لماذا الآن ؟ / د. اسامه الفرا

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...


المساحة الفاصلة بين أن تكون في المعارضة وأن تكون في السلطة هي ذات المساحة الفاصلة بين الشمال الغني والجنوب الفقير، فمن السهل على المرء في مقعد المعارضة أن يشخص الأمور بمنظاره الخاص، وأن ينتقد أداء السلطة ويذهب بتوصيف ذلك إلى ما وراء الممكن، وعادة فريق المعارضة لا تستوقفه المعطيات بقدر ما تدفعه مصطلحات تشويه السلطة إلى الإبحار فيها، حتى وإن أيقن أن ذلك لا يقود مركبة الوطن إلى بر الأمان، وعادة ما يبحث المعارض عن إخفاقات السلطة، ولا تسلم إنجازاتها من التشويه والتشكيك في مبرراتها، وقلما وجدنا في عالمنا العربي ممن يتخندق في صف المعارضة يشيد بإنجاز أو نجاح للحكومة، ليس هذا فقط بل أن الخيال الذي يحكمهم ويبنون عليه قدرتهم في تحويل أوطانهم إلى المدينة الفاضلة هو ما يسترعي الدهشة والاستغراب في كثير من الأحيان، لعل الحديث يقودنا إلى المشاريع التي تعكف عليها حالياً الحكومة الفلسطينية، سواء ما يتعلق منها بالضرائب أو التقاعد المبكر، وإن كنت من أشد المعارضين لها لعدة اعتبارات وهي:  


 


أولاً : أن التوقيت الذي أطلقت فيه الحكومة أفكارها يثير الريبة والشك، فالحكومة من المفترض أن تنهي أعمالها نهاية الشهر الحالي ويتم تشكيل حكومة الكفاءات كما أتفق عليه في القاهرة مؤخراً، وبالتالي ما الذي يدفع الحكومة لطرح هذه الأفكار في هذا التوقيت بالذات؟، وهل تعتقد الحكومة بأن عجلة المصالحة لن تمضي قدما وأنها باقية على رأس عملها إلى أمد يسمح لها بتنفيذ ما ذهبت إليه؟، خاصة وأنها تدرك أن غياب المجلس التشريعي يمكنها من القيام بذلك دون حسيب أو رقيب.


 


ثانياً : مشروع الضرائب ومقترح التقاعد المبكر جاءا ضمن ما بات يعرف بخطة التقشف لمواجهة العجز المالي للسلطة، على الرغم من أن الحديث قبل عام تقريبا كان مغايراً، كانت الحكومة تفاخر بأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من الاعتماد على الذات، وأننا لن نكون تحت مطرقة الدول المانحة، وأننا نجحنا في بناء مؤسسات الدولة القادرة على القيام بمهامها دون عراقيل مالية أو خلافها، وبالتالي ما الذي تغير ودفعنا لدائرة الخوف من العجز المالي؟، وجرت العادة أن خطة التقشف تبنى على تقليص المصروفات التي من الممكن الاستغناء عنها دون المس بجوانب الحياة المختلفة، أما أن تدرج زيادة الإيرادات وبخاصة رفع الضرائب تحت هذا المفهوم فلعل ذلك يخرجنا من مفهوم التقشف المتعارف عليه، ويكون المفهوم الأدق رفع الإيرادات لمواجهة العجز المالي، ولكن يبقى هل اتخذت الحكومة إجراءات لتقليص النفقات؟ خاصة وأنها إذا ما لجأت لذلك بمقدورها أن توفر الكثير على خزينة السلطة.


 


ثالثاً : الحديث عن مشروع التقاعد المبكر "25 ألف موظف تقريبا" لا يتعلق بمعالجة البطالة التي تستفحل داخل المجتمع الفلسطيني، بل المؤكد أن انعكاساته الاقتصادية سترفع نسبة البطالة بشكل ملحوظ، ومعها سترتفع نسبة الفقر، خاصة وأن على الجانب الآخر ستقود زيادة الضرائب لتقليص دور القطاع الخاص، والذي بدوره سيسهم هو الآخر في استفحال المشاكل التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني المتعلقة بالبطالة والفقر.


 


رابعاً : زيادة الضرائب وإن كانت الحكومة تؤكد على أنها لن تمس الأسر محدودة الدخل إلا أنها ستؤثر عليها بشكل غير مباشر من خلال ارتفاع الأسعار، كما أن التقاعد المبكر سينعكس سلباً على مستوى الخدمات المقدمة للمواطن، حيث التقاعد يتعلق بأصحاب الخبرة، ولعلنا لمسنا في قطاع غزة تأثير ذلك الواضح على قطاعي التعليم والصحة عندما توقف أصحاب الخبرة عن ممارسة أعمالهم.


 


لكن كل ذلك يجب ألا يدفعنا لرفض ما تفكر به الحكومة على قاعدة المعارضة من أجل المعارضة، بل من الواجب علينا الخوض في التفاصيل والحيثيات بما يؤهلنا لبلورة موقف لا تطغى عليه فلسفة المعارضة العربية المبنية على رفض كل ما تقوم به حكوماتها، ومن البديهي أن ذلك يتطلب توفير كافة المعطيات المتعلقة بالموازنة، فعلى سبيل المثال ما زال الجدل كبيرا والأرقام متباينة حول نسبة ما تصرفه الحكومة على قطاع غزة من ميزانيتها، وبالتالي اقتراح الحكومة بالذهاب إلى حوار وطني مالي يصب في الاتجاه الصحيح على أن تتوفر أمام الجميع المعطيات التفصيلية لإيرادات ومصروفات السلطة الفلسطينية.


 


ضمن مساحة الرفض لزيادة الضرائب والتقاعد المبكر المقترحين من قبل الحكومة، سواء كان ذلك على المستوى الشعبي أو من خلال القوى السياسية، إلا أن الواقع يحتم علينا التوقف أمام حقيقتين:


 


الأولى: أن حركة فتح ستدفع فاتورة تمرير هذه المشاريع، حيث تغلغل الاعتقاد خلال سنوات عمل الحكومة بأن انجازات الحكومة للحكومة فيما سلبياتها تتكفل بتسديد فاتورتها حركة فتح.


 


ثانياً : إن ما تفكر به الحكومة لا يمكن تصنيفه ضمن مفهوم "ضربة مقفي"، حيث المؤكد أن د. سلام فياض ينظر هو الآخر إلى غده السياسي، وأن مثل هذه المقترحات أفقدته الكثير من جماهيريته التي تصاعدت إبان توليه لرئاسة الحكومة، وكان من السهل عليه ترحيل أفكاره هذه لحين تشكيل حكومة وفاق وطني أو حتى لما بعد الانتخابات التشريعية، وبالتالي أكثر ما يحير في الأمر تساؤل لماذا الآن؟.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت