الخلافات داخل حركة حماس حقيقية، يفضحها التصريحات المتناقضة لعدد من المسؤولين في الحركة، حيث لم يخفي خالد مشعل للوفود الذي قابلها في القاهرة ان هناك معوقات كبيرة داخل الحركة في ملف المصالحة وغيرها من القضايا.
الخلافات ظهرت للعلن أكثر من مرة وبرزت على اثر اللقاء الذي تم في القاهرة بين رئيس المكتب السياسي خالد مشعل والرئيس محمود عباس في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي في القاهرة، والتي جرى بينهما وجها لوجه من دون حضور أي من قادة الحركة، ولم يطلع مشعل قادة الحركة على تفاصيل اللقاء إلا بعد ان انتهى.
وتم خلاله الاتفاق على الشراكة السياسية بين الحركتين وتفهم مشعل موقف الرئيس عباس للضغوط الذي تمارس على الأخير، واتفاقه أيضا على إتباع نهج المقاومة الشعبية، والذي لم يرق كثيرا لقيادة الحركة في غزة، ورفضه بعضهم.
وبرزت الخلافات قبل لقاء القاهرة الأخير، وأصبحت تتضح ملامحها يوما بعد آخر من خلال التصريحات المتناقضة بين بعض المسؤولين في الحركة خاصة من غزة ضد خالد مشعل الذي بدا واضحا انه يتبنى إستراتيجية مختلفة، ويتجه نحو المصالحة بشكل أكثر جدية من بعض قادة الحركة في غزة الذين يتحفظون على إتمامها، ويضعون العراقيل في طريقها.
وأصبح واضحا ان خالد مشغل يتخذ موقفا مغايرا لبعض قادة الحركة من خلال تبنيه إستراتيجية وطنية يجمع عليها الكل الفلسطيني، ويتجه نحو الواقعية السياسية “البراغماتية” بعكس توجهات كثير من قادة الحركة، وإدراكه أنه لم يتم تسجيل أي اختراق على الصعيد الداخلي الفلسطيني وعلى الصعيد الإقليمي والدولي من دون التوافق الوطني بإنهاء ملف الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، ليتمكن الفلسطينيين من مخاطبة العالم بلغة ونهج سياسي مختلف عما هو قائم في حركة حماس.
وهناك تناقض كبير في ما يطرحه مشعل من خطاب، وما يتحدث به إسماعيل هنية من خلال الشعارات التي يطلقها، والذي لم يخفي تنافسه على قيادة الحركة من خلال محاولته إظهار نفسه بمظهر الزعيم والقائد للشعب الفلسطيني، وكذلك ما أعلنه عن إنشاء جيش عربي لتحرير فلسطين بما يتناقض حتى الآن على ما هو قائم من أوضاع غير مستقرة في دول الربيع العربي.
فحركة حماس تعاني من عدة مشكلات في مقدمتها العلاقة المتوترة بينها وبين إيران، والتي ربما تكون فد وصلت إلى حد القطيعة، على ضوء رفض الحركة طلب إيران دعم وتأييد نظام بشار الأسد المتهاوي، المعلومات تؤكد ان إيران أوقفت ضخ الأموال للحركة، التي تعول عليها كثيرا، وتساهم في الصرف على نحو 50 ألف موظف في حكومتها بغزة.
بالإضافة إلى ذلك الموقف من الثورة السورية والضغط الذي تمارسه بعض قيادات الحركة في قطاع غزة وقواعدها على مشعل وقيادة الحركة في سورية لاتخاذ موقف أكثر شجاعة من الثورة السورية، والدلائل تشير إلى ان معظم قيادات الحركة اضطروا لنقل عائلاتهم من دمشق، ويتنقلون من مكان إلى آخر ويجدون صعوبة في إيجاد مكان بديل لمقر الحركة في دمشق، خاصة وان الأردن يرفض إعادة فتح مكتب للحركة في العاصمة عمان وممارسة أي نشاط سياسي، واستقبل عائلات بعض القادة للإقامة بها كإفراد.
وتواجه حماس مشكلة في الانتقال إلى القاهرة وفتح مكتب لها هناك، على الرغم من سيطرت الاخوان المسلمين على مجلس الشعب، فالإخوان المسلمين ينتابهم القلق من تجربة حماس في الحكم في القطاع، ويتخوف الاخوان من تأثير ذلك على تجربتهم الجديدة في مصر، حيث ان الاخوان المسلمين في مصر يسوقوا أنفسهم أمام العالم أنهم حركة براغماتية ولا يرغبون في التشويش على التجربة الجديدة وعلاقتها بالمجتمع الدولي.
وكان لافتا ان التصريحات التي أدلى بها إسماعيل هنية أثناء زيارته للقاهرة عن نهاية إسرائيل، حيث واجهها الاخوان في مصر بالصمت، فهم أمامهم مهام جسام، وعليهم إدارة مصر والنهوض بها من أزماتها الأمنية والاقتصادية، فالقضية لا تتعلق فقط بالإنفاق على 50 ألف موظف في حكومة غزة، بقدر ما هي عبء ومهمة ثقيلة والمسؤولية عن 88 مليون إنسان مصري، والمطلوب من الاخوان إدارة الشأن فيها بمسؤولية كبيرة، وتحسين الاقتصاد بسرعة، وهم يدركون مدى استعجال الشارع المصري لذلك.
فحركة حماس في مشكلة حقيقية وجدية وكثير من الأبواب ما زالت مغلقة في وجه قادة الحركة في الخارج، حتى الانتقال إلى غزة عملية غير سهلة بما فيها زيارة مشعل إلى غزة برفقة الرئيس عباس لإقناع القاعدة الحمساوية بتوجه الجديد واستراتيحيته التي يتبناها تجاه المصالحة والوحدة الوطنية، غير سهلة ومحفوفة بالمخاطر، وقد يكون مستهدف من إسرائيل أيضاً.
تتجلى مشكلة حماس كذلك في الأزمة الكبيرة التي تعيشها دول الربيع العربي إذا ما قيست بمشكلات حماس وعدم وضوح الرؤية فيها، والتي سيطرت عليها الأحزاب الإسلامية حيث أن تلك الدول ما زالت غارقة في أزماتها، وبحاجة إلى وقت كبير كي تسطع التغلب عليها والنهوض من جديد.
لذلك هناك تفهم لموقف خالد مشعل الناضج، والذي تجلى أيضاً بقيامه بدور الوساطة بين النظام السوري وجامعة الدول العربية وتوجه الجديد، وحديثه عن المعوقات من قبل بعض القيادات داخل الحركة في القطاع ورفضها لإتمام المصالحة، وتبنيه إستراتيجية وطنية، وإصراره على إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وتوافقه مع الرئيس عباس على برنامج سياسي مشترك من خلال الواقع وموازين القوى المحيطة.
فالمشكلات التي تعانيها حماس كبيرة، خمس سنوات من الحصار، وعدم تحقيق أي اختراق حقيقي حتى عربياً، وعبء سيطرت الحركة على القطاع وانها لا تستطيع الاستمرار في قيادة القطاع منفردة، كل ذلك يعمق من مشكلاتها الداخلية.
وعليه يجب تغليب المصلحة الوطنية لدى قيادة حركة حماس واستخلاص العبر، والعمل على إتمام المصالحة الفلسطينية، وعلى حماس ان تدرك أيضاً ان الشراكة الحقيقية لاستكمال المشروع الوطني الذي لا يمكن لها وحدها ان تحققه، وأي شيئ غير ذلك هو وهم غذاه الانقسام ويدفع الشعب الفلسطيني وقضيته أثماناً باهظة جراؤه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت