بورين ليست لوحدها/د. أسامه الفرا

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...


بورين ليست لوحدها


قبل عدة شهور كنت في نابلس لزيارة صديق جاء من غزة لإجراء عملية قلب مفتوح، حيث يكتظ المركز بالقادمين إليه من غزة، وكأن أمراض القلب وتوابعها مستوطنة في القطاع، وأنا في الطريق من رام الله إلى نابلس حرصت أن اسأل سائق التاكسي عن قرية بورين جنوب نابلس، وإذا أمكن أن نعرج عليها في طريقنا، سأل سائق الأجرة هل هنالك مكاناً محدداً ترغب في الذهاب إليه في القرية؟، أجبت برغبتي في رؤية هذه القرية، أومأ السائق برأسه بإيحاء عدم قناعته بالإجابة، وكي أزيل اللبس الذي وقع فيه السائق وأختصر عليه طريق ما أرمي إليه من زيارة هذه القرية، قلت له أن بورين لم تعد تلك القرية النائية التي يدخل السؤال عنها لقادم من غزة الاستغراب، فبورين حاضرة بقوة في وسائل الإعلام بفعل ما يرتكبه المستوطنون من جرائم يومية بحق أهلها وممتلكاتهم، علت على وجه السائق ابتسامة ممزوجة بالألم، فهو من جهة يمتلك الكثير لقوله في هذا المجال ولعل هذا هو الدافع وراء الابتسامة، وفي ذات الوقت ما يمكن أن يقوله لا يحمل في طياته سوى معاني الألم والاضطهاد والظلم التي يتعرض له أهالي بورين بشكل شبه يومي، قبل أن نصل إلى نابلس أنحرف السائق عن الطريق الرئيسي الذي يربط رام الله بنابلس ليشير بيده إلى قرية بورين التي لا تبعد كثيرا عن الطريق الرئيسي.


 


بورين أشتق أسمها من بور وهي الأرض الغير مزروعة، ويبدو أنها جاءت من صيغة المثنى لكلمة بور، نسبة إلى البور الشرقي والبور الغربي لمدينة نابلس، وما أن تطأ قدماك أرض بورين حتى يتسلل إليك شعور بمدى الطيبة الريفية التي يتحلى بها أهلها، وما أن تتجول فيها تدرك كم هي قرية مسالمة يعكر صفو الحياة فيها ما يقوم به قطعان المستوطنين بين فينة وأخرى من اعتداءات على السكان وممتلكاتهم، حتى مسجد القرية ومدرستها لم يسلما من همجيتهم، وبورين التي تم الاستيلاء على أرض مواطنيها لإقامة مستوطنتين "يتسار وبارخا"، تعاني اليوم من عربدة وهمجية المستوطنين القادمين إليها من هاتين المستوطنتين، وبورين ليست القرية الفلسطينية الوحيدة التي تعاني من السلوك الحيواني للمستوطنين، فعلى شاكلتها الكثير من القرى والبلدات وحتى المدن الفلسطينية، ولا يكاد يمضي يوم إلا ويسجل فيه اعتداء من قبل المستوطنين على السكان الفلسطينيين، والاعتداءات كما تطال البشر تطال الحجر والشجر، وبورين تشتهر بزيتونها وزيتها، وقاطنيها يعملون في غالبيتهم في الزراعة، وزيتونها دوما ما يتم اقتلاعه من قبل المستوطنين، ويمارس المستوطنون كل أشكال الإرهاب لمنع المزارعين من الوصول إلى أرضهم، وعادة ما يعيث المستوطنون فسادا في الأرض دون كابح لهمجيتهم وعربدتهم، بل في كثير من الأحيان يفعلون ذلك بحماية من جيش الاحتلال، أو على أقل تقدير تحت سمعه وبصره وكأنه يبارك ما يقومون به.


 


عربدة المستوطنين تزايدت واتسع مداها، وطالما أنهم يفسدون في الأرض دون كابح لهم، فمن غير المتوقع أن يتوقفوا عن ذلك، وحيث أن الاستيطان هو السرطان الذي ينخر جسد مشروعنا الوطني، وأن معركتنا مع الاحتلال تتمحور حول الأرض، والاستيطان هو الأداة التي تحاول من خلالها حكومة الاحتلال وأد الدولة الفلسطينية المستقلة، لذلك لا بد من وضع سياسة واضحة للتصدي لعربدة المستوطنين، فمن غير المقبول أن يترك قطعان المستوطنين يعيثوا ترهيباً وفساداً وعدواناً على البشر والحجر دون أن نحرك الكل الفلسطيني لوضع حد لهذه العنجهية والغطرسة والعربدة، والأمر هنا لا يجب أن يتوقف عند حدود تصدي الأهالي لقطعان المستوطنين، رغم ما يسجله الأهالي من صور نضالية رائعة في الدفاع عن أرضهم وممتلكاتهم، بل يجب أن يشعر الأهالي أن السلطة الوطنية بكافة مكوناتها تشاركهم في التصدي للمستوطنين، وبطبيعة الحال لا يتطلب ذلك تقديم المساعدات المالية للمتضررين من اعتداءات المستوطنين فقط، بل أيضاً في ضرورة خلق آليات لمشاركة الأهالي في الدفاع عن أرضهم ومواجهة قطعان المستوطنين، لم يعد من المنطق في شيء الاكتفاء بعبارات الإدانة والشجب والاستنكار، فمهمة السلطة تقبع في توفير الأمان لمواطنيها، وإن كنا ندرك أن مقدراتنا لا تسمح لنا بذلك أمام قدرات الاحتلال، إلا أن ذلك لا يمنعنا من مجابهة المستوطنين وعربدتهم، فصدورنا لم تعد تتسع للمزيد من همجيتهم، وبورين كما الحال مع باقي القرى الفلسطينية التي تتعرض يوميا لاعتداءات المستوطنين بحاجة لأن تشعر بأنها ليست لوحدها تقاوم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت