارجية الكيان الصهيوني الضوء الأخضر لسفيرها في مصر بالتحاور مع الإخوان عدوها اللدود الأمر الذي لم يحصل من قبل في تاريخ الحركة الصهيونية .


 



أما التحدي الأبرز فهو وضع سفراء وممثلي الكيان الصهيوني الموجودين في الدول العرربية ومصر هنا نمودجا لذلك فماذا بالنسبة للتعامل مع السفير هناك فإن قيل لن نعترف بإسرائيل فمعنى ذلك تلقائيا لن نعترف بوجود السفير الصهيوني بيننا وليس أمامه إلا الطرد وإن تم التعامل معه أو غض الطرف عن وجوده ولم يطرد فهو إعتراف واضح بالكيان الصهيوني ولا بد من إيجاد مخارج سياسية جلية لهذه القضية .


 



كما وهناك قضايا عديدة ستتعرض عبرها الحركة الإسلامية إلى الإبتزاز من الغرب والتي أهمها قضايا الأقليات كالأقباط مثلا وقضايا حقوق الإنسان ومنظماته التي تعمل بعضها كأدوات مخبرة لتلك الدول .


 



تحدي التركات الثقيلة و تفكيك الألغام التي زرعت 
تقف الحركة الاسلامية بعد تسلمها لزمام الحكم أمام تركة ثقيلة من الديون والإلتزامات الإقتصادية حيث سارعت الأنظمة البائدة لوضع العراقيل والألغام أمامها وتكبيلها بقوانين و التزامات مجحفة لها قبل أن تتولى الحكم حتى تظهرها بمظهر العاجز والغير قادر على القيادة .


 



وفي مقابلة سابقة لأحمد منصور على الجزيرة مع رئيس الوزراء التونسي المؤقت الباجي القائد السبسي يتحدث فيها عن أهم إنجازاته في الفترة التي تسلم بها مهام عمله بعد رحيل بن علي وهي إتخاذ قرار بزيادة رواتب كل موظفي الدولة ـالتونسية حوالي نصف مليون موظف ـ بزيادة تقدر بمليار دينار تونسي في وقت تواجه فيه الموازنة والخزينة حالة صعبة للغاية، الأمر الثاني هو ترقية معظم موظفي الدولة، حتى الضباط المتهمين بقتل الثوار تم ترقيتهم، كما أجرى تغييرات هائلة في السلك الدبلوماسي للدولة بحيث يصعب على من يأتي وزيرا للخارجية إجراء أي تغيير على اعتبار أن التغييرات التى أجريت هي حديثة و العادة ألا يتم إجراء تغييرات للموظفين إلا كل أربع سنوات، كما أجرى تغييرات هائلة في إدارات الدولة المختلفة ووضع رجال بورقيبة وبن علي في القمة بحيث يصعب على من يأتي أن يدخل في متاهة الصراعات الإدارية في ظل أن الوزراء تقريبا كلهم لم يسبق لهم العمل داخل دوائر الدولة إما كانوا في السجون أو مطاردين والشيئ نفسه يفعله الان كمال الجنزوري في مصر من أجل وضع طوق حديدي واقتصادي وسياسي وإداري ودبلوماسي في رقبة أي حكومة قادمة حتى لو أسسها الخلفاء الراشدون وليس الإخوان المسلمون، وتجعلها عاجزة أمام الشعب ومقيدة أمام الخارج فالوضع الاقتصادي في مصر مزرٍ للغاية بل «غير متصور» حسب وصف الجنزوري نفسه والحديث لا يزال لأحمد منصور .


 



تحدي الإفلات من قبضة الإرتهان الإقتصادي والسياسي للغرب:
إن من عوامل نجاح الإستعمار الغربي في بلداننا هو إقامته ودعمه لأنظمة قمعية مستبدة مرتهنه له في كل ما تملك وعلى رأسها الإرتهان الإقتصادي وكما قيل من لا يملك قوته لا يملك قراره وهذا المثل ينطبق على كل الدول العربية و مصر نموذجا هذه الدولة الكبيرة لا تزال مرتهنة للمساعدات الأمريكية السنوية والتي تفوق 2 2,مليار دولار سنويا والتي هي في عين الواقع ليست مساعدات بل رشاوي وعطايا باهظة الثمن هدفها إبتزاز مصر سياسيا .


 



مع أن مصر لديها من الإمكانيات المادية والبشرية ما يؤهلها لتحقيق إكتفاء ذاتي والتحرر من هذا الإرتهان وإستعادة مكانتها الإقليمية والدولية إن هي عزمت وأرادت ذلك .


 



ومن الممكن التغلب على ذلك عبر مكافحة الفساد المستشري في هياكل الدولة ووقف نهب المال العام والمحاسبة والشفافية والإعتماد على الذات .


 



حين سئل نائب رئيس الوزراء التركي علي بابا جان في إحدى المقابلات الصحفية عن سر نهضة تركيا الإقتصادية الحالية أجاب قائلا بإختصار نحن لا نسرق .


 



مثال أخر للتحرر من الإرتهان والإستسلام للواقع هو حال الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة إذ يقول رئيسها إسماعيل هنية أنه عندما استلمت حماس الحكم كانت الحكومة مديونة ب 2 مليار دولار والان لا يوجد عليها أي ديون إستطاعت أن تسد ذلك عبر المحاسبة ووقف السرقات والإعتماد على الذات رغم قلة الموارد وغزة بقعة صغيرة جدا وأكثر منطقة في العالم بها إكتظاظ سكاني ولا توجد بها أي مقومات للإنتاج الصناعي ولكن المعلومات الواردة من هناك تشير الى أن وزارة الزراعة حققت عبر تعزيزها لثقافة الإنتاج ورفعها لشعار نأكل مما نزرع شبه إكتفاء ذاتي في أغلب أنواع الخضار والفواكه التي تستورد من داخل الكيان الصهيوني .
ندرك انها مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة وفي حال كتب لها النجاح فمعنى ذلك أن أمتنا بدأت تتحرر حقيقيا وأن جدران الهيمنة الغربية بدأت بالتصدع والتفكك وما ذلك على الله بعزيز


 



د. منذر رجب نائب رئيس تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت