واصل رئيس الوزراء الحكومة الفلسطينية برام الله سلام فياض لقاءاته مع ممثلي مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في إطار اللقاءات التمهيدية للحوار الوطني لبحث سبل التغلب على الأزمة المالية التي تواجه السلطة الفلسطينية، وبما يقلص الفجوة التمويلية في الموازنة الجارية من خلال تقليص وترشيد النفقات، وزيادة الإيرادات مع الحرص على مراعاة أسس ومعايير العدالة الاجتماعية في توزيع العبء الناجم عن ذلك.
وقد أبلغ فياض ممثلي هذه القطاعات خلال هذه الاجتماعات التي شملت اليوم ممثلي القطاع الزراعي، وممثلي القطاع الأهلي، والاتحادات العمالية والنقابية المختلفة، ونقابة الوظيفة العمومية على أنه ومن أجل توفير أجواء الثقة في إطار الحوار الذي كان قد دعا إليه مؤخراً، وبما يضمن تحقيق الشراكة في تحمل المسؤولية لمواجهة الأزمة المالية التي تواجه السلطة، فإنه سيتوجه باقتراح لمجلس الوزراء في اجتماعه القادم، والذي سيعقد صباح يوم غد الثلاثاء، لتعليق العمل بإجراءات جباية السلف وفق شرائح ضريبة الدخل الجديدة، وبحيث يتم جبايتها كما كانت قائمة قبل تعديلها بقرار مجلس الوزراء الأخير بهذا الشأن، وذلك لحين انتهاء الحوار حول الأزمة المالية، وبما لا يتجاوز 15 شباط القادم.
وأكد فياض على أهمية الحوار ومشاركة مختلف أطياف ومكونات المجتمع في أعماله، وفي تحمل المسؤولية لمواجهة الأزمة المالية التي تواجه السلطة الفلسطينية، كما شدد على أهمية تعزيز مفهوم المواطنة من حيث الحقوق والواجبات، وعلى إسهام الجميع في بلورة وصياغة القرار التنموي، وذلك من منطلق حرص السلطة على تأسيس نهج سليم للإدارة والحكم الرشيد، وبحيث يتم في إطار هذا الحوار بلورة صيغة تحظى بأعلى درجة من التوافق من قبل القطاعات المختلفة، ومشاركتها بشكل متكافئ في جوهر العملية التنموية، والتي تستهدف بصورة أساسية تعزيز صمود المواطنين وقدرتهم على الثبات على أرضهم، وحمايتها من مخططات الاستيطان والمصادرة الإسرائيلية، بالإضافة إلى الاستمرار في تعميق الجاهزية لإقامة الدولة والارتقاء بقدرة مؤسساتها على تقديم أفضل الخدمات للمواطنين بكفاءة واقتدار عاليين، وبما يمكن أيضاً من توفير المنعة الكفيلة بتعزيز استقلال القرار الوطني وتحصينه من أي ابتزاز.
وكان رئيس الوزراء، قد اجتمع مساء أمس، مع وفد الأمانة العامة لاتحاد عمال فلسطين برئاسة حيدر إبراهيم، حيث أطلعه على توجهات الحكومة، وحرصها على توخي التوازن في اختيار أدوات التدخل الهادفة إلى تخفيض النفقات الجارية، وزيادة الإيرادات، ذلك بالإضافة إلى الاستمرار في انتهاج سياسة مالية كفيلة بترشيد النفقات وتحسين الإدارة الضريبية، مع الحرص على تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، ومراعاة متطلبات العدالة في توزيع العبء الضريبي الناجم عن التخفيض الإضافي في العجز، وبما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية، وعدم المساس بالخدمات الأساسية والبرامج الاجتماعية.
كما اجتمع فياض مع أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة برئاسة شاهر سعد، وتطرق إلى الدور الهام الذي تقوم به الاتحادات العمالية كمكون أساسي من مكونات المجتمع في الدفاع عن مصالح العمال وقضاياهم المطلبية والاجتماعية، وشدد على أن الحكومة تتطلع إلى أن يتمكن الحوار من بلورة السبل الكفيلة، وبالتوافق مع مختلف القطاعات، لانجاز وسائل الحماية والضمانات الاجتماعية للفئات الضعيفة ومحدودة الدخل، وخاصة العمال. وأشار إلى أن الحكومة بصدد تشكيل فريق وطني للبحث في قانون الضمان الاجتماعي تمهيداً لإقراره.
وأعلن رئيس الوزراء فياض عن التزام الحكومة بالعمل من أجل أن يتمخض الحوار عن توافق على الحد الأدنى للأجور، وكذلك عن سبل توفير الآليات الكفيلة بإخراج هذه القضايا إلى حيز التنفيذ.
واجتمع رئيس الوزراء أيضاً مع الهيئة التنفيذية لاتحاد النقابات المستقلة برئاسة محمود زيادة، حيث استمع إلى مطالبهم، وأكد على عدم مساس الإجراءات التي يجري الحوار حولها بذوي الدخل المحدود والمتوسط وبالخدمات الأساسية وشبكات الأمان الاجتماعي، وشدد على أن السلطة الفلسطينية تتوخى تحقيق العدالة الاجتماعية في توجهاتها.
وبخصوص الشرائح الضريبية المقترحة أبدت الاتحادات العمالية ترحيبها بهذا التوجه واعتبروه مؤشراً لتحقيق العدالة في توزيع الأعباء، وشددوا على ضرورة ان يتمخض عن هذا الحوار توافق وطني وآليات محددة حول الضمان الاجتماعي والحد الأدنى للأجور
وفي الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء فياض مع ممثلي مؤسسات القطاع الزراعي، أكد على أنه لن يتغير أي شيء على صعيد القطاع الزراعي مقارنة مع ما كان قائما منذ العام 2005، وأكد أيضاَ على أن المزارعين الأفراد لن يتأثروا بالمطلق وفي مختلف الأحوال من أية زيادات يتمخض عنها الحوار.
وشدد على حرص السلطة الفلسطينية إعطاء الأهمية اللازمة للقطاع الزراعي لما له من حساسية في فلسطين بوجه خاص لاتصاله بعنوان أساسي للصراع وهو الأرض، وتوفير مقومات صمود شعبنا، وقدرته على حمايتها والثبات عليها، وخصوصا في المناطق التي تعاني من الاستيطان والجدار، ومجمل المناطق المسماه (جيم)، والتي لحق بها ضررٌ كبيرٌ سيما بقطاع المزارعين.
وفي وقت لاحق اجتمع فياض مع الهيئة الإدارية لنقابة الموظفين العموميين برئاسة بسام زكارنة، حيث أكد لهم على أن إجراءات خفض العجز الجاري في الموازنة لن تمس بقطاع الموظفين العموميين، وشدد على أن التقاعد المبكر لن يكون إلزاميا، ولن يتخذ إلا بالتشاور وبصيغة مقبولة لدى مختلف مكونات المجتمع، وخاصة نقابة الموظفين.
وقدمت النقابة عدداً من المطالب، حيث أكد فياض التزامه بإيجاد آلية عملية لبحثها والبت بها في أسرع وقت. ورحب ممثلو النقابة بإجراء إصلاحات في الوظيفة العمومية في إطار تطبيق قانون الخدمة المدنية.
وفي وقت لاحق من مساء اليوم، عقد رئيس الوزراء اجتماعاً موسعاً مع ممثلي شبكات القطاع الأهلي، وحماية المستهلك، جرى خلاله نقاش مطول حول مختلف القضايا المتصلة بالعمل الأهلي ودوره في التكامل مع جهود السلطة للاستجابة لاحتياجات المواطنين وتعزيز قدرتهم على الصمود، وإسهام هذا القطاع في بلورة السياسات المالية والاقتصادية للسلطة الفلسطينية الكفيلة بتحقيق ذلك، وبما يساهم في ترسيخ أسس العدالة الاجتماعية والتخفيف من الأعباء التي يعاني منها المواطن.
وفي مجمل اللقاءات شدد فياض على أن السلطة الفلسطينية لن تتوقف عن سعيها لضمان التزام الدول المانحة بتقديم المساعدات المالية للسلطة من أجل تمكينها من الوفاء بالالتزامات المطلوبة منها إزاء احتياجات الشعب الفلسطيني، وقدرته على مواجهة الأعباء الناجمة عن سياسات الاحتلال، وقال: "التنمية والتمكين ليست ترفاً بل عناوين أساسية لإنهاء الاحتلال".
من جانبهم رحب ممثلو القطاعات المختلفة التي شاركت في هذه الاجتماعات بدعوتها للمشاركة في الحوار حول التوجهات والإجراءات الكفيلة بتقليص العجز الجاري في موازنة السلطة، وبما يفضي إلى توافق حولها، واعتبروا أن الدعوة لهذا الحوار يعبر عن جدية الحكومة في تعزيز المشاركة المجتمعية في تحمل المسؤولية لمواجهة الأزمة، وأن ذلك يرسخ مفاهيم العمل الديمقراطي في فلسطين.
ومن الجدير ذكره أنه كانت قد سادت جميع هذه الاجتماعات أجواء ايجابية وجدية، وأن رئيس الوزراء فياض استمع باهتمام كبير لمختلف القضايا التي تم طرحها، وأكد على أهمية بلورة آليات كفيلة بمتابعة الحوار حولها.
وقد أدار الحوار في هذه الاجتماعات لجنة ثلاثية ضمت د.عزمي الشعيبي، ود.نبيل قسيس، ود.سمير عبد الله. وسيواصل رئيس الوزراء فياض خلال الأيام القادمة لقاءاته التمهيدية مع باقي ممثلي الفئات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة تمهيداً للحوار الوطني بمشاركة وحضور ممثلي مختلف هذه القطاعات.