غزة أمانة في عنق مجلس الشعب المصري/د. مصطفى يوسف اللداوي

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

بفارغ الصبر ينتظر سكان قطاع غزة المحاصرين منذ أكثر من ستة سنواتٍ، بنيران ودبابات وطائرات وبوارج وأسلاك الاحتلال الإسرائيلي، المحصنة بقوانينه وإجراءاته العسكرية والأمنية الغاشمة، والممزوجة بحقدهم وكرههم وخبثهم وتآمرهم، ومحاولاتهم المستميتة لقتل الشعب الفلسطيني، والنيل من إرادته وعزمه ومضائه، إذ لا تهمهم حياته، ولا تعنيهم حقوقه، ولا تحرك ضمائرهم معاناته وآلامه، ولا تردعهم عن أفعالهم المشينة حكوماتٌ ودول، ولا تمنعهم عن ممارساتهم الباغية قوانينٌ ونظم، إذ لا خلق عندهم، ولا قيم تحكمهم، ولا نبل أو شهامة فيهم، ولا معاني إنسانية لديهم.


 


الفلسطينيون لا ينتظرون منه غير ذلك، فهو عدوهم المبين وخصمهم الأثيم، فلا يتوقعون منه وهو الوحش الضاري والذئب المفترس، أن يستحيل فجأةً إلى حملٍ وديع وصديقٍ ودود، إنهم لا يأملون منه أن يحزن من أجلهم، أو أن يهب لنجدتهم، أو أن ينتفض لمصالحهم، ولا يسألونه الرحمة ولا الرأفة ولا الشفقة بهم، ولا يتوقعون منه أن يجلب لأطفالهم الحليب، ولمرضاهم الدواء، ولجرحاهم العلاج، ولمحتاجهم الطعام والشراب، أو أن يستجيب لنداءاتهم فيرفع الحصار، أو يصغي السمع لبكاء الأطفال وآهات النساء، فيخفف من المعاناة التي هو فيها السبب، إنه العدو الذي منه لا يرتجى الخير ولا الندى، ومنه لا يتوقع غير الضرر والأذى.


 


بارك الفلسطينيون جميعاً لمصر وشعبها ثورتها المجيدة، وانتصاراتها العظيمة، واستعادتها لكرامتها المهدورة وعزها الضائع، ومجدها المفقود، وفرحوا كثيراً بالتئام برلمان مصر، واجتماع شمل مجلس شعبها تحت قبة برلمانها التاريخي، الذي تأسس في ماضٍ عريق وفي ظل ثورةٍ عظيمة قادت لاستقلال مصر وتحررها، فأعتقتها من نير الاحتلال وذل التبعية، على أيدي رجال حفظوا اسم مصر وعملوا من أجلها، وحافظ أعضاء مجلس الشعب فيها على اسم مصر ناصعاً، وعلى دورها كبيراً، وعلى قيادتها رائدة، وأبقوا على تاريخها المشرق، وانتصاراتها المجيدة، وجعلوا منها الشقيق الأكبر لكل الدول العربية، والأخ الكبير الحاني على كل شعوبها وأهلها، فكانت مصر بجهودهم أم الدنيا العربية، ووطن العرب جميعاً، سماؤها عالية، ونجومها زاهرة، وراياتها خفاقة، وبيارقها منصوبة، وشعاراتها خالدة، ومبادئها صادقة، أعطت لفلسطين من جهدها ومالها ورجالها أكثر مما أعطت لنفسها، وضحت في سبيل فلسطين بكل غالٍ وثمين، فلم تبخل ولم تتردد ولم تجبن ولم تتراجع.


 


اليوم الفلسطينيون عموماً وسكان قطاع غزة على وجه الخصوص يتطلعون إلى برلمان مصر الجديد، الذي اختاره شعب مصرَ بإرادةٍ حرةٍ نزيهة، دون ضغطٍ أو إكراه، ودون تزييفٍ أو خداع، في انتخاباتٍ حقيقية شارك فيها كل الشعب المصري، وصوت لكل الذين آمنوا بمطالب الثورة المصرية، ووقفوا إلى جانب الثوار الشباب، وحملوا مواقفهم وآمنوا بأفكارهم، وكانت مطالب قطاع غزة حاضرةً في الميادين، وبارزةً في الشعارات، وطاغيةً في المظاهرات، فقد رفض الشعب المصري أن تشارك حكومة بلادهم في حصار قطاع غزة، وأن تساند العدو الإسرائيلي في مؤامراته ومخططاته، وأن تكون نصيراً له ضد أهلهم وإخوانهم في قطاع غزة، ورفض المصريون الناخبون أن تتأخر بلادهم عن نصرة الفلسطينيين ومساندتهم، وأن تغلق الأبواب في وجوههم، وأن تحول دون دخولهم أو عبورهم من مصر، أو أن تمنع المتضامنين معهم من الوصول إلى غزة، أو إيصال المعونات والمساعدات لهم، أو أن تكون شريكاً مع عدوهم في التآمر عليهم، فكان صوت الناخب المصري لكل الثائرين على ظلم سكان غزة، والرافضين لاستفراد العدو بهم، ولكل المنادين بتحسين ظروفهم، ورفع الحصار عنهم، وتأييدهم في نيل حقوقهم، ومساندتهم في نضالهم ومقاومتهم المشروعة.


 


أهل غزة يتطلعون من أعضاء مجلس الشعب المصري الحر الأصيل، الذي جاء هذه المرة من قلب الشعب المصري، ومن عمق الشارع المصري الطيب البسيط، الذي يعبر بصدقٍ عن أحاسيس المصريين ومشاعرهم تجاه إخوانهم الفلسطينيين وخاصة جيرانهم في قطاع غزة، أن يؤسسوا لفتح المعابر بين مصر وقطاع غزة بصورة دائمة، وأن ييسروا سفر الفلسطينيين وانتقالهم من قطاع غزة وإليه، وأن يوقفوا ما يسمى بالتنسيق الأمني المسبق كشرطٍ للدخول أو العبور، وأن تتوقف إجراءات الترحيل والإعادة، فلا يمنعون فلسطينياً من العودة إلى بيته وأهله في غزة، ولا يحولون دون فلسطيني يرغب في أن يلتحق بعمله في الخارج، أو يدرك جامعته ودراسته، أو من يرغب في العودة إلى حيث يقيم، ويتمنون أن ينتهي زمن أقبية مطار القاهرة، وأن ينتهي زمن حجز الفلسطينيين فيها تمهيداً لترحيلهم، وأن يتوقف أمن مصر عن احتجاز أحدٍ من الفلسطينيين الذين يحبون مصر، ويعشقون ترابها، ويتغنون بمجدها، ويحرصون على أمنها، ويؤمنون بدورها.


 


سكان غزة يهيبون بمجلس الشعب المصري أن ينشط التجارة والأعمال الحرة بين مصر وقطاع غزة، فالفلسطينيون في غزة في حاجةٍ ماسة إلى كثيرٍ من المنتوجات المصرية، التي يفضلونها على مثيلاتها الإسرائيلية، التي تنافس وتزاحم المنتوجات الوطنية المصرية، ولكنهم يتمنون أن تفتح المعابر التجارية، وأن تتيسر عمليات انتقال البضائع من مصر إلى القطاع وبالعكس، لتنشط التجارة بين الطرفين، ولتعود أموال الشعب الفلسطيني التي تردها من الشعوب العربية والإسلامية إلى المواطن المصري، وإلى التاجر والعامل والممول المصري، فهم أحق بها من الإسرائيليين، وأولى بها من الخزينة الإسرائيلية التي تتطلع لأن تبتلع كل أموال الدعم العربية الموجودة في قطاع غزة، فهي تتربص بالأموال التي تصل إلى القطاع، وتفكر في السيطرة عليها بكل السبل الممكنة، فهي أموالٌ كثيرة، وعملةٌ صعبة، قادرة على حقن اقتصادهم وإنعاشه.


 


كثيرةٌ وعظيمة هي الآمال التي يعلقها سكان قطاع غزة على مجلس الشعب المصري، إنها أكثر من معبرٍ وتجارة، وأكبر من سفرٍ وانتقال، وتتجاوز المنافع والأموال، إنها قيمٌ وأخلاقٌ ومفاهيم، وثابتٌ قومية ومنطلقاتٌ عربية وإسلامية أصيلة، يدرك الفلسطينيون أن مجلس شعب مصر لن يقبل لأجهزته الأمنية بأن تهين مواطناً غزاوياً، وأن تشارك في إذلال سكان القطاع، ولن يقبلوا بما يريد الاحتلال ويتمنى، ولن يتخلوا عن دورهم الرائد في الانتصار لقضايا الأمة وحقوق الشعب، وسيكون لهذا المجلس الجديد دورٌ يحفظه التاريخ لهم ولمصر، يعيدون به مصر إلى عمقها القومي والحضاري والتاريخي، وسيذكره الفلسطينيون علامةً فارقة، وتاريخاً مميزاً، انتصر فيه المصريون لإخوانهم، وهبوا فيه لنجدتهم، ولم يتأخروا فيه عن نصرتهم.


 


بيروت في 28/1/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت