( غيث السماء) هل يعني رضى الله ..وماذا عن الحرب .!؟/منذر ارشيد

بقلم: منذر ارشيد

بسم الله الرحمن الرحيم


تأخر المطر هذا العام وكاد البعض أن يفقد الأمل وقال بعضهم


 (السنة سنة محل) وهؤلاء لا يدركون أن ساعة من ساعاته يقضي بها حاجاته , وهو الذي يحي الأرض بعد موتها


وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} صدق الله العظيم



وها هي السماء تُقل السحاب تلو السحاب والمطر يتواصل على مدار الساعة ومنذ شهر في شتاء لم نشهده منذ سنوات


هو الله الرحيم المغيث لعباده ,ولكن ألا يتسائل الناس لماذا يحبس الله  المطر رغم الغيوم التي تتكدس في السماء أحياناً كثيرة .!


وكيف لا يحبس الله المطر رغم كل ما تظهر من بشائره من غيوم تتكدس وهي بدون شك تحمل الماء ولكن بقدرة قادر تمر وكأنها لم تكن إلا سراباً


فنتحسر عليها ونقول الله  إذا  كل هذه الغيوم ولم تُمطر..


 فكيف لها أن تُمطر ..!


 غضب الله عظيم .. كيف لا وهو  يرى الفساد  ظلما ً وقتلاً وسفكاً  للدماء الذي يجري على الأرض .!


و قد أمرنا بالرحمة والعطف والتسامح  , وقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ,


 وهل نستحق رحمة الله وغيثاً أو حتى  نصراً .!


 ونحن في أسوأ حال كأمة كانت خير الأمم  , ونحن  لا نتراحم فكيف سيرحمنا الله .!


فلا يرحم قوينا ضعيفنا ولا غنينا فقيرنا وقد أخذت حكامنا العزة بالإثم فعاثوا فساداً وإفسادا , وتوحشت الناس وأصبحت صور القتلى لا تُحرك النفوس ولا الضمائر وهي تُعرض على الشاشات كمشاهد يومية تعودت عليها العيون وما عادت تحرك المشاعر " مجازر  لم تحصل إلا في ما قرأناه في التاريخ عن هولاكو وكل أشرار الأرض


كيف نريد الغيث والرحمة من الله وقد هُدمت الكعبة الاف المرات


ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم "


 لهدم الكعبة أهون عند الله من سفك دم مسلم " , فكم ألف مسلم تم سفك دمه خلال العام الفائت وهذا العام .!


 


ولكن الله بعلاه وبعظيم قدره وعظيم رحمته لم يعاملنا بما نستحق فأرسل السماء علينا مدراراً ..ولكن ..!


وأسبابه جليه وقد ذكرها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي : قال الله تعالى )وعزتي وجلالي لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع


وبهائم رتع؛ لخسفت بكم الأرض خسفاً ولمنعتكم القطر من السماء      (


ولكن علينا أن نتوقف ملياً ولا نفرح كثيراً ونحن نرى هذا الخير الذي هطل علينا من السماء حتى لو رأينا الزرع قد أعطى أعظم ما يعطي من ثمار,  ولا نفرح كثيراً إذا ما رأينا الينابيع قد تفجرت وأزهار الربيع قد كست  الشجر ..فالربيع ربما لن يكون ربيعاً عربياً كما رأيناه في مصر وتونس .. وإنما خريفا ًمخيفاً  يأتي متناقضاً مع طبيعة الدنيا .


 


ربما يستغرب البعض من كلامي هذا ويعتبروني تشاؤمياً أقلب النعمة إلى نقمة , وكأني لا  أعترف بأن هذا الغيث هو رحمة من الله , وحاشا لله


ولكن ما دفعني لهذا الأمر هو ذكرى من ذكريات العمر التي حصلت في بداية شبابي وقد حصل في تلك السنة ما حصل وبعد إنحباس المطر عدة سنوات قبل ذلك إلا ما ندر ولم يكن كافياً


جاءعام ٌأغيث فيه الناس من خلال أمطار غزيرة لم تشهدها المنطقة قبل عامين أو ثلاثة من تلك الفترة  


فانتعشت الأرض وتفجرت الينابيع وعم الخير حيث المحاصيل الزراعية كانت تغطي الأرض وخاصة في فلسطين,  فسنابل القمح كانت تغطي قامات الرجال , والبطيخ كان في أوج ثماره التي لم نشهدها من قبل وقد  قرب نُضجها ناهيك عن باقي المحاصيل


وفي صباح يوم من أيام الفرح الفلسطيني والعربي كانت الصاعقة


التي ضربت الأمة وفي الخامس من حزيران , وقد شنت إسرائيل حربها على المنطقة  


أذكر وكنت في قريتنا صير القريبة من قباطية والزبابدة  , أتذكر مشهد الدبابات الإسرائيلية وهي تتقدم في السهل الواسع  تجرف أراضينا الخضراء متعمدة إقتلاع المحاصيل الزراعية القمح البندورة السمسم البطيخ وغيرها من المحاصيل  


كنت أرى الحسرة على وجوه الرجال الذين زرعوا بكدهم وعرقهم رغم فداحة الإحتلال وقسوة الحرب التي كنا شهوداً عليها وعلى أرواح الجنود الأردنيين والفلسطينيين  الذين سقطوا وحُرقوا داخل دباباتهم .


 


وأذكر أيضاً بعد ذلك كيف أن المحاصيل بمعظمها قد نمت ونضجت وبقيت في أرضها بسبب كثرتها وزهد أسعارها وكما أن الناس كانت في حالة يرثى لها من البؤس والشقاء نتيجة ما حصل ,فكان الثمر وفيراً ولكن لا شهية عند الناس لا للبيع ولا حتى للأكل


لا أدري هل التاريخ يُعيد نفسه ونحن نعيش في ظروف إستثنائية قاهرة


وهل هذا الخير الذي هل من السماء وما زال يهل وأنا أكتب هذا المقال  هل هو فقط من أجل " لولا أطفال رضع وشيوخ رُكع ....الحديث ..!


كل الدلائل تشير إلى غضب السماء على من في الأرض ,


وليس هناك ما يشير إلى رضى الله


فهل نحن أمام ما قبل حرب تكون أكثر طحناً من سابقاتها ..!


فقبل عام 67 لم يكن حال الأمة كحالها اليوم ورغم هذا حصل ما حصل من تشريد واحتلال وضياع بيت المقدس


فكيف سيكون الحال ومشهد الأمة اليوم وهي في أسوأ حالاتها.!


الله أعلم ..ونسأل الله اللطف  ..فما يجري في المنطقة و في سوريا بالتحديد ونحن نرى مشاهد القتل المرعبة وأشلاء الناس من أطفال ونساء ورجال ,  وبغض النظر عن القاتل أوالمقتول وعن المجرم أوالبريء  وعن الحق أوالباطل فكل ما يجري يُغضب الله


فالنظام السوري مضى عليه عقود وعقود  من الأخطاء والخطايا والمفاسد وكان له صولات وجولات في حماة ولم نرى العالم يتحرك


لأن العالم كان له أولويات أخرى ولم يكن يعنيه من يقتل من الناس


ولم يكن يعنيه الظلم الذي يقع على الناس لأن مشاريعه تسير حسب خطط مرسومة


إذا سوريا وما يحدث فيها ليس وليد اليوم ولكن..


 اليوم دقت ساعة العمل الدولي والعالمي كي تكتمل الصورة التي رسموها في مخيلاتهم وعلى خرائطهم لشرق أوسط تعيس ,


ومتناحر بعضه مع بعض ما عدا إسرائيل التي يجب أن تكون


الحاكم ُوالحكمْ  بين دويلات الطوائف المتناثرة لتكون هي وأمريكا السيد وباقي ما تبقى عبيداً


 


 


فالأمور أكثر تعقيداً وخاصة أن من يدعم جهة من الجهات هم أعوان الصهاينة وأمريكا وليس لهم علاقة لا بالله ولا بالعروبة ولا بالإصلاح .


 


ما يهمني هنا أن الأمور وصلت إلى ما هو مطلوب وإنتهى الأمر,


 وقد وصل الأمر لمجلس الأمن ولن يكون إلا قرارا ً حاسماً تندفع به كل القوى لحسم المسألة عسكريا ً وحسب ما وضع من مخططات


لقد حذرنا مراراً من أن المخطط هو لتقسيم المنطقة وهذا جلي وواضح ولا يحتاج لكثير من الفلسفة


ولا يمكن أن يتحقق هذا الأمر إلا بحرب والحرب ليست على سوريا أو النظام السوري فقط  , وستكون حربا ً ليس لها حدود


فالنظام السوري سواءً كان على حق أو على باطل لن يستسلم بسهولة


وهم يدركون ذلك لا بل هم من حفزوه على العناد لأن ليس مطلوبا التفاهم


بل العناد حتى يكون المبرر للحرب الضرورية .......!


وسيجر هذا إلى حرب تشمل المنطقة بأسرها وسيستعمل كل صاحب قوة


كل ما لديه من قوة , فالمصالح المبيتة ستظهر على السطح في أوضح صورة بعد طول استحياء , ولا نستثني إيران التي باتت الحرب مخرجاً لها لتنفيذ غايتها في الخليج ولتستبق ما يمكن أن تبيته إسرائيل لها


لأن القضاء على إيران هو مطلب أمريكي إسرائيلي وحتى عربي


 أما  إسرائيل التي لا تعرف العيش بلا حروب وبات التوسع ديدنها ولتأكيد هويتها اليهودية في مستنقع الطائفية


التي يراد لها أن تتكرس في المنطقة


وهذا لن يكون في أمريكا ولا في أوروبا ولا في الصين  ,رغم أن من له مصلحة في الحرب هي أمريكا ولا ننسى إسرائيل


 فأرض الحرب ومال الحرب ووقود الحرب سيكون من بترولنا و لحمنا ودمنا  والمحرقة ستكون في منطقتنا بمجملها ,وأعتقد  أنها لن تبقي ولن تذر , وستكون مدمرة لأن أمريكا ستجرب كل ما أنتجت من سلاح حديث على شعوبنا وأراضينا  العربية , وربما ستغير معالم المنطقة وسنشهد الكثير من الماسي والويلات ..ولكن ربما ستكون لصالحنا نحن الفلسطينيين في نهاية الأمر ..والله أعلم


فالجمود الحاصل لقضيتنا لا يمكن أن يتغير إلا بعد إنقلاب إقليمي وربما عالمي  , وقضيتنا العادلة لا يمكن ان تذهب أدراج الرياح مهما طال الزمن  بل نحن أصحاب الحق الكامل في فلسطين  وهؤلاء مجرد عابرون كما عبر من قبلهم  وأن الله لا يُخلف وعده


لا أدري هل هو تشاؤم كما سيقول البعض أم حدس  أم أنه بناء على تجربة وذكرى أليمة مرت  عنوانها


( غيث السماء)   لا  يعني رضى الله .!؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت